ذكر الصحفي جدعون راخمان أن الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب ألقى خطابا غير تقليدي أمام الأمم المتحدة الأسبوع الماضي، موضحا أن ترامب هاجم طواحين الهواء من على المنصة واصفا إياها بأنها "مثير للشفقة وسيئ للغاية"، بينما استغلت إدارته اجتماع الجمعية العامة لتقديم اقتراح بدا تقليديا بشكل مفاجئ لإنهاء الحرب في
غزة.
وبين راخمان، في مقال نشرته صحيفة فايننشال تايمز، أن الخطة المكونة من 21 نقطة تستند إلى أفكار شكلت محورا لجهود السلام في الشرق الأوسط لعقود.
وتشير التقارير إلى أنها تتضمن احتمال قيام دولة
فلسطينية كنهاية للعملية، وهي فكرة رفضها رئيس الوزراء
الإسرائيلي بنيامين
نتنياهو بشدة.
وأضاف أن هذه الخطة تشكل خلفية محرجة لاجتماع ترامب ونتنياهو، إذ تحتوي على عناصر سيجد نتنياهو ووزراء اليمين المتطرف في حكومته صعوبة بالغة في محوها أو قبولها، مثل وقف إطلاق نار دائم، وإنشاء قوة استقرار متعددة الجنسيات في غزة تضم قوات من دول عربية وإسلامية، للمساعدة في إعادة إعمار المنطقة بما يؤدي إلى حكم ذاتي للفلسطينيين بدلا من طردهم.
وأشار المقال إلى أن خطة ترامب تكتسب أهميتها أيضا مما تغفله، إذ لا وجود لمقترحه السابق حول إعادة تطوير غزة في إطار ما عُرف بخطة "ريفييرا غزة" التي كانت تضفي شرعية على طرد الفلسطينيين، وهو هدف أساسي لليمين الإسرائيلي.
وأكد راخمان أن الخطة الجديدة تستبعد التهجير القسري، كما رفض ترامب صراحة ضم إسرائيل للضفة الغربية المحتلة، وهو مشروع رئيسي آخر لليمين المتطرف.
وتساءل راخمان: كيف وصلت أمريكا إلى هذه النقطة؟ وماذا سيحدث لاحقا؟ ولفت إلى أن قصف إسرائيل لقطر بهدف قتل قادة من حماس كان "خطوة خاطئة كبيرة" من حكومة نتنياهو، حيث أثار مخاوف القطريين وغضبهم، وهم يتمتعون بنفوذ كبير في واشنطن، ويستضيف بلدهم قاعدة جوية أمريكية مهمة، كما توسط في محادثات مع طالبان وحماس نيابة عن الولايات المتحدة.
وأضاف أن قطر تعهدت أيضا بتقديم طائرة جديدة للرئيس ترامب، وتناقش باستمرار ملفات تجارية مع دائرته المقربة، بما في ذلك عائلة ستيف ويتكوف، مبعوث ترامب للشرق الأوسط.
ولفت إلى أن السعودية والإمارات، اللتين كانتا على خلاف مع قطر قبل سنوات، سارعتا لدعمها بعد الضربة الإسرائيلية، وهما دولتان تمثلان ثقلا كبيرا لدى ترامب، حيث كانت الرياض الوجهة الأولى لزياراته الرسمية خلال ولايتيه.
وأشار راخمان إلى أن حكومات نتنياهو، خلال إدارتي بايدن وترامب، اعتادت على تنفيذ ضربات عسكرية أحادية في لبنان وسوريا وإيران، ثم الحصول على موافقة البيت الأبيض لاحقا، لكن هذه الآلية ربما فقدت فعاليتها في الحالة القطرية.
كما شدد على أن الدول الأوروبية صعّدت سياساتها تجاه إسرائيل، حيث اعترفت فرنسا وبريطانيا الأسبوع الماضي بدولة فلسطينية.
ورغم إدانة ترامب لهذه الاعترافات في الأمم المتحدة، إلا أن لهجته بدت أكثر تحفظا من لهجة مايك هاكابي، السفير الأمريكي لدى إسرائيل، الذي وصف الاعتراف الفرنسي بأنه "مثير للاشمئزاز".
وبيّن أن حكومة نتنياهو تجد نفسها في عزلة دولية متزايدة، بعد اعتراف الأوروبيين، إضافة إلى كندا وأستراليا، بفلسطين، في حين تراجع التهديد بضم الضفة الغربية من جانب واحد.
كما اعتبر أن تقرير لجنة تابعة للأمم المتحدة بشأن ارتكاب إسرائيل "إبادة جماعية" في غزة قد يشكل نقطة تحول، مشيرا إلى أن التحركات لمنع مشاركة فرق إسرائيلية في بطولات كرة القدم الأوروبية ومسابقة الأغنية الأوروبية تكتسب زخما، كما أن اتفاقية التجارة والتعاون بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل تخضع للمراجعة. وأكد أن الأكاديميين الإسرائيليين وبعض الشركات يتخوفون من تعرضهم لمقاطعة غير معلنة في أوروبا، فيما يشهد الرأي العام الأمريكي تحولا واضحا.
وأوضح راخمان أن هذه التطورات مؤلمة للمجتمع الإسرائيلي لكنها قد تكون ضرورية لإنهاء سيطرة اليمين المتطرف، إذ إن أجندته القائمة على تصعيد الحرب في غزة، وضم الضفة الغربية، وطرد الفلسطينيين، وتقويض الديمقراطية، هي وصفة لكارثة للفلسطينيين ولإسرائيل ذاتها.
وأشار إلى تصريحات نتنياهو الأخيرة التي تحدث فيها عن اضطرار بلاده لقبول العزلة الدولية والتحول إلى "إسبرطة عظمى"، لكنه رأى أن التشبيه الأقرب هو وضع جنوب إفريقيا في حقبة الفصل العنصري.
وأضاف أن اليمين الإسرائيلي كان سيواصل خططه لو شعر بدعم مطلق من البيت الأبيض، لكن خطة ترامب للسلام تشير إلى أن هذا الدعم غير المشروط انتهى في الوقت الحالي.
وختم المقال بالإشارة إلى تساؤلات حول إمكانية تنفيذ الخطة، حيث نقل عن دبلوماسي غربي ترحيبه بمقترحات ترامب، لكنه قال: "دعونا نتذكر أن هذا هو الشرق الأوسط، لذا فإن احتمال نجاحها لا يتجاوز 2 بالمئة".
وأضاف أن الحل السياسي الدائم يبدو بعيدا جدا، في ظل عدم تأييد غالبية الإسرائيليين والفلسطينيين لحل الدولتين، لكن وقف القتل في غزة وتحرير الأسرى المتبقين يمثلان هدفين نبيلين قد يمهدان الطريق مستقبلا لإحياء فكرة الدولتين.