قضايا وآراء

النفوذ الصهيوني في الغرب.. توازنات تتزعزع

العلاقة بين الصهيونية والغرب ليست على طريق الانهيار، لكنها بالتأكيد في مسار إعادة توازن، حيث تطغى أصوات المواطنين الأكثر وعيًا ونقدًا على مصالح جماعات الضغط التقليدية.
على مدى عامين متواصلين، ترك الاحتلال الإسرائيلي وراءه كارثة إنسانية من الطراز الأول في فلسطين، حيث دمّر حياة الملايين وهدّد وجودهم بوحشية غير مسبوقة. هذه الحرب البشعة لم تفضح فقط حجم الجرائم التي ترتكبها إسرائيل، بل كشفت أيضاً تحولات استراتيجية عميقة في مواقف المجتمع الدولي، وأجبرت القوى الغربية على إعادة تقييم علاقاتها مع الدولة المحتلة، مما يعيد رسم ملامح السياسة العالمية تجاه القضية الفلسطينية بحدة وواقعية جديدة.

في قلب العواصم الغربية، تبرز الجماعات المؤيدة لإسرائيل، مثل AIPAC  في الولايات المتحدة و Conservative Friends of Israel  في المملكة المتحدة، و European Friends of Israel  في بروكسيل، كأذرع ضغطٍ فاعلة تسعى للتأثير على صناع القرار السياسي.

في الولايات المتحدة، تُعد AIPAC واحدة من أكثر جماعات الضغط تأثيرًا في النظام السياسي. ففي دورة الانتخابات عام 2024، جهّزت AIPAC "صندوق حرب" ضخم بقيمة تُقدّر بمئات الملايين من الدولارات لاستهداف نواب التقدميين الذين نُظر إليهم باعتبارهم منتقدين لسياسات إسرائيل، وتسبّبت في هزيمة بعضهم، مثل جامال بومان وكوري بوش خلال الانتخابات التمهيدية للكونغرس.

في قلب العواصم الغربية، تبرز الجماعات المؤيدة لإسرائيل، مثل AIPAC في الولايات المتحدة و Conservative Friends of Israel في المملكة المتحدة، و European Friends of Israel في بروكسيل، كأذرع ضغطٍ فاعلة تسعى للتأثير على صناع القرار السياسي.
كما أظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة أن التأييد الشعبي لإسرائيل يتراجع بسرعة. ففي عام 2017، كان 42% من الناخبين الديمقراطيين متعاطفين أكثر مع إسرائيل، بينما انخفض هذا الرقم إلى 12% بحلول عام 2025، في حين أن 59 ـ 60% منهم باتوا يميلون إلى دعم الفلسطينيين.

في بريطانيا، يبرز Conservative Friends of Israel (CFI)  (تأسست سنة 1974) كجماعة ضغط فعالة، وفي عام 2009 كان حوالي 80% من نواب حزب المحافظين أعضاء فيها، مما يعكس مدى تأثيرها داخل البرلمان البريطاني.

في أوروبا، تحاول منظمات مثل European Friends of Israel (EFI)  (تأسست سنة 2006) بناء نفوذ في مؤسسات الاتحاد الأوروبي، لكنها تواجه بيئة أكثر تعقيدًا بسبب تعدد الدول الأعضاء وتنوع المصالح، ما يجعل تأثيرها أقل وضوحًا من نفوذ نظيراتها في واشنطن.

أما الرأي العام فلم يعد يرحّب بإسرائيل كما في السابق، حيث أظهرت آخر استطلاعات YouGov-EuroTrack  أن معدلات التأييد لإسرائيل وصلت إلى مستوياتها الأدنى منذ عام 2016.

ففي دول مثل ألمانيا (-44)، فرنسا (-48)، الدنمارك (-54)، إيطاليا (-52)، إسبانيا (-55)، والمملكة المتحدة (-46)، تُسجّل النظرة الإيجابية لإسرائيل أقل من 20%، بينما تتراوح النظرة السلبية بين 63% و70%.

أما بخصوص الموقف من الحرب على غزة، فنجد أن بين 6% و16% أكدوا أن رد إسرائيل على هجمات حماس كان "متناسبًا ومبرّرًا"، فيما يؤمن كثير من الأوروبيين بأن إسرائيل تجاوزت حدود الرد المشروع. هذا وزادت الانتقادات حدّة، إذ بات التعاطف مع الفلسطينيين يتراوح بين 18% و33%، بينما التعاطف مع الجانب الإسرائيلي لا يتجاوز 7% إلى 18%.

أضِف إلى ذلك استطلاعات أخرى تُظهر دعمًا معتبرًا لفرض عقوبات أو إجراءات أوروبية رّدًا على الأفعال العسكرية: ففي نحو خمس إلى أكثر من نصف الدول المستطلعة، يطالب أكثر من نصف الجمهور بفرض حظر على تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، وكذلك بمحاكمة مسؤولين إسرائيليين بتهم جرائم حرب أو إبادة جماعية. كما يعتقد جمهور واسع أن إسرائيل تتحمل مسؤولية مباشرة عن الأزمة الإنسانية في غزة.

تأثير التغيّر على صانعي القرار

هذا التحوّل في المزاج الشعبي بدأ يترك أثره على غرف صنع القرار، ولو بشكل غير مباشر. ففي أوروبا، بات بعض القادة الحذرين سياسيًا يتجنبون الارتباط الوثيق بإسرائيل علنًا، خوفًا من فقدان دعم قواعدهم الانتخابية. شهدنا هذا في مواقف البرلمان الإسباني والأيرلندي والبلجيكي، حيث طُرحت قرارات للاعتراف بدولة فلسطين أو تقييد التعاون العسكري مع إسرائيل.

في بريطانيا، رغم قوة اللوبي المؤيد لإسرائيل، اضطرت الحكومة إلى إصدار وعد بالاعتراف بالدولة الفلسطينية بعد موجة احتجاجات شعبية في لندن ومدن أخرى، ما دفع بعض النواب إلى الامتناع عن التصويت لصالح قرارات داعمة بالكامل لإسرائيل.

هذا التحوّل في المزاج الشعبي بدأ يترك أثره على غرف صنع القرار، ولو بشكل غير مباشر. ففي أوروبا، بات بعض القادة الحذرين سياسيًا يتجنبون الارتباط الوثيق بإسرائيل علنًا، خوفًا من فقدان دعم قواعدهم الانتخابية. شهدنا هذا في مواقف البرلمان الإسباني والأيرلندي والبلجيكي، حيث طُرحت قرارات للاعتراف بدولة فلسطين أو تقييد التعاون العسكري مع إسرائيل.
أما في الولايات المتحدة، فقد أُجبر بعض المرشحين في الانتخابات التمهيدية على توضيح مواقفهم من القضية الفلسطينية بشكل غير مسبوق، خصوصًا في ولايات ذات قواعد شبابية كبيرة أو نسبة عالية من الناخبين المسلمين والعرب. حتى بعض السياسيين الموالين تقليديًا لإسرائيل باتوا يستخدمون خطابًا أكثر انتقادًا، في محاولة لمجاراة المزاج الشعبي الجديد، رغم استمرارهم في التصويت لصالح دعم إسرائيل.

هذه الظاهرة توضح أن جماعات الضغط الصهيونية لم تعد تتحرك في فراغ، وأن الرأي العام ـ خصوصًا في الديمقراطيات ـ صار عاملاً ضاغطًا يمكن أن يقيد حرية الحركة السياسية التقليدية، ولو تدريجيًا.

استشراف مستقبل العلاقة

في ضوء هذه المعطيات، يبدو أن الضغوط الصهيونية ما زالت تمارس تأثيرًا حقيقيًا على صُنّاع القرار، وإن على نحوٍ متراجع نسبيًا. لكن التحدي الأكبر يأتي من تغير موازين القوى داخل الرأي العام، خاصة بين الجيل الأصغر والديمقراطيين اليساريين الذين ينظرون إلى إسرائيل بعيون نقدية.

إذا استمرت هذه الاتجاهات، فمن المتوقع أن نشهد خلال العقد المقبل تحوّلًا ملموسًا في سياسات الغرب، خصوصًا في أوروبا، حيث قد تتبلور قرارات متعددة الأوجه تشمل: التقليل من التزامات الدعم العسكري، التشديد على شروط مع الأمم المتحدة، وربما مراجعة اتفاقيات التعاون الاقتصادي.

أما في الولايات المتحدة، فقد يزداد إرغام النخبة السياسية على الالتقاء برغبات القاعدة الانتخابية، حتى لو استمر الضغط المالي والسياسي من جماعات الضغط. هذا قد يؤدي إلى نمط سياسي جديد، يسعى إلى تسوية بين التوازن الدولي والتغير الاجتماعي الداخلي.

بعبارة أخرى: العلاقة بين الصهيونية والغرب ليست على طريق الانهيار، لكنها بالتأكيد في مسار إعادة توازن، حيث تطغى أصوات المواطنين الأكثر وعيًا ونقدًا على مصالح جماعات الضغط التقليدية.