صحافة دولية

مسؤول أمريكي سابق: مكانتنا تراجعت حول العالم بسبب شكل العلاقة مع "إسرائيل"

الاحتلال ارتكب إبادة جماعية بحق سكان قطاع غزة- الأناضول
قال نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكية السابق للشؤون الإسرائيلية الفلسطينية، أندرو ميلر، إن العلاقة بين أمريكا والاحتلال والشكل الذي تجري عليه رسخ أسوأ الغرائز لدى الإسرائيليين.

وأشار في مقال بمجلة فورين أفيرز، إلى أن حرب غزة كشفت أيضا أن الحفاظ على هذا النوع من العلاقات الثنائية يأتي بتكاليف باهظة. عندما تشتري دول أخرى أسلحة أمريكية، تخضع المبيعات لمجموعة من القوانين الأمريكية، ولكن، ليس الاحتلال. ويمتنع الشركاء الآخرون عن إظهار تفضيلهم العلني لحزب سياسي أمريكي أما قادة إسرائيل فيفعلون ذلك.

ولا تدافع واشنطن عادة عن سياسات دولة أخرى تتعارض مع سياساتها لكن هذه ممارسة معتادة عند التعامل مع الاحتلال.


وأوضح أن هذه الاستثنائية أعاقت مصالح كلا الطرفين، بالإضافة إلى إلحاق ضرر جسيم بالفلسطينيين. وبدلا من المساعدة في ضمان بقاء دولة الاحتلال، وهو الهدف الظاهري للسياسة، حيث رسخ الدعم الأمريكي غير المشروط أسوأ غرائز القادة الإسرائيليين.

وكانت النتائج هي الزيادة المستمرة في المستوطنات الإسرائيلية وعنف المستوطنين في الضفة الغربية، وسقوط أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين في غزة، إلى جانب المجاعة.
وأعطى الدعم الأمريكي الاحتلال القدرة على القيام بأعمال عسكرية متهورة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وفاقم المخاطر الوجودية التي تواجهها في الولايات المتحدة، وأدت الحرب في غزة إلى تآكل الدعم الشعبي للاحتلال بشكل كبير.

وشدد أنه لا يمكن للعلاقة أن تستمر على حالها إلى أجل غير مسمى. إنها تتطلب نموذجا جديدا، أكثر اتساقا مع كيفية تعامل واشنطن مع الدول الأخرى، بما في ذلك أقرب حلفائها الملتزمين بالمعاهدات.

وأنه على الرغم من أن الولايات المتحدة والاحتلال تربطهما رابطة فريدة منذ قيام الاحتلال، إلا أن علاقتهما لم تتخذ دائما شكلها الاستثنائي الحالي. فحتى إدارة الرئيس بيل كلينتون، لم يكن الدعم الأمريكي يترجم إلى شيك على بياض. لم يتردد الرؤساء الأمريكيون في معارضة حكومة إسرائيل علنا أو فرض عقوبات عليها لمحاولة تغيير سلوكها.

وقال إن نهاية الحرب الباردة والنصر الحاسم للولايات المتحدة في حرب الخليج الأولى قد هيأ ظروفا مواتية لتسوية شاملة في الشرق الأوسط. وسعيا لتحقيق هذا الهدف، قدم كلينتون وفريقه دعما خطابيا وماديا غير مشروط تقريبا لإسرائيل لتشجيعها لتبني نهج التسوية.

وأضاف أن النهج الأمريكي استند إلى أربعة افتراضات أساسية.

أولا، أن المصالح الأمريكية والإسرائيلية متوافقة وثانيا، إدراك إسرائيل لمصالحها الخاصة والتهديدات التي واجهتها من دول معادية تُضاهي قوتها. ثالثا، من الأفضل حل أي خلافات بين الحليفين سرا. وأخيرا، عندما تقتضي الضرورة، ستراعي إسرائيل المخاوف الأمريكية المهمة للحفاظ على علاقة ضرورية لبقائها على المدى الطويل.

وبيّن أن العلاقة التي نشأت من هذه النقطة متفردة حقا في توقعاتها ومعاييرها وأسلوب عملها. مدفوعة جزئيا بجماعة ضغط سياسية قوية مؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة، استمرت دون تعديل جوهري. لا تزال واشنطن تظهر احتراما بالغا ليس فقط لحكم القادة الإسرائيليين، ولكن أيضا لاحتياجاتهم السياسية الداخلية. فهي تقدم دون شروط، مبالغ هائلة من المساعدات العسكرية: وعدت مذكرة تفاهم عام 2016 بمبلغ 3.8 مليار دولار سنويا، وتحويل يومي لأكثر من 10 ملايين دولار من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين، ويضيف الكونغرس المزيد بانتظام. من المتوقع من الولايات المتحدة ألا تتجنب انتقاد إسرائيل علنا فحسب، بل أن تدعم أيضا موقف إسرائيل في الهيئات الدولية، وأبرزها استخدام حق النقض (الفيتو) ضد قرارات مجلس الأمن الدولي التي تعترض عليها إسرائيل، سواء كانت تعكس السياسة الأمريكية أم لا. ونادرا ما تخضع إسرائيل، إن وُجدت، لقوانين وسياسات أمريكية معينة، وخاصة القيود القانونية المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان التي تنطبق على جميع المتلقين للمساعدات الأمريكية.

وأكد أن الدعم غير المشروط أدى حتما إلى مخاطر أخلاقية لكلا البلدين. ليس لدى إسرائيل سبب لاستيعاب المخاوف والمصالح الأمريكية لأن رفض القيام بذلك لا يكلف شيئا. كما أن الدعم المستمر يورط الولايات المتحدة في تصرفات إسرائيل. بدورها، تشعر إسرائيل بالاستياء من التدقيق المتزايد الذي تتلقاه من بعض شرائح الجمهور الأمريكي بسبب المساعدات التي تتمتع بها.

وينظر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى العلاقة الاستثنائية على أنها شيء يمكن استغلاله بدلا من كونها شبكة أمان تُستخدم في الحالات القصوى.

وأكد أن تداعيات هجوم حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر سلطت الضوء على العيوب الجوهرية في هذه العلاقة الاستثنائية. كان دعم الإدارة للرد العسكري الإسرائيلي بمثابة تضامن مناسب مع شريك مفجوع ومُحاصر، ولكن بدون الوضوح، كان بالنسبة لنتنياهو بمثابة شيك على بياض.

وذكر أن إدارة بايدن أعربت مرارا وتكرارا وبحزم، ولكن سرا، عن مخاوفها بشأن ممارسات القصف التي نفذها جيش الاحتلال في الأسابيع الأولى من الحرب. ومع ذلك، فإن أي تأثير تضاءل بسبب التعليقات العلنية للمسؤولين الأمريكيين التي أعربت عن أسفها لسقوط ضحايا مدنيين لكنها تجنبت إدانتهم أو إلقاء اللوم على إسرائيل.


وبيّن أن العزلة الدولية لإسرائيل نتيجة الحرب في غزة تُمثل خطرا واضحا وقائِما عليها. وقد صرّح قادة هولندا وإسبانيا وسويسرا علنا بأنهم سيعتقلون نتنياهو إذا وطأت قدماه أراضيهم.

أما ألمانيا والمملكة المتحدة، اللتان تُسلّحان إسرائيل منذ عقود، فتُقيّدان مبيعات الأسلحة. ويُثير تغيّر المواقف في الولايات المتحدة قلقا بالغا بالنسبة لإسرائيل. ووفقا لاستطلاع رأي أجرته صحيفة نيويورك تايمز بالتعاون مع جامعة سيينا في سبتمبر/أيلول، فإن أكثر من نصف الأمريكيين - وسبعة من كل عشرة أشخاص دون سن الثلاثين - يُعارضون "تقديم دعم اقتصادي وعسكري إضافي لإسرائيل".


يعتقد خُمسا الأمريكيين، وثلثا من هم دون سن الثلاثين، أن إسرائيل تقتل المدنيين الفلسطينيين عمدا. كما أن الأمريكيين دون سن الخامسة والأربعين أكثر عرضة للتعاطف مع الفلسطينيين بشكل أساسي من تعاطفهم مع إسرائيل بشكل أساسي. ورغم أن هذه التغيرات في الرأي العام لم تُترجم بعد إلى تغييرات في السياسات، إلا أن إسرائيل لا تتوقع استمرار هذا الانفصال إلى أجل غير مسمى.

وأكد أن الحفاظ على العلاقة الاستثنائية فرض تكاليف باهظة على الولايات المتحدة أيضا. فالأمر لا يقتصر على أن السياسة الأمريكية تقوض الأهداف الأمريكية تجاه إسرائيل، بل إن العلاقة في شكلها الحالي قد أضرت أيضا بمصالح أمريكية لا علاقة لها بالشرق الأوسط على الإطلاق. لقد تراجعت مكانة واشنطن الدولية على مدار العامين الماضيين، وهو تطور استغله خصوم الولايات المتحدة بشغف.

وخلص الكاتب إلى أنه يجب على أمريكا إعادة صياغة علاقاتها بإسرائيل بحيث تصبح المشروطية سمة من سمات هذه العلاقة.

إن ربط المساعدة أو السياسة بتوافق دولة أخرى مع الأهداف الأمريكية ليس فعالا دائما، ولكنه قد ينجح. كما أن محاولة إكراه شريك لا ينبغي أن تكون الخيار الأول للمسؤولين الأمريكيين، ولكن يجب أن تكون خيارا مطروحا في حال فشل الأساليب الأخرى.