قضايا وآراء

الطريق إلى وقف الحرب على غزة

"ارتباك استراتيجي، وفجوة واضحة بين الطموحات الإسرائيلية والقدرات الميدانية الفعلية"- إكس
منذ اندلاع الحرب على غزة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، رفعت إسرائيل والولايات المتحدة شعار "تفكيك حماس" كهدف مركزي للعملية العسكرية. لكن بعد مرور عشرين شهرا من حرب طاحنة، بدأ الخطاب الأمريكي ينحرف تدريجيا نحو مقولة "تأجيل تفكيك حماس"، وهو ما يعكس تحولا تكتيكيا مهما يستحق التوقف والتحليل لفهم خلفياته ودلالاته.

الموقف الأمريكي الجديد.. تأجيل لا تراجع

عند التدقيق في طبيعة التحول، يتبين أن واشنطن لم تتخلَّ عن هدفها المُعلن بتفكيك حماس، لكنها بدأت تفصل بين الأهداف العسكرية والسياسية، وراحت تُقدّم أولوية لـ"التهدئة الإنسانية" و"استعادة الرهائن"، بل وبدأت تتحدث عن "مراحل انتقالية" و"ترتيبات مؤقتة" في غزة لا تشترط تفكيك الحركة فورا.

واشنطن لم تتخلَّ عن هدفها المُعلن بتفكيك حماس، لكنها بدأت تفصل بين الأهداف العسكرية والسياسية، وراحت تُقدّم أولوية لـ"التهدئة الإنسانية" و"استعادة الرهائن"، بل وبدأت تتحدث عن "مراحل انتقالية" و"ترتيبات مؤقتة" في غزة لا تشترط تفكيك الحركة فورا

يعود هذا التحول إلى عدة عوامل، أبرزها:

- تصاعد الكلفة الإنسانية للحرب، وتدهور صورة الولايات المتحدة عالميا بسبب دعمها غير المشروط لإسرائيل.

- فشل الاحتلال الإسرائيلي في تحقيق نصر حاسم، رغم الدعم العسكري والاستخباراتي الأمريكي.

- الضغوط الداخلية والخارجية المتزايدة لاستعادة الأسرى الإسرائيليين وإعادتهم إلى عائلاتهم.

فشل إسرائيل في تفكيك حماس

رغم التفوق الناري والتكنولوجي الساحق، عجز الاحتلال عن كسر المقاومة الفلسطينية، وذلك لأسباب جوهرية:

- البيئة العملياتية المعقدة: حيث وفرت شبكة الأنفاق بُنية متاهية تجعل من المعركة تحت الأرض تحديا عسكريا بالغ الصعوبة، فيما نجحت المقاومة في إدارة حرب غير متماثلة أربكت التكتيكات العسكرية التقليدية للجيش الإسرائيلي.

- صمود المقاومة: الذي تجلّى في الحفاظ على هيكل القيادة والسيطرة رغم موجات الاغتيالات، واستمرار إطلاق الصواريخ وتنفيذ العمليات النوعية.

- غياب البديل السياسي: فلا السلطة الفلسطينية جاهزة لاستلام زمام الأمور، ولا توجد قوى محلية بديلة تحظى بشرعية حقيقية داخل غزة. وهكذا، وقعت إسرائيل في مأزق: "إما حماس.. أو الفوضى".

كل هذه المعطيات دفعت واشنطن للاعتراف الضمني بأن حماس باتت واقعا لا يمكن تجاوزه، وبأن الحل العسكري الكامل غير واقعي في هذه المرحلة. وهو ما يؤكد وجود ارتباك استراتيجي، وفجوة واضحة بين الطموحات الإسرائيلية والقدرات الميدانية الفعلية، إلى جانب تصاعد التباينات بين واشنطن وتل أبيب، خاصة مع تعنّت نتنياهو وتصعيده لخطابات التحدي ضد الرؤية الأمريكية.

المخاوف الأمريكية والإسرائيلية من بقاء حماس

- أمريكيا: بقاء حماس يُحبط مشروع "تطبيع ما بعد غزة" الذي كانت السعودية محورا فيه. كما أن وجود حركة مقاومة قوية، خارج الهيمنة الغربية، يُهدد مشروع الأمن الإقليمي وقد يعيد رسم المعادلات الإقليمية.

- إسرائيليا: عدم القضاء على حماس يُشكّل ضربة قاصمة لهيبة الجيش الإسرائيلي، ويُضعف "نظرية الردع"، ويُعمق اهتزاز ثقة الجمهور في منظومة الأمن والسيادة.

سيناريوهات المرحلة المقبلة

أمام هذا التعقيد، تُطرح عدة سيناريوهات محتملة:

- تهدئة طويلة الأمد دون حسم: تبقى حماس فاعلا مركزيا، ولكن تحت قيود سياسية أو مالية.

- إدارة هجينة لغزة: بمشاركة ضمنية من حماس إلى جانب قوى محلية أو تحت غطاء دولي، في محاولة لتجاوز العقبة السياسية.

- تصعيد مؤجل: قد يُعاد فتح ملف الحرب لاحقا، مع استمرار استهداف الحركة أمنيا واستخباراتيا، دون معركة مباشرة في الوقت الراهن.

تأجيل تفكيك حماس لا يعني القبول بها، بل يُجسّد عجزا عن هزيمتها ميدانيا، ومحاولة لإعادة ترتيب الأولويات السياسية والعسكرية في ضوء الفشل العسكري المتكرر

- فرصة أمام المقاومة: لترسيخ شرعيتها الواقعية، وفرض حلول ميدانية تُراكم منجزاتها، مستفيدة من التباين الأمريكي– الإسرائيلي ومن تآكل خيارات العدو.

خلاصة:

إن تأجيل تفكيك حماس لا يعني القبول بها، بل يُجسّد عجزا عن هزيمتها ميدانيا، ومحاولة لإعادة ترتيب الأولويات السياسية والعسكرية في ضوء الفشل العسكري المتكرر.

إنه انتصار تكتيكي للمقاومة، يفتح الباب أمام تكريس وجودها السياسي والعملي، في وقت يعيش فيه المشروع الصهيوني أزمة عميقة على صعيد الردع والهيبة والتماسك الداخلي.

وكما أكدنا سابقا، نعيد التأكيد: أعظم ما أنجزته فصائل المقاومة لم يكن مجرد التخطيط أو التصنيع أو الجاهزية القتالية، بل نجاحها في صناعة الإنسان الفلسطيني المقاوم، الذي يجمع بين العقيدة الإسلامية والعقيدة التدريبية والعسكرية.

إنه الإنسان المجاهد القادر على التطوير والمبادرة والتضحية، دفاعا عن الأرض والحقوق والمقدسات.. ذاك الإنسان الذي تعجز عن مواجهته جيوش الأرض، مهما بلغ عتادها وتقدمت تقنياتها، ومهما طال الزمن أو قصر.