حذر الصحفي
الإسرائيلي تسفي برئيل من أن المجموعات المسلحة المحلية التي ينشئها ويجندها جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع
غزة قد "تنقلب على مؤسسيها وتصبح عدوا بديلا لحركة حماس، وتخلق واقعا أخطر مما عرفته دولة إسرائيل مع قوى محلية في سوريا والعراق وأفغانستان".
وقال برئيل في مقال نشرته صحيفة "هآرتس" إن "التاريخ يثبت أن المجموعات المحلية تميل إلى الثورة على من أنشأها، وأنها تطيع قواعدها الخاصة فقط".
وأوضح الكاتب أن غياب حكومة محلية في غزة قد يدفع هذه الفصائل نحو صراع على السيطرة مع "إسرائيل"، فتتوسع مهامها لتشمل إدارة شؤون الأرض والشعب، بما يفضي إلى سيناريو أشد خطورة من تجربة القوات الأميركية في العراق وأفغانستان.
أضاف برئيل أن تحويل الميليشيات إلى "قوات مساعدة" قتالية مدربة، مزودة بالأسلحة ومرخصة لممارسة العنف مقابل المال والهيمنة على أراض، يعرض عناصر جيش الاحتلال الإسرائيلي لخطر قانوني وأمني، ويضع دولة الاحتلال في مواجهة مع السكان المحليين والمجتمع الدولي معا.
وأشار إلى أن هذه المجموعات "لا تكتفي بمهمات مراقبة الأنفاق والمنشآت المشبوهة، بل تُشارك أيضاً في عمليات عسكرية واسعة النطاق، مع تحذير قادة التغطية من محدودية السيطرة عليها واحتمال وقوع مجازر تقع مسؤوليتها على عاتق ضباط الجيش".
وأوضح أن "تجارب سابقة في المنطقة تنبئ بنتائج سلبية متكررة؛ فقد أنشأ الجيش الإسرائيلي سابقا "جيش لبنان الجنوبي" واعتمد قوات محلية غير منظمة، وفي الضفة الغربية جرت محاولات لتأسيس "روابط القرى" في أوائل ثمانينيات القرن الماضي، التي رغم طابعها المدني الظاهري استُخدمت في كثير من الأحيان كآلية ضغط وترهيب مسلّح".
ورأى برئيل أن افتراضات المشغلين عن القدرة على التحكم بسلوك الميليشيات وفرض قواعد عليها انهارت مرارا أمام واقع الفاعلية الذاتية لهذه القوات.
واستعرض الكاتب تجربة الولايات المتحدة مع الميليشيات المحلية، موضحا أن برامج الدعم والتسليح والتدريب التي أدارتها وكالة المخابرات المركزية والبنتاغون كلفت مبالغ هائلة، نحو مليار دولار خلال أربع سنوات، وجاءت نتائجها محدودة، بل أدت في كثير من الحالات إلى صراعات داخلية بين الفصائل المدعومة، وتسرّب أسلحة إلى تنظيمات متطرفة.
وتابع برئيل أن حالات مشابهة شهدتها سوريا، حيث أدت الصراعات بين ميليشيات مدعومة إلى تفكك الأمن وظهور قوى متطرفة، كما أن التجربة الأفغانية بعد الحرب ضد الاتحاد السوفيتي تُظهِر صعوبة ضبط الميليشيات المحلية، إذ تحولت أدوات دعم خارجية إلى أدوات فوضى ونزاع أهلي فيما بعد، ما أطلق موجات نزوح وولادة حركات تمرد جديدة.
ولفت المقال إلى أن تشغيل ميليشيات محلية لا يجلب إنقاذ أرواح محتملة للجنود فحسب، بل يحمل مخاطرة أساسية: احتمال أن تُحوّل هذه القوى أسلحتها وتطلق النار على من موّلها أو درّبها، أو تتحول إلى قوة سياسية بديلة تقود لهيمنة محلية مستقلة.
واعتبر برئيل أن الحالة في غزة أكثر تعقيدا، فحماس نفسها أدركت تاريخيا خطورة وجود مجموعات مسلحة، وبادرت إلى تفكيك التجمعات العائلية المسلحة بعد سيطرته على القطاع عام 2007، لأن هذه العائلات امتلكت أسلحة ونفوذا اقتصاديا وسياسيا كان يهدد سلطة حماس.
وأوضح الكاتب أن ولاء هذه العائلات الكبرى تآكل بعد الانهيارات الاجتماعية والنزوح الجماعي، مما أضعف قدراتها على الإبقاء على نفوذها السياسي والاقتصادي.
وفي هذا السياق، فشلت محاولات جيش الاحتلال الإسرائيلي وجهاز الأمن العام (الشاباك) ورئيس المخابرات
الفلسطينية السابق ماجد فرج في 2024 بتشكيل ميليشيات محلية فعّالة، ما يعكس صعوبة إعادة إنتاج بنية محلية مستقرة تخدم أهداف الاحتلال.
وأعتبر برئيل أن نتيجة هذه المتغيرات تجعل دولة الاحتلال تعمل في قطاع غزة في واقع أخطر من تجارب الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان، لأن غياب حكومة محلية تفرض إطاراً إدارياً على الأقل يترك الفراغ كامناً وواسعا.
ففي العراق وأفغانستان سُنت حكومات محلية مدعومة من الاحتلال حتى لو كانت بلا شرعية شعبية، وشكّلت على الأقل إطارا إداريا حد من الحاجة إلى إدارة مباشرة واسعة النطاق.
وأضاف المقال أن احتمالات تطور الأمور في غزة قد تقود إلى أن تتحوّل الميليشيات المحلية التي جُندت من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى أشبه بـ"إدارة مدنية" للقطاع، بمسؤوليات تشمل مرافقة قوافل المساعدات، وتنفيذ مهام شرطية ومحاكمات سريعة، وتوزيع الأراضي، وتشغيل المرافق الأساسية، بل التحكم بالموارد الحيوية مثل الوقود والماء.
ونوه برئيل إلى أن توسّع مهام الميليشيات يتطلب تجنيد آلاف المقاتلين وتسليحهم وتمويل أنشطتهم، ما يسهل الطريق إلى حروب شوارع، وعمليات نهب، وإنشاء تنظيمات متنافسة قد تقاتل بعضها بعضا وأحيانا تُواجه قوات الاحتلال الإسرائيلي نفسها نفس النتيجة التي شهدناها في العراق وأفغانستان وسوريا.
وختم الكاتب بالتحذير من أن ما كان صحيحاً في هذه البلدان لا يمكن أن يكون مختلفًا في غزة: الاعتماد على ميليشيات محلية كبديل للإدارة المدنية أو كآلية أمنية قصيرة الأمد قد يؤدي إلى تبعات استدامية طويلة الأمد من فوضى واشتباكات داخلية وانهيار أطر الحكم.