كتب

رواية السنوار "الشوك والقرنفل".. قراءة إسرائيلية لصراع لم يكن مفهومًا من قبل

يوضح تحليل "الشوك والقرنفل" أن العمل الفني يمكن أن يعكس اتجاهات ثقافية ودينية وسياسية عميقة..
في فصلية "التقييم الاستراتيجي" عدد يوليو تموز 2025، والتي يصدرها معهد دراسات الأمن القومي INSS التابع لجامعة تل أبيب، نُشرت دراسة مهمة للباحثين الإسرائيليين أوفير وينتر ونيف شايوفيتش، عنوانها "للصراع بُعدٌ غير مفهومٍ سابقًا: مراجعةٌ لرواية مُدبّر السابع من أكتوبر"، وهي قراءةً استعاديةً لرواية "الشوك والقرنفل"، التي كتبها السنوار في 2004 أثناء قضائه أحكاما مدتها 430 سنة في سجون إسرائيل.

تتناول الدراسة الصلة بين "الشوك والقرنفل" وهجوم السابع من أكتوبر، وما أثارته من ردود أفعال عربية ودولية. فهي ليست مجرد عمل أدبي، أو سيرة ذاتية؛ وإنما هي بيان أيديولوجي حيّ، يُواصل تشكيل الوعي السياسي والديني والثقافي لدى جماهير غفيرة حول العالم، مما يُظهر أن النصوص الأدبية قد تكون أداة قيّمة لمراكز الابحاث والاستخبارات لتحديد دوافع الفلسطينيين، ورؤيتهم للعالم، والتنبؤ بنواياهم.

الخيال يتحول إلى واقع

في أبريل/نيسان 2022، بثّت "قناة الأقصى" الفضائية التابعة لحماس مسلسل "قبضة الأحرار"، وفيه يظهر مقاتلوها وهم يغزون إسرائيل، ويستولون على قواعد الجيش، ويأسرون جنودًا. وأشاد السنوار بالمسلسل، مشيرًا إلى أن مقاتلي حماس مُقدّر لهم أن يُحوّلوا هذه الحبكة الخيالية إلى واقع. وهو ما تحقق عندما حوّلت حماس النص إلى عملية منفذة على الأرض في هجوم السابع من أكتوبر 2023.

"الشوك والقرنفل" محاولة فريدة من نوعها للتعبير عن طبيعة حماس، وسعيها للتركيز على مركزية الإسلام في النضال من أجل تحرير فلسطين، من النهر إلى البحر، باعتبارها أرض وقف لا يمكن التنازل عن شبر منها، وأن الجهاد هو السبيل إلى تحريرها. وقد حوّلت حماس، منذ تأسيسها في الانتفاضة الأولى، هذه الأفكار إلى برنامج سياسي. وفي يناير/كانون الثاني 2006، أُجريت انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني، التي فازت بها حماس. وبعد عام ونصف، سيطرت على القطاع.
فشلت إسرائيل في تفسير تدريبات حماس، وتصريحات قادتها، ومؤتمراتها العامة، وبرامجها التلفزيونية. وانتهى هذا الفشل، إضافة إلى سياسة إسرائيل طويلة الأمد في احتواء حماس، ومعرفتها الضئيلة برواية "الشوك والقرنفل"، بمفاجأة استراتيجية تُوّجت بأسوأ مأساة في تاريخها.

منهجية الدراسة

تعتمد الدراسة على نهجٍ تفسيريٍّ يجمع بين التحليل النصي للرواية، ودراسة السياق الاجتماعي والسياسي الذي كُتبت فيه، والخلفية الدينية والأيديولوجية للسنوار. وقُرئت بأثرٍ رجعيٍّ في ضوء الأحداث التي وقعت بعد قرابة عقدين من نشرها، وكيف تمت ترجمتها إلى سياسات. فالسرديات الأدبية هي أداة مهمة لتشكيل الوعي الجماعي، والتصورات الأخلاقية، والمعتقدات الدينية، والأطر المفاهيمية التي تحدد هوية اللاعبين السياسيون هويتهم، ومعنى أفعالهم، ووسائلهم في التأثير على نظرة الجماهير المستهدفة محليًا وإقليميًا ودوليًا.

حماس والسنوار.. من الانتفاضة الأولى إلى 7 أكتوبر

"الشوك والقرنفل" محاولة فريدة من نوعها للتعبير عن طبيعة حماس، وسعيها للتركيز على مركزية الإسلام في النضال من أجل تحرير فلسطين، من النهر إلى البحر، باعتبارها أرض وقف لا يمكن التنازل عن شبر منها، وأن الجهاد هو السبيل إلى تحريرها. وقد حوّلت حماس، منذ تأسيسها في الانتفاضة الأولى، هذه الأفكار إلى برنامج سياسي. وفي يناير/كانون الثاني 2006، أُجريت انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني، التي فازت بها حماس. وبعد عام ونصف، سيطرت على القطاع.

وعلى مدار السنوات التالية، نجحت في ترسيخ حكمها فيه؛ لكنها عانت بين 2013 و2017 من عقبات استراتيجية بسبب أزمة علاقاتها مع مصر، إذ اتهمها نظام السيسي بدعم الأنشطة الإرهابية في سيناء، وشدّد إغلاق معبر رفح، وكثّف جهوده لتدمير الأنفاق. ورافق ذلك حملة لنزع الشرعية عنها. فوجدت نفسها معزولة بشكل متزايد على الساحة الإقليمية والدولية.

لذا، بدأت حماس في إعادة النظر في سياساتها وتصريحاتها لتخفيف الضغوط الخارجية والداخلية المتزايدة، فتوصلت إلى اتفاقيات مع مصر وفتح، وحدّثت ميثاقها في مايو آيار 2017، مع استخدام أقل للمصطلحات الإسلامية، واستخدام لمصطلحات أخرى مثل المقاومة المسلحة. ونفت صلاتها بالإخوان المسلمين؛ وأوضحت أن "النضال ضد المشروع الصهيوني ليس نضالًا دينيًا ضد اليهود"، وأعربت عن استعدادها لإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية على أساس خطوط 4 يونيو/حزيران 1967، ولكن دون الاعتراف بأوسلو أو أي حل دائم يقتضي تقسيم الأرض. وزاوجت حماس بين المقاومة العنيفة والسلمية لإسرائيل، اعتمادًا على إدراكها لاحتياجاتها والظروف المتغيرة. وهو وضع أدى إلى جولات دورية من القتال بين الجانبين. وبعد عملية حارس الأسوار مايو آيار 2021، رأت حماس، برئاسة السنوار، أن تدمير إسرائيل هدف قابل للتحقيق. واستند ذلك إلى ارتباطها بمحور المقاومة، وعلى تقييمهم بأن إسرائيل تعاني من ضعف داخلي متزايد.

وفي يونيو حزيران 2022، كتب السنوار إلى إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحماس، وثيقة "وعد الآخرة"، عثر عليها الجيش أثناء حرب غزة، وهدفها إحداث انهيار إسرائيل، وتتضمن برنامج عمل محدد وتنسيقا مع محور المقاومة في حملة واسعة النطاق ستغير المنطقة بأكملها وواقعها السياسي. ويجب أن يكون الأقصى العنوان الرئيسي لها، وأن يرتبط التوقيت بأحد الأعياد اليهودية التي تتزايد فيها اقتحامات الأقصى.

وفي وثائق أخرى، اختار السنوار بعناية توقيت هجوم ٧ أكتوبر. ولم يُبلغ حزب الله وإيران خوفًا من تسريب يُفقد الهجوم عنصر المفاجأة؛ لكنه دعا بعد ذلك محور المقاومة إلى مساعدته. وكان من دوافعه لتفعيل الخطة احتمال شن إسرائيل هجمات مفاجئة على محور المقاومة، وعرقلة التطبيع الذي كان يتبلور بين إسرائيل والسعودية، والذي من شأنه اعتراف السعودية، مهد الإسلام، بإسرائيل، وجذب دول عربية وإسلامية إلى دائرة السلام، ويقضي على أمل توحيد الأمة في معركة مشتركة لتحرير فلسطين.

من هو السنوار؟

وُلد السنوار عام 1962 في خان يونس لعائلة من اللاجئين من عسقلان. وفي أوائل الثمانينيات، درس اللغة العربية وآدابها في الجامعة الإسلامية بغزة. واعتقلته إسرائيل عامي 1982 و1985 بسبب أنشطته الطلابية، وحُكم عليه بالسجن لفترات قصيرة. وعند تأسيس حماس، عُيّن السنوار مسؤولاً عن جهاز الأمن الداخلي، "مجد"، الذي كانت مهمته كشف المتعاونين مع إسرائيل وتصفيتهم، ثم أصبح الذراع العسكري للحركة. وحكم على السنوار في ١٩٨٩ بعدة مؤبدات لقتله أربعة فلسطينيين عملاء للاحتلال. وخلال فترة سجنه، تعلم العبرية، وترجم بعض الكتب غير الروائية من العبرية إلى العربية. وكتب كتابين غير روائيين يتناولان حماس. وكانت رواية "الشوك والقرنفل"، من أبرز ما كتبه في أواخر ٢٠٠٤، ونُشرت دون الكشف عن هوية كاتبها.

بعد إطلاق سراحه في صفقة شاليط عام ٢٠١١، تدرج في صفوف حماس، وشغل عددًا من المناصب المهمة في طريقه إلى القيادة، وانتُخب قائدًا لها في غزة لدورتين متتاليتين، في ٢٠١٧ و٢٠٢١. وبعد اغتيال هنية، عُيّن خلفًا له في رئاسة للحركة، وظل فيه حتى اغتياله في 16 أكتوبر/تشرين الأول 2024.

عرض موجز للرواية

رواية "الشوك والقرنفل" من نسج الخيال، لكن هناك أوجه تشابه واضحة بين حياة أبطالها وحياة المؤلف. ويكمن الترابط بين حبكة الرواية وواقعها في تسلسلها الزمني، الذي يتنقل بين الأحداث الحقيقية في الفترة من 1967 إلى 2004.

يقول السنوار في المقدمة: هذه ليست قصتي الشخصية، ولا قصة شخص بعينه، مع أن جميع أحداثها حقيقية تتعلق بهذا الفلسطيني أو ذاك. والخيال الوحيد فيها هو تحويلها إلى رواية تدور حول شخصيات محددة، لتحقيق شكل ومتطلبات العمل الروائي. وما عدا ذلك، فكل ما كُتب فيها حقيقي، سواء عشته بنفسي، أو سمعته من آخرين عاشوه بأنفسهم على مدى عقود في أرض فلسطين الحبيبة.

تدور الرواية حول عائلة فلسطينية اُقتعلت من منزلها عام ١٩٤٨، وهاجرت إلى غزة، وتضطر منذ ١٩٦٧ إلى التعامل مع واقع الحياة في مخيم الشاطئ للاجئين تحت الاحتلال الإسرائيلي. وتُربي الأم المُعيلة أطفالها الثلاثة وابنيّ أخيها بمفردها تحت سقف واحد، دون آبائهم الذين فُصلوا قسرًا عنهم نتيجة حرب الأيام الستة. ويكبر الأبناء وهم ينتمون إلى فصائل فلسطينية مختلفة، ويختلفون حول كيفية مواجهة الاحتلال.

هذه ليست قصتي الشخصية، ولا قصة شخص بعينه، مع أن جميع أحداثها حقيقية تتعلق بهذا الفلسطيني أو ذاك. والخيال الوحيد فيها هو تحويلها إلى رواية تدور حول شخصيات محددة، لتحقيق شكل ومتطلبات العمل الروائي. وما عدا ذلك، فكل ما كُتب فيها حقيقي، سواء عشته بنفسي، أو سمعته من آخرين عاشوه بأنفسهم على مدى عقود في أرض فلسطين الحبيبة.
ثلاثة من الأولاد هم الشخصيات الرئيسية في الرواية: أحمد، الراوي، طالب علوم يميل قلبه نحو حماس بتأثير ابن عمه إبراهيم، الذي يُمثل قدوته؛ وإبراهيم، بطل الرواية، والذي يحمل رمزيًا اسم والد وابن السنوار الحقيقيين، ناشط في الإخوان المسلمين بغزة، التي انبثقت منها حماس في النهاية، ويدرس في الجامعة الإسلامية بغزة، ويعمل على غرس روح المقاومة في الآخرين؛ ومحمود، الأخ الأكبر لأحمد، ناشط في حركة فتح، ولا يتفق مع أيديولوجية حماس، ويرى أن منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية هما الممثلان الشرعيان للشعب الفلسطيني، ويدعم اتفاقيات أوسلو.

من "الشوك والقرنفل" إلى "طوفان الأقصى"

يُعتبر السنوار العقل المدبر وراء السابع من أكتوبر، ويصعب على قراء رواية "الشوكة والقرنفل" المعاصرين تجاهل التلميحات القوية للهجوم على إسرائيل الذي خطط له ونفذه بعد نحو عقدين من الزمن، حيث غالبًا ما تعكس التعبيرات الأدبية بالرواية الأجندة العملياتية للطوفان: الحرب مع إسرائيل حرب دينية؛ التضحية بالحياة من خلال الجهاد قيمة مقدسة وهدف أسمى؛ أخذ الرهائن كتكتيك لإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين؛ تدمير اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل والعرب، ورفض الخط السياسي للسلطة الفلسطينية. ومن خلال ربط القدس بالهجوم، سعت حماس إلى إضفاء طابع ديني إسلامي على الحملة، والتعبير عن الهدف الاستراتيجي الأسمى للحركة: توحيد جميع جبهات النضال ضد إسرائيل، وتجنيد الجماعة العربية الإسلامية لتحرير أرض فلسطين، وفي قلبها المسجد الأقصى.

ويتجلى هذا النهج في رواية السنوار. ففي أواخر سبعينيات القرن الماضي، حين كان دخول إسرائيل من قطاع غزة ممكنًا تقريبًا دون أي عوائق، نظّمت الكتلة الإسلامية، التي أصبحت فيما بعد حركة حماس الطلابية، زيارة للمسجد الأقصى. وفي الطريق إلى القدس، توقفت حافلة الطلاب قرب اللطرون، حيث التقط إبراهيم ـ والدموع تملأ عينيه ـ حفنة من التراب حيث سكبت دماء صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، الذين قاتلوا في هذه البقعة عام 637 ميلادية، في جيش أبي عبيدة بن الجراح. وأعرب إبراهيم عن رغبته في أن تسقي الأرض بدماء خلفاء هؤلاء المسلمين الأوائل، فلسطينيي اليوم، حتى تحريرها. وبلغت الزيارة ذروتها عندما دخل التلاميذ المسجد الأقصى، وصلّوا فيه، وزاروا قبة الصخرة. وبينما كانوا يستوعبون قدسية المكان، لاحظوا ظلمًا لا يُطاق: جنود الاحتلال الإسرائيلي متمركزون عند المدخل، يقررون السماح بدخول المصلين أو منعهم. وفي تلك اللحظة، عبر أبطال الرواية عن أن الغضب إزاء إساءة معاملة الأقصى وفلسطين يجب أن يترجم إلى جهاد لتحريرهما، وفقًا لمسار أبطال الإسلام منذ الفتح، مرورًا بصلاح الدين محرر القدس من الصليبيين.

بالنسبة للسنوار، لا قيمة لحياة الفلسطينيين إلا بتضحياتهم. وفي الواقع، يتضاءل السابع من أكتوبر أمام الخيالات التي ينسجها على ألسنة أبطال روايته. ويصف التوقعات التي سادت قطاع غزة خلال حرب الخليج الأولى، عندما خرج الفلسطينيون مُشجعين الزعيم العراقي: "يا صدام يا حبيب، اضرب تل أبيب". ولكن كان إحباطهم عظيمًا عندما علموا أن الصواريخ التي أُطلقت لا تحمل سوى رؤوس حربية تقليدية. لذا، اكتفى أبطال رواية السنوار بأعمال أكثر تواضعًا، لكن الهدف كان جعل المحتلين "يلعنون اليوم الذي دخلوا فيه أرضنا واحتلوا مقدساتنا". ويُشيد الراوي بسلسلة من الهجمات والعمليات الاستشهادية يقيادة "المهندس" يحيى عياش؛ وإطلاق أولى قذائف الهاون وصواريخ القسام على قرى في غلاف غزة والنقب الغربي.

وتقدم الرواية الهجمات الفلسطينية في عمق إسرائيل كدليل على قدرة الفلسطينيين على إلحاق أضرار جسيمة بالعدو، على الرغم من الفجوة الهائلة في ميزان القوى بين الجانبين. ووفقًا للراوي، كانت الهجمات ناجحة للغاية: إذ أثارت الذعر والتوترات في المجتمع الإسرائيلي؛ وتسببت في إخلاء الشوارع؛ وإغلاق المتاجر والمقاهي. ولم يجرؤ سوى حفنة من الإسرائيليين على استخدام وسائل النقل العام. ووُضعت أكياس الرمل في مراكز التسوق، التي بدت كقواعد عسكرية نتيجةً لحواجز التفتيش ونشر آلاف الجنود وضباط الشرطة.

ويبرر أبطال الرواية الثمن الباهظ من الأرواح والممتلكات الذي دفعه الفلسطينيون جراء هجماتهم في الانتفاضة الثانية. و يرفض إبراهيم، أحد شخصيات الرواية، الدعوات الموجهة إلى حماس لإلقاء سلاحها والسماح للشعب الفلسطيني بالعيش دون حرب، فإسرائيل تقصفهم جواً، ووتدمر المدن الفلسطينية.

وهناك مسألة أخرى يُمكن ربط الرواية بهجوم 7 أكتوبر، ألا وهي الاهتمام الكبير الذي أبداه السنوار بمسألة احتجاز الرهائن كأداة مساومة لإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين، وكواجب شخصي وجماعي.

وتتناول الرواية الخلاف بين العرب والفلسطينيين الذين اختاروا المسار السياسي، وتمسك حماس الصارم بالكفاح المسلح. وكان خطاب السادات في الكنيست في نوفمبر 1977 صادمًا للغاية للشعب الفلسطيني. وبعد توقيع اتفاقيات أوسلو، تحوّل الخلاف العربي الداخلي إلى نزاع فلسطيني داخلي. وتُظهر العديد من الحوارات بين أبطال الرواية الخلاف الحاد بين منظمة التحرير الفلسطينية، ثم السلطة الفلسطينية، وبين حماس التي عارضت بشدة التسوية السياسية، مفضلةً عليها خلق حالة من السيادة لا ترتبط بأي ترتيبات دائمة ملزمة تتجاوز الهدنة المؤقتة.

ويصر بطل الرواية "إبراهيم" على إمكانية إقامة دولة فلسطينية دون الاعتراف بأي حق مدعى لإسرائيل على أي جزء منها. وتوقع إبراهيم، بطل الرواية، أن يؤدي مقتل مئات الإسرائيليين على يد المقاومة إلى دفع إسرائيل إلى الانسحاب أحادي الجانب من غزة والضفة الغربية، ويمهد الطريق لقيام دولة فلسطينية في المناطق المحررة من البلاد دون الحاجة إلى الاعتراف بالدولة اليهودية. وأنه تحت ضغط المقاومة، إذا غادرت إسرائيل الأرض دون اتفاق؛ فلن يكون الفلسطينيون ملزمين بأي التزامات تجاهها، وسيظل باب مواصلة الكفاح لتدميرها مفتوحًا حتى تتهيأ الظروف المناسبة. فالتطلعات الوطنية الفلسطينية لن تتحقق بالمفاوضات، بل بقوة السلاح فقط، والعدو لا يفهم إلا لغة البندقية والنار.

إذن، تمثّل الرواية انعكاسًا إضافيًا للصراع بين حماس ومنظمة التحرير الفلسطينية على الرأي العام الفلسطيني، حيث يطرح كل طرف مساره الخاص في النضال من أجل التحرير الوطني. وهي في جوهرها، مقالة سياسية تُشيد بنهج المقاومة، أكثر منها بيانًا معاديًا للسامية يهدف إلى التبشير بكراهية اليهود في حد ذاتهم.

الخطاب العربي حول "الشوك والقرنفل"

نشرت الرواية لأول مرة سراً عام 2004؛ لكنها بعد طوفان الأقصى، طُبعت طبعة عربية منقحة من قِبل عدة دور نشر. وفي غضون أشهر قليلة، كانت من الكتب الأكثر مبيعاً في معارض الكتب في عمّان، والسليمانية بالعراق، وإدلب بسوريا، ولاقت نجاحاً في الكويت والجزائر والمغرب ومصر.

وقد حظيت رواية السنوار باهتمام واسع، عربيًا ودوليًا، عقب هجوم 7 أكتوبر 2023، وخاصة بعد نشر الرواية الدرامية لمقتله. وتم تسويقها على أنها وصية السنوار التي عبّر فيها عن أمنيته بالشهادة التي حققها بعد عقدين من الزمن. وأشار العديد من المعلقين إلى التشابه بين اللحظات الأخيرة للسنوار وأحمد، راوي الرواية، الذي قُتل أيضًا وهو يقاتل إسرائيل.

وقد نُشرت العديد من المراجعات للرواية في الصحف ومواقع الإنترنت والمجلات الأدبية العربية، ويمكن تقسيم المراجعات إلى ثلاثة أنواع بناءً على أيديولوجية كُتّابها واهتماماتهم:

1 ـ النوع الأول: المراجعات التي كتبها أنصار محور المقاومة في لبنان وإيران، ومؤيدو حماس في قطر وتركيا، الذين شددوا على النهج الأيديولوجي الذي تطرحه الرواية، وأشادوا بقيم الجهاد والاستشهاد التي يدعو إليها المؤلف، وأكدوا أن الأقصى قضية إيمانية لا تقتصر على فلسطين وحدها. وأكدوا أن الرواية مثالٌ على تحقيق الحلم بطريقةٍ فاقت الخيال. ويُمكننا أن نتعلم من روايته كيف درّبت حماس في غزة "جيلًا شابًا قادرًا على مقاومة الاحتلال عبر سنوات من التعليم والإعداد".

2 ـ أما النوع الثاني من ردود الفعل العربية، فقد تعامل مع الرواية بإيجابية من منطلق التضامن مع صوته المعبّر عن معاناة الفلسطينيين وإنكار حقوقهم الوطنية، وليس مع الفكر الإسلامي لحماس ومحور المقاومة. وظهرت ردود الفعل من هذا النوع بشكل رئيسي في وسائل الإعلام المقربة من النظام المصري؛ لكنها تتجاهل أجزاءً من الرواية تنتقد معاهدة السلام التي وقّعتها مصر مع إسرائيل.

حظيت رواية السنوار باهتمام واسع، عربيًا ودوليًا، عقب هجوم 7 أكتوبر 2023، وخاصة بعد نشر الرواية الدرامية لمقتله. وتم تسويقها على أنها وصية السنوار التي عبّر فيها عن أمنيته بالشهادة التي حققها بعد عقدين من الزمن. وأشار العديد من المعلقين إلى التشابه بين اللحظات الأخيرة للسنوار وأحمد، راوي الرواية، الذي قُتل أيضًا وهو يقاتل إسرائيل.
3 ـ وأما النوع الثالث، وهو الأقل شيوعًا، فقد انتقد الرواية ومؤلفها. واتهم أحدهم حماس بأنها مسؤولة عن الهجمات ضد المواطنين الإسرائيليين، وصعود اليمين المتطرف في إسرائيل الذي أدى إلى اغتيال إسحاق رابين؛ وحولت المشكلة الفلسطينية من نزاع إقليمي إلى صراع ديني بين اليهودية والإسلام. وأنها تحولت إلى أشواك زرعتها حماس في غزة في أعقاب "طوفان الأقصى"، تحرق غزة وتهدد بإشعال حرب إقليمية يخسر فيها الجميع.

انتشار  عالمي لرواية "الشوك والقرنفل"

تُرجمت الرواية إلى الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والتركية والكردية والروسية والصينية والفارسية. ووُزّعت في المكتبات حول العالم. وسُجِّلت مئات الآلاف من عمليات التنزيل المجانية من مواقع الإنترنت. ويتجلى نجاحها الباهر في احتواء موقع Goodreads، بحلول يونيو/حزيران 2025، على أكثر من 300 مراجعة لها من قراء من مختلف دول العالم، وجميعها بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، وأغلبها بعد وفاة السنوار. وبلغ متوسط تقييم الكتاب 4.59 نجمة.

أثار توزيع ترجمات الرواية في الغرب سلسلة من الجدل. ففي أوائل عام ٢٠٢٤، عرضت أمازون ترجمة إنجليزية لها، وهو ما احتجت عليه المنظمات اليهودية والمؤيدة لإسرائيل بحجة أن محتواها يحرض على العنف، ويحمل في طياته كراهية اليهود، ويشجع على الإرهاب. وأعربوا عن قلقهم من أن تصل أرباح بيعها إلى حماس الإرهابية. وفي أوائل 2025، ثارت ضجة أخرى عندما ألغت إدارة جامعة "لا سابينزا" في روما ندوة نظمها طلاب مؤيدون للفلسطينيين بمناسبة صدور النسخة الإيطالية من الرواية. ولكن، استمر بيعها عبر المكتبات الإلكترونية الرائدة. وفي إعلان ترويجي لها على موقع "لا لوسي"، وُصفت بأنها "نظرة نادرة على المجتمع الفلسطيني الذي يناضل من أجل شرفه وهويته".

وعلى الرغم من الاحتجاجات، استمر بيع نسخ "الشوك والقرنفل" باللغة الإنجليزية ولغات أخرى على مواقع إلكترونية دولية مثل إيباي وفي المكتبات في سويسرا وألمانيا والولايات المتحدة. وأشارت مكتبة "كونولي بوكس" في دبلن إلى أن توزيع الرواية مهمة أخلاقية تتجاوز أي اعتبار تجاري. وكان موقع المكتبة سخيًا في مدحه للمؤلف، الذي صوّرته على أنه "اُستشهد وهو يقاتل بشجاعة ضد الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة"، داعية القراء إلى "التجول في أروقة عقل السنوار، حيث زُرعت بذور عملية طوفان الأقصى البطولية". وربط آخرون بينها وبين النضالات المناهضة للاستعمار، واعتبروها "مقاومة مشروعة" لإسرائيل. وبهذا المعنى، لم تكن الرواية مجرد وسيلة دعائية، بل أداة لترسيخ إرث السنوار بين أتباعه ومؤيدي حماس في العالم.

الخلاصة

نشرت هآرتس في سبتمبر/أيلول 2006، حوارًا مع الشاعر حاييم غوري، ذكر فيه أنه عند زيارته لمصر في ديسمبر/كانون الأول 1977، أخبره المفكر المصري حسين فوزي عن الإذلال الذي شعر به المصريون بعد حرب الأيام الستة، عندما احتقرتهم زوجاتهم وأطفالهم. وقال: "لو أن المخابرات الإسرائيلية قرأت الشعر المصري المكتوب بعد 1967، لعرفت أن حرب 1973 كان لا مفر منها". وكان استنتاج غوري: "ينبغي على كل ضابط مخابرات أن يقرأ الشعر، بينما لم نقرأه نحن ومازلنا لا نقرأه".

يوضح تحليل "الشوك والقرنفل" أن العمل الفني يمكن أن يعكس اتجاهات ثقافية ودينية وسياسية عميقة؛ ويصقل رؤى عالمية معادية لإسرائيل؛ ويمنح الشرعية لهذه الأفكار، ويشجع على المقاومة. وهي تلقي نظرة على عالم السنوار الداخلي، وتكشف عن التطابق بين أفكاره الأدبية وأفعاله على الأرض. فتمجيد الجهاد، والمعاداة القوية لإسرائيل، تتوافقان مع مفهوم حماس الذي تجسّد في هجوم السابع من أكتوبر، وتمسكها برؤية تحرير فلسطين من النهر إلى البحر بأي ثمن.

وعند دراسة رسائل الرواية، يخلص المرء إلى أن بذور الهجوم لم تُزرع فقط في تخطيط السنوار العملياتي، وإنما قبل ذلك في "الشوك والقرنفل"، مما يضاف إلى سلسلة إخفاقات إسرائيل في التنبؤ بالطوفان. وهناك إنذار آخر، وهو أن الرواية تُباع اليوم في مدن عربية وغربية، وتحظى بالتمجيد والثناء.

"الشوك والقرنفل" مرآة للماضي وضوء للمستقبل، فالصراع مع حماس لن ينتهِ في ساحة المعركة؛ وإنما باقتلاع الجذور الأيديولوجية لـ"الشوكة والقرنفل"، والفروع العملياتية التي انبثقت منها.