منذ بضع أيام صدرت رسالة مفتوحة عن الإخوان
المسلمين، بتوقيع الدكتور صلاح عبد الحق، موجهة لفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد
الطيب، تخاطبه بما لموقعه ومكانته من أهمية لدى المسلمين عامة، والتاريخ والواقع
المصري خاصة، بأن يتدخل لرفع الظلم عن المعتقلين السياسيين، حيث معاناة صعبة،
وحرمان من الزيارات، ومن أبسط الحقوق، في ظل قيامهم بإضراب عن الطعام، ومحاولة
البعض الانتحار، جراء كم الظلم الواقع عليهم، والتنكيل بهم.
والرسالة لم تكن خاصة، بل كانت عامة مفتوحة،
لتصل للشيخ وللجميع عبر المنابر العامة، وكان التساؤل حول جدوى الرسالة، وهل تسبب
في حرج للشيخ، أم أنه يمكن أن يقوم بدور مهم، وهل للأزهر سابقة في ظل الحكم
العسكري من توسطات وتدخلات، أم أنها رسالة أراد الإخوان بها رفع الحرج عن أنفسهم،
والقيام بما يستطيعون حيال المعتقلين السياسيين بوجه عام، والإخوان بوجه خاص؟
الرسالة لا أعتقد أنها تسبب حرجا للأزهر،
لأن
الأزهر طوال تاريخه كان موئل المستضعفين، وملاذهم بعد الله عز وجل، وكان كثيرا
ما يلبي حاجتهم، ونادرا ما يتقاعس عن ذلك، وأطلق على لجنة الفتوى بالأزهر، لجنة
الثورة، لكثرة وقوفها بجانب الشعب، ضد المظالم. كما أن الرسالة معلنة وعامة،
وتخاطب شيخ الأزهر بحكم منصبه، لا بصفته الشخصية، مع التقدير لشخصه.
وساطات سابقة للأزهر للمظلومين السياسيين
والتاريخ المعاصر يحفظ مواقف للأزهر، كان
وسيطا فيها شيخ الأزهر، أو المفتي، ضد مظالم تعرض لها مواطنون، ففي عهد عبد
الناصر، احتمى أحد شباب الإخوان المظلومين بالشيخ حسنين مخلوف، مفتي مصر سنة
1954م، وغير مخلوف اسم الشاب، وجعله يعمل في سكرتارية مكتبه، وظل فترة طويلة، ثم
لاحت للشاب فرصة للسفر، واسمه محمد الديب، ولكنه تم القبض عليه على الحدود، وظل
أياما في السجن الحربي يعذب تعذيبا شديدا، كي يعترف على من آواه، ومات من التعذيب،
دون أن يقول حرفا عمن أحسن إليه، إلى أن قص حكايته بعد ذلك بعشرين عام المفتي نفسه
رحمه الله.
الأزهر طوال تاريخه كان موئل المستضعفين، وملاذهم بعد الله عز وجل، وكان كثيرا ما يلبي حاجتهم، ونادرا ما يتقاعس عن ذلك، وأطلق على لجنة الفتوى بالأزهر، لجنة الثورة، لكثرة وقوفها بجانب الشعب، ضد المظالم. كما أن الرسالة معلنة وعامة، وتخاطب شيخ الأزهر بحكم منصبه، لا بصفته الشخصية، مع التقدير لشخصه.
وبعد أن سجن عدد من الإخوان الأزهريين في
عهد عبد الناصر، وخرجوا في عام 1956م، توسط الباقوري وزير الأوقاف آنذاك كي يتم
تعيين عشرة منهم، كان منهم الشيوخ: القرضاوي، والعسال، وإبراهيم جلهوم، بضمانة
شخصية من الباقوري لدى الأمن وعبد الناصر، وفي عام 1965م عندما اعتقل الشيخ
الغزالي لأنه رفض أن يسجل للإذاعة المصرية إساءات للإخوان، فاقتادوه للمعتقل،
فاتصل الباقوري بعبد الناصر وتم الإفراج عنه.
وحين ذهب أحد الشيوخ الأزهريين يشكو
للباقوري، أنه تم اقتياده للمعتقل ظلما، وتم الاعتداء الجنسي عليه، ذهب الباقوري
يشكو لناصر ذلك، فاستاء عبد الناصر وقال له: الحاجات دي تعرضها على صلاح نصر، وقد
نقل القصة بتفاصيلها الدكتور أحمد المجذوب رحمه الله في مقال كامل منذ سنوات.
وساطة الأزهر في عهد مبارك
أما الشيخ جاد الحق علي جاد الحق رحمه الله،
فقد كنت إلى ساعات قبل كتابتي المقال، أظن أنه لم يتدخل في عهد مبارك لأي من
الأزهريين المعتقلين، وبخاصة الشيخ سيد عسكر رحمه الله، وقد قدمته مباحث أمن
الدولة سنة 1995 لمحكمة عسكرية مع الإخوان، وقد كان وقتها أمينا مساعدا لمجمع
البحوث الإسلامية، ثم خرج بعد ذلك، وظننت أن جاد الحق لم يتدخل، حتى حدثني صديق
مقرب من سيد عسكر وهو ثقة، أن عسكر نفسه أخبره أن الإفراج عنه تم بوساطة من شيخ
الأزهر.
وأما عن مواقف الأزهر في المظلومين خارج
مصر، فقد كان هناك بيان شهير، صدر عن الأزهر، عندما تم سجن المناضلة الجزائرية
جميلة بوحيرد، فكتب الأزهر بيانا بعنوان: أنقذوا جميلة، يحث فيه أحرار العالم على
الوقوف بجانبها، ضد ظلم فرنسا في محاكمتها، والعجيب أن جميلة الآن آزرت وأيدت
السيسي في انقلابه وسياساته للأسف!!
هل سيتوسط شيخ الأزهر؟
إذن تاريخ الأزهر القريب فيه هذه الوساطة،
وهو ما ينفي أي حرج يتسبب لشيخ الأزهر، لكن المسألة تتعلق بأمور أخرى كي تتم هذه
الوساطة، وهي: مدى استعداد وقبول الشيخ للقيام بهذا الدور؟ ومدى توافر الأجواء
التي تساعده على القيام بذلك؟
تاريخ الأزهر القريب فيه هذه الوساطة، وهو ما ينفي أي حرج يتسبب لشيخ الأزهر، لكن المسألة تتعلق بأمور أخرى كي تتم هذه الوساطة، وهي: مدى استعداد وقبول الشيخ للقيام بهذا الدور؟ ومدى توافر الأجواء التي تساعده على القيام بذلك؟
أما عن مدى استعداد الشيخ للقيام بهذا
الدور، فلا أظن عالما يتأخر عن وساطة تنتهي بالإفراج عن مظلومين، شهد القاصي
والداني بمظلوميتهم، فما يتم معهم لا علاقة له بالقانون أو الأخلاق أو القيم، فضلا
عن أن المطلوب ليس الإفراج الكامل هنا، بل المعاملة الإنسانية التي تحث عليها
القوانين، بدل هذا الانتقام الذي لا يختلف عليه إجرامه أحد، فأي عالم يسعى في مثل
هذا الأمر، وقد رأينا الدكتور علي جمعة الذي يعرف بمواقفه السيئة من المعارضين
للنظام، ومع ذلك في لقاء تلفزيوني على قناة سي بي سي التابعة للمخابرات المصرية،
يحث فيها السلطات على العفو عن اثنين يعرفهم جيدا، لهم نشاط سياسي مدني، وأنهم
ليسوا من الإخوان.
أما عن توافر الأجواء التي تساعد على قيام
المشيخة بذلك، فلا نعتقد أنها متاحة أو متوافرة، والأجواء إما أن تكون مناسبة، أو
يصنع الوسيط هذه الأجواء، فلو صح عزم شيخ الأزهر وقناعته بالوساطة، فأعتقد أنه
يمكن صناعة أجواء لهذا الأمر، أو أن يعذر إلى الله بما يقوم به.
فالإعذار هنا سبقته إليه جماعة الإخوان
بإرسال رسالة مفتوحة له، حيث لا تملك وسيلة أخرى في هذا السياق غير ما فعلت، وشيخ
الأزهر يمكنه أن يتوسط، وفي كل الأحوال، سواء كان سببا للتخفيف عن المسجونين، أو
إنهاء مظلوميتهم، أو عدم تجاوب السلطة معه، سيكون قام بالواجب المرجو منه.
Essamt74@hotmail.com