بالتزامن مع الضغوطات التي يمارسها مبعوث الرئيس الأمريكي للعراق مارك سافايا، على قوى الإطار التنسيقي الشيعي الحاكم في البلاد، فإن فصائل مسلحة قريبة من
إيران حذرت من التعامل معه، ووصفت ذلك بأنه سيكون "خائنا"، وأن الشعب سيعاملهم بوصفهم أدوات بيد
ترامب.
ورغم تعيين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مارك سافايا مبعوثا خاصا له في
العراق منذ نحو شهرين، لكن الأخير لم يصل بعد إلى بغداد لمزاولة عمله، وإنما اكتفى بإطلاق تغريدات تدعوا السلطات العراقية إلى إنهاء السلاح المنفلت والمليشيات المسلحة في البلاد.
تهديدات متبادلة
وفي تصعيد هو الأول من نوعه، شن المتحدث باسم كتائب حزب الله العراقية، المعروف بـ"أبو علي العسكري"، هجوما حادا على سافايا، ووصف تعيينه بأنها خطوة تأتي سعيا وراء "مكاسب ضيقة" في ظل ظرف إقليمي وصفه بـ"البالغ التعقيد" تمر به المنطقة.
وخاطب سافايا، قائلا: "كتائب حزب الله لن تتصدى لك، ففتية من هذا الشعب الغياري يكفون"، معتبرا أنه "الأجدر بالسياسيين والشخصيات العراقية، لا سيما من ارتدى منهم عمامة رسول الله، أن يتجنبوا التواصل مع هذا الخائن للعراق، وأن الشعب سيعاملهم بوصفهم خونة وأدوات بيد المجرم ترامب".
يأتي ذلك بعد يومين من تصريح سافايا على منصة "أكس" بأنه "لا يمكن لأي أمة أن تنجح في ظل وجود جماعات مسلحة تنافس الدولة وتقوض سلطتها. وقد أدى هذا الانقسام إلى إضعاف مكانة العراق العالمية، وخنق اقتصاده، والحد من قدرته على حماية مصالحه الوطنية".
وأضاف: "على مدى السنوات الثلاث الماضية، أثبت العراق أن الاستقرار الحقيقي ممكن عندما تتبع الحكومة نهجا واقعيا ومتوازنا يُجنّب البلاد الصراعات الإقليمية ويعيد التركيز على الأولويات الوطنية. يجب عدم عرقلة هذا المسار الناشئ. يتطلب الاستقرار قيادة مسؤولة، ووحدة في الهدف، والتزاما راسخا بتعزيز الدولة ومؤسساتها".
وتابع: "اليوم، بينما يحتفل العراق بالذكرى السنوية الثامنة لانتصاره على داعش ويُنهي بنجاح الانتخابات البرلمانية، تقع المسؤولية كاملةً على عاتق القادة السياسيين والدينيين في البلاد. سيحدد قرارهم في الفترة المقبلة ما إذا كان العراق سيتقدم نحو السيادة والقوة أم سينزلق مجددًا إلى التشرذم والتدهور".
وشدد سافايا على أن "اختيارا موحدا وعقلانيا سيرسل إشارة واضحة لا لبس فيها إلى الولايات المتحدة والمجتمع الدولي مفادها بأن العراق مستعد لتبوؤ مكانته اللائقة كدولة مستقرة ومحترمة في الشرق الأوسط الجديد"، مؤكد أن "البديل سيكون بنفس القدر: تدهور اقتصادي، واضطرابات سياسية، وعزلة دولية".
تفاهمات سرية
وبخصوص كيفية تعامل الإطار مع هذه الضغوطات، قالت الباحثة في الشأن السياسي العراقي، نوال الموسوي، إن "الإطار ممكن يتقبل أي شيء ما عدا الولاية الثانية لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وتحديدا من ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، لأن هذا العداء الشخصي بدأ يأخذ منحاه بشكل كبير".
وأضافت الموسوي لـ"عربي21" أن "البيانات المتشنجة التي تصدر عن الفصائل هي إحدى أنواع الضغوط المتاحة، خشية تمرير السوداني بعدما جرى إنشاء تحالف قوي لذلك، وهذا أثار حفيظتهم، لأنه لم يعلن أي أحد ومن جميع الأطراف السياسية والدينية، إجراء لقاء مباشر مع سافايا".
ووصفت تصريحات الفصائل أيضا بأنها "أحد سبل التوجيه، وهذا الأمر اعتدنا عليه قبل تشكيل أي حكومة في العراق، لكنها كانت في عام 2021 مغايرة وشملت إطلاق المسيّرات والقنابل الصوتية والعبوات الناسفة التي استهدفت كل من دخل في التحالف الثلاثي أو أراد الدخول فيه".
وتابعت: "هناك خطوات حالية يُقرأ من خلالها أنه ثمة تحالف يجري تشكيله في الخفاء بقيادة (الإعمار والتنمية) الذي يرأسه السوداني، مع القوى السنية. فيما تبقى الجهات الكردية التي ممكن أن تنظم لهم أو لا".
وأوضحت الموسوي أنه "هناك موافقة مسبقة لتمرير السوداني من بعض الجهات داخل الإطار التنسيقي. في الوقت نفسه فإن نوري المالكي هو الآخر لديه بواطن قوة، وهذه المشكلة التي لم تُمكن الجميع من الوصول إلى اتخاذ العراق، بالتالي يبقى كيف يقدمون برامجا لاستقطاب بقية الأطراف معهم".
وتوقعت الباحثة أن "يبقى الإطار منقسما بين كتلتين واحدة مع ائتلاف "دولة القانون" والأخرى مع تحالف "الإعمار والتنمية"، وأنه خلال جلسة اختيار رئيس البرلمان المقبلة، ستنضج الآراء باتجاه مع من ستذهب".
وأكدت الموسوي أن "تصريحات سافايا تمثل شرطا سياسيا للإدارة الأمريكية للاعتراف بالحكومة العراقية الجديدة، وذلك بعدم ضمها لأي طرف حامل للسلاح، إضافة إلى أن الولايات المتحدة لديها رغبة بشخص معين لتولي منصب رئيس الوزراء في العراق".
وبيّنت الباحثة أن "تغريدات سافايا فيها تلميحات أمريكية بأن لديهم رغبة بالسوداني، فهو دائما يذكر الثلاث سنوات الأخيرة في العراق وإشادته بها لعدم دخول العراق طرفا في حروب المنطقة. لذلك الجانب الأمريكي لا يستطيع التصريح برغبته أكثر من ذلك".
وأشار إلى أن "الجانب الأمريكي يرفض دخول أي فصائل ضمن الحكومة، لكن إذا انخرطوا بتحالف مع السوداني، فربما يكون الأمر مختلفا على اعتبار الولايات المتحدة ترغب بتولي الأخير السلطة".
"رسائل عميقة"
من جهته، قال المحلل السياسي العراقي، أثير الشرع لـ"عربي21"، إنه "ثمة تفهّم كبير من قادة الإطار التنسيقي حيال ما يحصل، وأن محادثات جرت قبل أشهر مع السوداني بخصوص الفصائل ومصيرها، خصوصا بعدما كانت إسرائيل تروم لأكثر من مرة استهداف مقار الفصائل لكن الأمر يتوقف".
وشدد على أن "الإطار التنسيقي فيه العديد من المشكلات، منها في كيفية التعامل مع الفصائل وقادتها التي تعترض على الوجود الأمريكي والتدخلات الأمريكية، وكذلك اعتراضها على آلية تشكيل الحكومة".
وكشف الشرع أن "هناك تفاهم غير معلن ما بين قادة الإطار وبين الفصائل على توفير احتياجات الأخيرة مقابل عدم تسلمهم مناصب ووزارات سيادية، وأن البعض منهم وتحديدات (عصائب أهل الحق) منخرطون في العملية السياسية، قد سلموا سلاحهم المتوسط والثقيل".
رغم تغريدة أبو علي العسكري مع وصول سافايا إلى العراق، يؤكد الشرع أنه "ثمة حلول سيتقبلها الأخير، وسينقل ما يرى ويسمع من قادة الإطار التنسيقي إلى الإدارة الأمريكية وتنتهي المشكلة، لأن هناك تفاهم عالي المستوى بين الإطار والفصائل على عدم زج العراق بما لا يريح الشعب العراقي".
ولفت إلى أنه "حتى اللحظة سياسة ترامب واضحة، وأن الاحاطات التي تنقل إليه عبر المسؤولين الأمريكيين في سفارة واشنطن أو وزارة الخارجية، وأعتقد ثمة تفهم للوضع العراقي، وأن على الإطار أن يتفهم معاني الرسائل العميقة التي يرسلها سافايا قبل قدومه إلى بغداد".
واستبعد الشرع أن "يكون ما أطلقه سافايا من تصريحات تمثل شرطا سياسيا أمريكيا للقبول بالحكومة العراقية المقبلة، لأن الأخير ليس دبلوماسيا لذلك لا يمكن أن يتحدث بلسان الخارجية الأمريكية".
ورجح الخبير العراقي أن "يصل سافايا العراق بعد تسمية رئيس الوزراء وعقد الجلسة الأولى للبرلمان واكتمال التشكيلة الحكومية، لذلك هو أرسل رسائل بوجوب عدم دخول الفصائل فيها وقطع تمويلهم، لأنه لم يحصل هذا الشيء فإن العراق ستطاله عقوبات خطيرة".
ولم يستبعد الشرع أن "تسعى الفصائل بتصريحاتها هذه إلى منع أي تسوية مع الجانب الأمريكي، وربما يكون هذا الأمر بطلب خارجي، فهي لديها أجندات وعقائد لا يمكن الاستهانة بها، وهذا ما يتفهمه قادة الإطار والقوى السنية والكردية".
وخلص إلى أن "هناك حلول سوف يطرحها الإطار التنسيقي على المبعوث الخاص بالرئيس الأمريكي، مارك سافايا حال وصوله إلى بغداد، لكن إذا لم يقتنع بها فإن الأمر قد ينتج عنه عقوبات اقتصادية لا يتحملها العراق".