مقالات مختارة

التغيّر في العالم الذي لم ندركه بعد!

محمد سليم قلالة
الأناضول
الأناضول
كنّا نأمل بعد تفكّك الاتحاد السوفياتي وتبنّي روسيا لمفهوم النظرية السياسية الرابعة التي نظَّر لها بإسهاب الاسكندر دوغين، وكنّا ننتظر بعد الصعود الصيني المبهر في المجال الاقتصادي ومنافستها بل وتغلُّبها على كبرى القوى الاقتصادية في العالم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، أننا بالفعل نتجه نحو عالم متعدد الأقطاب سيكون أفضل لنا من عالم الثنائية القطبية القديم أو الأحادية الأخير الذي سيطرت عليه الولايات المتحدة الأمريكية وباتت الآمر الناهي فيه… فإذا بالتطورات الأخيرة على الصعيد الدولي تكشف لنا أمرا آخر لم نكن نتوقعه قد يزيد من أوضاعنا تعقيدا ويضعف أكثر من قدرتنا على إيجاد مكانة لنا في هذا العالم المتغير باستمرار بل ويجعلنا نخشى التطلع إلي حالة أفضل من التقدم في أي من المجالات.

بدا اليوم وكأن كل دولة كبرى أو مجموعة دول كبرى إنما تتحرك ضمن “عقد غير مرئي” مع الآخرين! فكرة هذا “العقد غير المرئي” الأساسية أن تبقى هذه الدول الكبرى قوية وتعمل على تقاسم النفوذ حول بقية العالم، من دون أن تضر بعضها البعض أو تدخل في نزاع تناحري مع بعضها البعض! ولا يهم بعد ذلك إن تقدمت دول بقية العالم أو تأخرت أو ازدادت أوضاعها سوءا…

لاحظنا ذلك في علاقة الولايات المتحدة بالصين، وكيف أن حملة ترامب الكبيرة حول الرسوم، لم تزد أن تكون زوبعة في فنجان! ما فتئت الزوبعة أن هدأت وعادت المياه إلى مجاريها.. وكذلك الأمر بالنسبة للاتحاد الأوروبي وكندا وحتى روسيا! في آخر المطاف دائما يكون هناك اتفاق ولقاء على مستوى القمة، ويأخذ كل طرف ما يريد… والمثل واضح في أوكرانيا: روسيا ستأخذ ما تريد وأمريكا أخذت ما تريد وكذلك أوروبا واليابان والصين… وبقي مجال التنافس في هذا المستوى لم يتعداه ولن يتعدّاه في المستقبل، وإذا حدث فيكون نسبيا أقل أو أكثر وفي مجال دون المجال الآخر…
إننا بالفعل نمر بمرحلة بات فيها الأقوياء لا يبحثون عن حلفاء ضعاف مثلنا، إنما عن أقوياء مثلهم

وهو ما ينطبق تماما على المنطقة العربية والإسلامية من فلسطين إلى سوريا إلى إيران إلى باكستان وأفغانستان إلى لبنان إلى السودان إلى ليبيا، كما ينطبق على كافة دول القارة الإفريقية ودول أمريكا اللاتينية والجنوب الآسيوي، أي بقية العالم كما يسمونه، لا يهم إن اشتعلت به حروب أو عرف مجاعات أو تم تقسيمه إلى دويلات أو عرف تمردات مسلحة أو انقسامات في الجيوش أو صراعات على الحدود… لم يعد واردا البتة أن تتصارع الدول الكبرى ضد بعضها البعض لأجل هذا أو ذاك، مع هذا أو ذاك، كما كان يحدث خلال مرحلة ما كان يعرف بالحرب بالنيابة، ذلك أنها جميعها أصبحت تسعى لهدف واحد: كيف تستفيد مما يحدث من صراعات، كل حسب مجاله واختصاصه وكل حسب حاجاته وأهدافه المسطرة، ولتستمر الحروب أو الصراعات أو النزاعات مشتعلة ما دامت بعيدة عن الديار…

بدا لي ذلك واضحا من خلال المسار الذي تتجه الأوضاع إليه في أوكرانيا، وفي فلسطين، وفي السودان، وفي إيران، وفي بلدان أمريكا الجنوبية التي مازالت تبحث عن طريق لها وفي كافة الدول الإفريقية، وفيما يحضّر له من أزمات… وكأن هذه القوى الكبرى اتفقت على أمر واحد أن يكونوا جميعا متفقين علينا…

لذا بات الحذر واضحا من الاعتقاد بوجود حلفاء “مخلصين”، وبات الأمر أكيدا أنه علينا التعويل على أنفسنا ولو بالحد الأدنى من الإمكانات، وفي المقام الأول، واستباقا لأي تعقيدات مستقبلية تجنب الاقتراب من الأزمات الحقيقية أو المفتعلة التي قد تقترب منا…

إننا بالفعل نمر بمرحلة بات فيها الأقوياء لا يبحثون عن حلفاء ضعاف مثلنا، إنما عن أقوياء مثلهم، بعيدا عن كل حسابات كالتي كانت في الماضي نسميها أيديولوجية أو سياسية أو تاريخية أو حتى مصالح اقتصادية… لقد حدث تغير كبير في العالم ينبغي أن ندركه قبل فوات الأوان…

الشروق الجزائرية
التعليقات (0)