ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن
إسرائيل، في ظل تفكيك ما وصفته بـ"المنظومة الشيعية"، تجد نفسها أمام واقع جديد يتطلب إقامة توازن مختلف مع
تركيا يشمل التطبيع بين الجانبين.
وقالت الصحيفة إن إسرائيل "في خضمّ عملية تفكيك المنظومة الشيعية بكل تحدّياتها"، موضحة أنه مع انحسار هذا المحور، برز في الأسابيع الأخيرة "محور جديد" يضم تركيا وقطر لملء الفراغ الناتج.
وأشارت إلى أن الأدوات التي استخدمتها الاستراتيجية القديمة من عزل المحور الشيعي عن واشنطن، وجمع المعلومات الاستخبارية، وفرض العقوبات، وصولا إلى المواجهة العسكرية، "لن تنجح مع أنقرة"، لأن التعامل مع تركيا يتطلّب "تحويل القوة الصلبة وأذرع الحرب إلى شبكة مصالح وتعاونات مشتركة".
وأضافت "يديعوت" أن تركيا باتت "تحرك القصة الآن"، لافتة إلى أن الدور الذي أداه مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى أنقرة، السفير توم بَراك، ساهم في "اختراقات مهمة" في واشنطن، شملت اللقاء الناجح بين ترامب والرئيس التركي رجب طيب
أردوغان، ومشاركة رئيس الاستخبارات التركية إبراهيم كالن رسميا في محادثات شرم الشيخ الخاصة بترتيبات إنهاء الحرب، إضافة إلى "دور تركي مباشر في إقناع حركة حماس ببدء مسار التسوية عبر إطلاق سراح الأسرى خلال مهلة 72 ساعة".
واعتبرت الصحيفة أن هذه التطورات نقلت أنقرة من موقع "الطرف المتأثر بالأحداث إلى موقع الطرف الذي يصوغها".
وأشارت إلى أن تركيا "نضجت في السنوات الأخيرة في اتخاذ خطوات استراتيجية" منحتها قوة اقتصادية وعسكرية متنامية، موضحة أن الناتج المحلي الإجمالي التركي يقترب من 1.44 تريليون دولار، وأن صادراتها السلعية بلغت نحو ربع مليار دولار في عام 2024، فيما حققت صادراتها الدفاعية رقما قياسيا بلغ 7.1 مليار دولار خلال العام نفسه.
ولفتت الصحيفة إلى أن أنقرة تعزز نفوذها في الشرق الأوسط من خلال انتشارها العسكري والاقتصادي، مشيرة إلى أن قاعدة "تركْسوم" في مقديشو "وهي الأكبر خارج تركيا" أدت إلى اكتشاف حقل نفطي ضخم قبالة السواحل الصومالية، بينما حافظت على وجودها في ليبيا عبر المستشارين والطائرات المسيّرة والقوات البحرية، مما جعل وجودها "ركيزة أساسية للنفوذ السياسي والاقتصادي في شمال أفريقيا وأوروبا".
كما أوضحت أن عقيدة "الوطن الأزرق" التي تتبناها أنقرة تُترجم إلى "مطالب بحرية وطموحات تمتد عبر البحر الأسود وبحر إيجة والبحر الأبيض المتوسط"، مؤكدة أن هذه السياسة ليست أحداثًا معزولة بل "سلسلة متعمدة تحول القدرات الصناعية والعسكرية إلى قوة دبلوماسية فعالة".
وأوضحت "يديعوت" أن فكرة "الوطن الأزرق" باتت "ركنا رئيسيًا في الأمن القومي التركي"، إذ تمثل رؤية سيادية تربط الأمن بالطاقة والنقل والتجارة، وتستند إلى "بناء قوة بحرية مرنة ودبلوماسية بحرية نشطة تقود إلى اتفاقيات تمنح تركيا مناطق اقتصادية بحرية واسعة"، وهو ما لا يمكن لإسرائيل تجاهله، "خصوصًا أن 98 بالمئة من تجارتها تمر عبر البحر".
وأكدت الصحيفة أن ما "فكّك المحور الشيعي" لا يمكن أن يُستخدم لإدارة الخلاف مع تركيا، إذ لا يمكن عزل أنقرة في واشنطن أو إخضاعها بالعقوبات والاحتكاك العسكري، لكونها تملك قوة اقتصادية وصناعية "تتحول إلى فطنة دبلوماسية وقدرة على الوساطة تمنحها وزنًا إضافيًا".
وبيّنت أن إسرائيل تملك في المقابل عناصر تفوق في التكنولوجيا والفضاء والمرونة الاقتصادية، ما يتيح لها "تحقيق توازن جديد" مع تركيا، إضافة إلى أصولها الميدانية في سوريا وقدرتها على "منع التغلغل التركي" هناك، وهو شرط ضروري لتحقيق رؤية "الوطن الأزرق" في مناطق سوريا وقبرص واليونان.
وختمت "يديعوت أحرونوت" بأن إسرائيل، استنادا إلى أدوات الضغط التي تمتلكها والقوة الناتجة عن تفكيك المنظومة الشيعية، "ينبغي أن تسعى لتحقيق توازن جديد مع تركيا" يشمل "التطبيع الدبلوماسي والاقتصادي بين البلدين، والتعاون في الأمن البحري شرق المتوسط، ووضع حدود واضحة في الساحة الفلسطينية".
كما دعت إلى "تسخير الأمريكيين، الذين يعيشون فترة انسجام مع أنقرة، لدعم هذا الترتيب"، معتبرة أن الخطوة "ليست تسوية، بل تحويل للقوة الصلبة إلى مكسب استراتيجي يضمن عدم إضاعة الميزة الإسرائيلية الراهنة".