قضايا وآراء

الهدنة تحت التهديد: لماذا ترفض حماس خريطة الانسحاب الإسرائيلي؟

"تكتيك سياسي- أمني بامتياز، يستخدم لغة "الإنقاذ الإنساني" لتغطية نوايا ميدانية واضحة"- جيتي
منذ أسابيع، تتقدم المفاوضات حول هدنة جديدة في قطاع غزة خطوة وتتراجع خطوتين. وفي قلب هذا المشهد المعقدّ، تكمن "خريطة الانسحاب الإسرائيلي"، التي تبدو حتى اللحظة العقبة الأكبر أمام أي اتفاق.

فبينما تشير بعض التصريحات المتفائلة إلى أن الهدنة باتت وشيكة، يتضّح أن الكرة الحقيقية ليست في ملعب حركة حماس، كما تحاول بعض الأطراف أن تروّج، بل في ملعب إسرائيل التي تحاول استغلال الهدنة لفرض واقع ميداني جديد، وخاصة في جنوب قطاع غزة، وتحديدا في منطقة رفح.

رفض حماس ليس تعنتا بل قراءة استراتيجية
المعطيات الحالية تؤكد أن حماس ترفض خريطة انسحاب جزئي، ليس من باب التشدد، بل لأن الانسحاب الإسرائيلي المقترح لا يشمل مناطق حساسة مثل موراج ومعبر رفح

المعطيات الحالية تؤكد أن حماس ترفض خريطة انسحاب جزئي، ليس من باب التشدد، بل لأن الانسحاب الإسرائيلي المقترح لا يشمل مناطق حساسة مثل موراج ومعبر رفح.

وجود القوات الإسرائيلية في هذه المناطق، حتى خلال هدنة، يعني فعليا إعطاء الضوء الأخضر لإسرائيل كي:

• تنشئ ما تسُمى "مدينة إنسانية مؤقتة" في رفح.

• تحشد مئات آلاف المدنيين هناك.

• وتبدأ عملية تهجير ناعمة تحت غطاء "الحماية الإنسانية".

• قبل أن تعود للهجوم بعد انتهاء الهدنة.

وهذا السيناريو ليس افتراضا نظريا، بل خطة إسرائيلية تسرّبت بعض ملامحها منذ نيسان/ أبريل الماضي، عبر تقارير عبرية وغربية، وظهرت ملامحها على الأرض بوضوح خلال معركة رفح.

لماذا تتعمد إسرائيل طرح خريطة مرفوضة؟

بحسب تقديري، تحاول حكومة نتنياهو استخدام ما يعُرف في علم التفاوض بـالتثبيت المفرط (Over-Anchoring) للسقف التفاوضي، أي طرح خريطة غير قابلة للقبول، ثم "التنازل لاحقا" بهدف:

• شراء الوقت حتى يدخل الكنيست في عطلته الصيفية (15 تموز/ يوليو).

• وبعدها يمكن لنتنياهو أن يمرر صفقة هدنة بدون خطر إسقاط حكومته من شركائه (مثل بن غفير وسموتريتش).

• ثم يستخدم الهدنة لإخراج الأسرى، وترتيب الجبهة من جديد، تمهيدا لجولة قادمة من الحرب.

هذا تكتيك سياسي- أمني بامتياز، يستخدم لغة "الإنقاذ الإنساني" لتغطية نوايا ميدانية واضحة.

الهدنة قادمة.. ولكن بشروط
الهدنة قادمة، ولكن إن جاءت دون انسحاب شامل، ستكون "هدنة ملغمّة، وربما ليست سوى فاصل زمني بين حربين

لا مؤشرات جدية على أن المفاوضات قد تنهار. بالعكس، هي الآن في حالة "عناية مركزّة"؛ بين الحياة والموت، لكن كل شيء يعتمد على تعديل خريطة الانسحاب، وليس على تغيّّر موقف حماس.

التوقع الأقرب هو:

• طرح خريطة جديدة أو منقحة منتصف الأسبوع (بين 16 و18 تموز/ يوليو).

• موافقة مبدئية من الطرفين.

• اجتماع الكابينيت الإسرائيلي بسرعة للمصادقة.

• ثم إعلان هدنة تمتد لـ60 يوما، يتم خلالها تبادل أسرى وترتيب المشهد الميداني.

الخلاصة:

حماس لا تعرقل الهدنة، بل ترفض أن تسُتخدم كجسر لتهجير شعبها مرة أخرى. إسرائيل لا تفاوض فقط لإنهاء الحرب، بل لإعادة تشكيل واقع جديد في رفح وما بعدها.

الهدنة قادمة، ولكن إن جاءت دون انسحاب شامل، ستكون "هدنة ملغمّة، وربما ليست سوى فاصل زمني بين حربين.