صحافة دولية

ترامب يتلاعب بعدد كبير جدا من الكرات الدبلوماسية في وقت واحد

فشل ترامب بإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية- جيتي
نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية تقريرا يوضح عجز ترامب عن تحويل مبادرات السلام التي اقترحها، من غزّة ولبنان وسوريا وإيران إلى أوكرانيا، إلى نتائج ملموسة بسبب غياب المتابعة وافتقارها إلى استراتيجية واضحة، ما يترك هذه الأزمات معلّقة بلا حلول. 

وقالت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن سنتَي الحرب الماضيتين جلبتا الموت والدمار إلى الشرق الأوسط، لكنهما فتحتا أيضًا فرصًا لافتة للتغيير في غزّة ولبنان وسوريا وإيران. وللأسف، قد تُهدر هذه الفرص بسبب سوء الإدارة والتأخير من جانب الولايات المتحدة وإسرائيل والدول العربية.

وقال مسؤول كبير في وزارة الدفاع الإسرائيلية هذا الأسبوع: "كل شيء عالق"، موضحًا أن فشل الدبلوماسيين في استثمار حالة الارتباك التي تعيشها إيران وحلفاؤها يعني أن "جميع الجبهات في الشرق الأوسط ما تزال مفتوحة"، فما زال معظم سكان غزّة تحت سيطرة حماس، ولبنان لم يستعد سيادته كاملة من حزب الله، وإيران تعيد بناء جيشها المنهك.

وأضافت المجلة أن مبادرة السلام الجريئة التي أطلقها الرئيس دونالد ترامب أنهت الحرب بين إسرائيل وغزّة وأحيت آمالًا بإمكان تحقيق تغييرات إقليمية واسعة. لكن غياب المتابعة من واشنطن وشركائها ترك المنطقة في حالة انتظار لـ"اليوم التالي".

وباستثناء الإفراج عن جميع الرهائن الإسرائيليين الأحياء من غزّة، تبدو معظم أهداف خطة ترامب ذات النقاط العشرين وكأنها وُلدت ميتة.

وقالت المجلة إن غزّة تكشف حدود القوة العسكرية الإسرائيلية في تحقيق نتائج سياسية. فقد استشهد أكثر من 70 ألف فلسطيني في الحرب التي أعقبت هجوم حماس في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، لكن الخبراء يؤكدون أن الحركة ما تزال تسيطر على نحو نصف القطاع، حيث يعيش قرابة 85 بالمئة من السكان.

وكانت خطة ترامب تدعو إلى قوة استقرار دولية لنزع سلاح حماس و"مجلس سلام" يشرف على إعادة إعمار واسعة، لكن هذا التصور ما يزال حتى الآن مجرد وهم.

وتابعت المجلة أن ما يجري على الأرض يعكس انتكاسات متتالية، فالدول التي تطوعت للمشاركة في القوة الدولية مثل إندونيسيا وأذربيجان بدأت تتراجع، والدول المانحة ترفض الشروع في إعادة الإعمار قبل توفر الأمن في غزّة.

واقترح جاريد كوشنر، صهر ترامب وأحد مبعوثيه إلى غزّة، إنشاء "مجمّعات آمنة بديلة" في الجزء الخاضع للسيطرة الإسرائيلية على أمل أن تجذب الفلسطينيين، لكن المشككين يستبعدون انتقال أعداد كبيرة إلى المناطق التي تديرها إسرائيل.


وأشارت المجلة إلى أن فكّ هذا الجمود يتطلب من ترامب وشركائه الاعتراف بحقيقة واضحة: القوة الوحيدة القادرة فعليًا على نزع سلاح حماس هي قوة فلسطينية، بالتعاون مع نسخة مُعاد إصلاحها من السلطة الفلسطينية.

وقد تبنّى كثير من المسؤولين العسكريين والأمنيين في إسرائيل هذا الرأي منذ سنوات. وحان الوقت لترامب ليواجه هذه الحقيقة وإلا ستنهار خطته للسلام وأمام إدارة ترامب فرصة لإحياء مسار غزّة مع زيارة مايكل والتز، مستشار الأمن القومي الأميركي إلى إسرائيل والأردن هذا الأسبوع بحسب المجلة.

وأضافت المجلة أن لبنان يمثّل فرصة ثانية يمكن إنقاذها، إذ أن الهجمات الإسرائيلية أضعفت قبضة حزب الله وفتحت الباب أمام استعادة الدولة لسيادتها عبر انتخاب جوزيف عون رئيسًا، لكن استكمال هذا المسار يتطلب نزع سلاح حزب الله بالكامل، وهو ما تعثر رغم التعهدات.

وتواصل إسرائيل ضرب الحزب، مكررة نهجها القديم، في حين تحتاج مع لبنان إلى دولة فاعلة. وعلى ترامب الضغط على عون لنشر الجيش في كل البلاد، لكن إذا لم يتحقق ذلك الآن، فمتى؟

وأردفت المجلة في تقريرها، أن إسرائيل تُهدر فرصة أخرى في سوريا. فقد جعل ترامب من تحسين العلاقات مع الرئيس أحمد الشرع مشروعًا شخصيًا، وهو متحمّس للتوسط في اتفاق أمني بين دمشق والقدس.

وأشارت إلى أن إسرائيل لا ترغب في خسارة حرية التحرّك عسكريًا داخل سوريا، ولذلك تبدي تحفظًا. وعلى بنيامين نتنياهو بدوره أن يشق طريقه نحو القبول بالاتفاق.

وقد مارس ترامب ضغطًا مباشرًا عليه عبر منشور في "تروث سوشيال" أكد فيه أنه من الضروري أن تحافظ إسرائيل على حوار قوي وصادق مع سوريا، وألا يحدث ما يعرقل مسار تحولها إلى دولة مزدهرة، في إشارة واضحة إلى ضرورة إنجاز الاتفاق. وردّ نتنياهو بأن إسرائيل منفتحة على التوصل إلى اتفاق مع سوريا، لكن بشرط نيل منطقة عازلة.


وأوردت المجلة أن إيران، وهي قلعة الوضع القائم في الشرق الأوسط، تزعزعت بشدة تحت ضربات إسرائيل والولايات المتحدة خلال حرب الأيام الاثني عشر في يونيو/ حزيران.

وقد فرض ترامب وقف إطلاق النار هناك أيضًا، لكنه لم يترجم هذا النصر إلى اتفاق دبلوماسي يقيد القوة العسكرية الإيرانية مقابل المساعدة الاقتصادية التي تحتاج إليها طهران بشدّة.

وبينت المجلة أن الفرصة تطرق باب العلاقات الأمريكية-الإيرانية، فقد نقل وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان إلى واشنطن الشهر الماضي رسالة إيرانية تقترح استئناف محادثات السلام. وقد نفى المرشد الأعلى علي خامنئي صحة الرسالة ووصفها بأنها "أكاذيب محضة".

ولفتت المصدر المقرّب من السعوديين إلى أن محادثات هادئة تجري عبر مبعوثين سعوديين وعُمانيين وإماراتيين وقطريين لاستكشاف إمكانية بدء حوار جاد مع الولايات المتحدة.

وتابعت المجلة أن طموح ترامب كصانع للسلام يبدو بلا حدود، إذ قال خلال زيارة ولي العهد السعودي: "إيران تريد عقد اتفاق… وأنا مستعد تمامًا لذلك"، لكن مشكلته أنه يحاول التعامل مع عدد كبير جدًا من الملفات الدبلوماسية في آن واحد، ما يجعل بعضها يسقط حتمًا. وهذا ما حدث عقب اتفاقه بشأن غزّة؛ إذ وعد بأكثر بكثير مما أنجز حتى الآن.

ويحاول ترامب الآن التوسط في اتفاق سلام بالغ الأهمية لأوكرانيا، لكن مصداقيته كوسيط متعدد الاتجاهات ستتعزز فقط إذا أثبت أنه لا يكتفي بإطلاق المبادرات بصخب، بل قادر أيضًا على تنفيذها.