كتاب عربي 21

ثلاث مستعمرات استيطانية في خطر

تريد إسرائيل "طرد الفلسطينيين الناجين والاستيلاء على غزة لمزيد من الاستيطان اليهودي"- الأناضول
منذ بداية الاستعمار الاستيطاني الأوروبي في القرن السادس عشر، ظهر نوعان من مستعمرات الاستيطان الأبيض: تلك التي عمّرت حتى القرن الحادي والعشرين، وتلك التي لم تعمّر. يكمن الفرق الرئيس بين النوعين في التركيبة السكانية، فالمستوطنون البيض الذين تمكنوا من إبادة السكان الأصليين واستقدام أعداد هائلة من المستعمرين الأوروبيين لتفوق عدد السكان الأصليين الناجين من الإبادة، ظلوا آمنين حتى اليوم، مع ضمان امتيازاتهم العرقية البيضاء، ومن الأمثلة الرئيسة على ذلك الولايات المتحدة، وكندا، وأستراليا، ونيوزيلندا.

أما المستعمرات الاستيطانية الأوروبية في أفريقيا وآسيا  -المغرب، وليبيا، وتونس، والجزائر، وروديسيا، وناميبيا، وكينيا، وجنوب أفريقيا، وتنجانيقا، والكونغو، وإثيوبيا، والصومال، وإريتريا، وإندونيسيا ومعظم آسيا الروسية والقوقاز- فقد خسر المستوطنون قبضتهم على السلطة، ورفض معظمهم المساواة وعادوا إلى أوطانهم. أما المستوطنون الباقون فقد سعوا إلى ترتيبات قبلوها على مضض -نتيجة مقاومة السكان الأصليين والضغط الدولي- وهي المساواة السياسية مع السكان الأصليين مقابل التفوق الاقتصادي العرقي، كما هو الحال مع المستوطنين البيض المتبقين في كينيا، وزيمبابوي، وناميبيا، وجنوب أفريقيا.

في المستعمرات الاستيطانية الثلاث، دبر المستوطنون والدولة الأم حِيلا متخفية في صورة حلول نهائية للاستعمار الاستيطاني، على الرغم من أن جوهر كل هذه الاتفاقيات كان يصبو للحفاظ على التفوق الاستعماري الاستيطاني الأبيض. وينطبق هذا بقدر ما ينطبق على اتفاقية أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993، والتي رفضت فيها إسرائيل الاعتراف بحق الفلسطينيين في تقرير المصير أو حق في إقامة دولة، وهي الاتفاقية التي أدت إلى الإبادة الجماعية الإسرائيلية الحالية في غزة

تُعد المستعمرات الاستيطانية في أمريكا اللاتينية من نوع متوسط بين النوعين إلى حد ما، حيث اختلط المستعمرون الأوروبيون لما أصبح يُعرف بأمريكا اللاتينية بالسكان الأصليين والأفارقة المستعبدين الذين استجلبوهم، وأصبح أحفادهم المختلطون عرقيا (يُطلق عليهم اسم المِستيسو في أمريكا الجنوبية واللادينو في أمريكا الوسطى) أغلبية ديموغرافية ولا يزالون يهيمنون على السكان الأصليين. الاستثناءات هي بوليفيا وغواتيمالا، حيث يشكل السكان الأصليون أكثر من 40 في المئة من السكان في كلا البلدين مقارنة بالمستوطنين الأوروبيين والمستيسو واللادينو. لقد أدى انتخاب إيفو موراليس عام 2006، والذي بقي رئيسا للبلاد حتى عام 2019، إلى إدخال المساواة بين السكان الأصليين والمستعمرين في بوليفيا، بينما في غواتيمالا، لا يزال اللادينو يهيمنون على أغلبية السكان الأصليين، الذين قتلت الأنظمة التي يهيمن عليها اللادينو مئتي ألف منهم بين ستينيات وثمانينيات القرن الماضي.

ومع ذلك، يواجه التفوق الأبيض اليوم مشكلة ديموغرافية في ثلاث مستعمرات استيطانية بيضاء -وهي أيرلندا الشمالية وكاليدونيا الجديدة وإسرائيل- وهذا ليس بسبب نقص الجهود التي بذلها المستوطنون على مدى عقود لفرض تفوقهم العددي على السكان الأصليين. ففي المستعمرات الاستيطانية الثلاث، دبر المستوطنون والدولة الأم حِيلا متخفية في صورة حلول نهائية للاستعمار الاستيطاني، على الرغم من أن جوهر كل هذه الاتفاقيات كان يصبو للحفاظ على التفوق الاستعماري الاستيطاني الأبيض. وينطبق هذا بقدر ما ينطبق على اتفاقية أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993، والتي رفضت فيها إسرائيل الاعتراف بحق الفلسطينيين في تقرير المصير أو حق في إقامة دولة، وهي الاتفاقية التي أدت إلى الإبادة الجماعية الإسرائيلية الحالية في غزة، كما ينطبق كذلك على اتفاقية الجمعة العظيمة عام 1998 في أيرلندا الشمالية بين الحكومة البريطانية وحكومة جمهورية إيرلندا، ناهيك عن إعلان الفرنسيين الأسبوع الماضي عن التوصل إلى اتفاق جديد بشأن المستعمرة الاستيطانية الفرنسية، كاليدونيا الجديدة.

في حالة أيرلندا، منح قانون أيرلندا الذي أقره البرلمان البريطاني في حزيران/ يونيو 1949 المستوطنين البروتستانت حق النقض ضد استقلال الإقليم أو الانضمام إلى جمهورية أيرلندا المستقلة. وقد حافظ القانون بشكل أساسي على المستعمرة الاستيطانية موحدة مع الدولة الأم. وكان القانون بمثابة ردٍ على قانون جمهورية أيرلندا، الذي تم توقيعه في كانون الأول/ ديسمبر 1948 ودخل حيز التنفيذ في نيسان/ أبريل 1949، والذي جعل معظم أيرلندا مستقلة قبل شهرين من رد البريطانيين. وقد برر هذا الحق في النقض البروتستانتي بالأغلبية الديموغرافية التي شكلها المستوطنون البروتستانت وأحفادهم في المقاطعات الست التي شكلت أيرلندا الشمالية. في عام 1951، بلغ عدد سكان الجزء البريطاني المحتل من أيرلندا مليون و371 ألف نسمة، منهم ما يزيد قليلا عن الثلث (34.39 في المئة) من الكاثوليك و60.55 في المئة من البروتستانت.

كان تاريخ التلاعب البريطاني بتقسيمات المناطق الانتخابية هو ما أتاح هذه الأغلبية الديموغرافية. ورغم أن المستوطنين لم يتمكنوا من الحفاظ على وضعهم كأغلبية خلال العقود التالية، إلا أنهم تمكنوا من ذلك في البداية رغم ارتفاع معدل المواليد بين الكاثوليك، نظرا لارتفاع معدل هجرة الكاثوليك هربا من التمييز البروتستانتي الطائفي.

وتوقعا للتهديد الديموغرافي الذي يواجهه المستوطنون البروتستانت، وقّع القادة البريطانيون والبروتستانت اتفاقية الجمعة العظيمة في 10 نيسان/ أبريل 1998، والتي تضمنت ترتيبات تتعلق بحكومة مفوضة لتقاسم السلطة، والتعاون بين الطوائف، ونزع السلاح، وإمكانية إجراء تغييرات في الوضع الدستوري لأيرلندا الشمالية بناء على موافقة شعبية. وأكدت الاتفاقية مجددا على الالتزام بنزع سلاح المنظمات شبه العسكرية وحق شعب أيرلندا الشمالية في تقرير المصير، معترفة باختيارهم البقاء جزءا من المملكة المتحدة دون أي وعود بوحدة أيرلندية مستقبلية بين جمهورية أيرلندا وشمالها المحتل، بل فقط بحق الكاثوليك في التطلع إلى وحدة محتملة. اعتبارا من عام 2001، أصبح السكان متساويين ديموغرافيا، وبحلول عام 2021، فاق عدد الكاثوليك عدد البروتستانت لأول مرة منذ التقسيم، حيث شكلوا 42.31 في المئة من إجمالي 1,903,178 نسمة في المقاطعات الست، بينما شكلت الطوائف البروتستانتية الثلاث أقل من 30 في المئة من السكان. ومن المثير للاهتمام أن 19 في المئة من السكان أعلنوا عدم انتمائهم لأي طائفة دينية، وهي مجموعة تزايدت أعدادها منذ عام 1971 (ويرجع ذلك جزئيا إلى نسبة 4 في المئة من السكان من أصول هندية وصينية).

تم الحفاظ على الاتفاقية حتى الآن، لكنها غدت هشة وغير فعالة في كثير من الأحيان. ومع خروج أيرلندا الشمالية من الاتحاد الأوروبي تبعا لانسحاب بريطانيا منه وبقاء جمهورية أيرلندا فيه، تعرّضت الاتفاقية التي اعتمدت على تقاسم السلطة بين المملكة المتحدة وجمهورية أيرلندا للخطر. كما أحيا ذلك احتجاجات قوية بقيادة المستوطنين البروتستانت "الاتحاديين"، بينما لا تزال الطائفية السمة الرئيسة المهيمنة على المستعمرة الاستيطانية دون نهاية في الأفق.

أما في كاليدونيا الجديدة، ورغم هزيمة شعب الكاناك الساحقة على يد الفرنسيين المحتلين الذين حاولوا إبادتهم في القرن التاسع عشر، استعاد الكاناك أعداده جزئيا وظل أغلبية نظرا لقلة عدد المستوطنين. ومع تدفق المستوطنين الفرنسيين بعد الحرب العالمية الثانية، فقد الكاناك وضعهم كأغلبية بعد تعداد عام ١٩٥٦، حيث انخفضت نسبتهم باستمرار إلى أقل من 50 في المئة. ويُعزى هذا التوجه إلى الجهود المتعمدة التي بذلتها السلطات الاستعمارية الفرنسية لمنع الكاناك من أن يصبحوا أغلبية، مدفوعة بمخاوف من انتفاضات محتملة أو هيمنة الكاناك على الانتخابات بمجرد حصولهم على حق الاقتراع. وقد كانت هذه المخاوف الاستعمارية حاضرة حتى في السنوات الأولى لاستعمار كاليدونيا الجديدة، مما يعكس استراتيجية أوسع نطاقا في المستعمرات الاستيطانية للحد من نفوذ السكان الأصليين. وفي 19 تموز/ يوليو 1972، أرسل رئيس الوزراء الفرنسي بيير ميسمير رسالة إلى وزير الدولة لشؤون المقاطعات والأقاليم الخارجية، مُصمما هذه الاستراتيجية الديموغرافية:

"ما لم تندلع حرب عالمية، لا يُمكن تهديد الوجود الفرنسي في كاليدونيا إلا بمطالبة قومية من السكان الأصليين، مدعومة ببضعة حلفاء محتملين من مجتمعات عرقية أخرى قادمة من المحيط الهادئ. على المدى القصير والمتوسط، من شأن الهجرة الجماعية للمواطنين الفرنسيين من فرنسا القارية أو من المقاطعات الخارجية (ريونيون) أن تُمكّننا من تجنب هذا الخطر، من خلال الحفاظ على النسبة العددية للمجتمعات وتحسينها".

إسرائيل هي المستعمرة الاستيطانية الثالثة التي أدى فيها التهديد الديموغرافي الذي يُشكله السكان الأصليون للمستوطنين اليهود إلى الإبادة الجماعية الحالية

يؤكد هذا الموقف العنصري الصريح السياق التاريخي لسياسات الهجرة المصممة للحفاظ على هيمنة الاستعمار الاستيطاني الفرنسي في كاليدونيا الجديدة. ونظرا لأن كاليدونيا الجديدة مصدر رئيس للنيكل، فقد حفزت طفرة النيكل من عام 1968 إلى عام 1971 موجة أخرى من الاستيطان، حيث وصل ما بين 15 و20 ألف مستوطن بين عامي 1969 و1976، بمن فيهم العديد من المستوطنين الأوروبيين السابقين الذين غادروا الجزائر بُعيد استقلالها، هاربين من المساواة. وعلى هذه الخلفية، أدرك شعب الكاناك في عام 1984 حقيقة المقترحات الفرنسية للانتخابات وفهموا الخطط الاستعمارية لتقويض دعوتهم للاستقلال.

في غضون أيام من توقيع اتفاقية الجمعة العظيمة لأيرلندا الشمالية، في 5 أيار/ مايو 1998، وقّع المسؤولون الفرنسيون والكاناك "اتفاقية نوميا". وتوقعت الاتفاقية نقل سلطات الحكم من باريس إلى الإقليم على مدى فترة تتراوح بين خمسة عشر وعشرين عاما، مما قد يؤدي إلى الاستقلال، وتضييق نطاق عدد الناخبين المؤهلين بين المستوطنين. لم يكن بالإمكان المشاركة إلا لمن يحملون جنسية كاليدونيا الجديدة ممن أقاموا في الأرخبيل بين عامي 1988 و1998، أو من نسل من استوفوا هذه الشروط.

كانت عملية حصول الكاناك على حق الاقتراع مشروطة بتحييد تهديدهم الديموغرافي. فبينما صدر مرسوم عام 1945 يمدد حق الاقتراع لفئات معينة من "الميلانيزيين" -بمن فيهم المحاربون القدامى، والزعماء التقليديون، ورجال الدين، ومراقبو التعليم- لم يُوسّع هذا الحق إلا في أيار/ مايو 1951، وأخيرا، في 26 تموز/ يوليو 1957، عندما مُنح جميع "الميلانيزيين" حق الاقتراع.

ولم يكن من قبيل الصدفة أن يُوسّع نطاق حق الاقتراع العام ليشمل الكاناك في اللحظة التي فقدوا فيها أغلبيتهم الديموغرافية أمام العدد المتزايد من المستوطنين البيض، مما قوّض نضالهم من أجل الاستقلال. ويتضح هذا من "التسوية" الأخيرة التي قدمتها فرنسا الأسبوع الماضي بإعلانها ما سمته بـ"دولة كاليدونيا الجديدة ضمن الجمهورية"، مانحة مزيدا من الحكم الذاتي، كما منحت حق الاقتراع فقط لمن عاشوا في البلاد لأكثر من عشر سنوات -وهو أمر يُمكن التلاعب فيه بسهولة مع زيادة الاستيطان الفرنسي الأبيض كاستراتيجية طويلة الأمد- وتأسيس "جنسية كاليدونية"، ولكن ليس جنسية الكاناك.

إسرائيل هي المستعمرة الاستيطانية الثالثة التي أدى فيها التهديد الديموغرافي الذي يُشكله السكان الأصليون للمستوطنين اليهود إلى الإبادة الجماعية الحالية. فقد تعاونت قيادة المنظمة الصهيونية مع الحكومة البريطانية لضمان عدم منح السكان الفلسطينيين برلمانا أو حق الاقتراع لأي شكل من أشكال الحكم المحلي في ظل الانتداب البريطاني، وكان ذلك انتهاكا لقواعد عصبة الأمم وصك الانتداب. كان الصهاينة قلقين من الفلسطينيين، فبما أن الفلسطينيين كانوا يُشكلون الأغلبية العظمى من سكان فلسطين، فأي حقوق تُمنح لهم ستُعيق مشروع المنظمة الصهيونية الاستعماري الاستيطاني الذي سعى إلى تهجيرهم من فلسطين. لتجنب هذا الاحتمال، شرع الصهاينة في تنفيذ خطط لطرد السكان كانوا قد رسموها مسبقا، والتي بدأت في 30 تشرين الثاني/ نوفمبر 1947 واستمرت طوال حرب 1948 وما بعدها.

عشية حرب 1948، بلغ عدد السكان اليهود المستوطنين في فلسطين 608 آلاف يهودي (يشكلون 30 في المئة)، أغلبيتهم وصلت إلى البلاد خلال العقدين السابقين، و1,364 مليون فلسطيني. خلال غزو 1948، قتل الصهاينة ما يزيد عن 13 ألف فلسطيني -أي ما يعادل 1 في المئة من السكان الفلسطينيين- وطردوا حوالي 760 ألف فلسطيني، أي أكثر من 80 في المئة من الفلسطينيين الذين كانوا يعيشون في المنطقة التي أعلنتها إسرائيل دولة يهودية. وقد كانت عمليات القتل والتطهير العرقي هذه هي التي أسست التفوق الديموغرافي اليهودي في إسرائيل بين عامي 1948 و1967. وبحلول تشرين الثاني/ نوفمبر 1948، بقي حوالي 165 ألف فلسطيني في إسرائيل، وبلغ عدد سكانها اليهود المستعمرين 716 ألف نسمة، مما رفع نسبتهم من 30 إلى 81 في المئة بين عشية وضحاها. عشية الغزو الإسرائيلي لثلاث دول عربية عام 1967، بلغ عدد سكان إسرائيل 2.7 مليون نسمة، منهم 2.4 مليون مستعمر يهودي وذريتهم، الذين عززوا نسبتهم البالغة 89 في المئة من السكان.

منذ احتلال إسرائيل للضفة الغربية وغزة عام 1967، والذي طردت خلاله إسرائيل حوالي 350 ألف فلسطيني، لم تُحل المشكلة الديموغرافية واستمرت في تهديد التفوق اليهودي في إسرائيل. فبعد الطرد، في أيلول/ سبتمبر 1967، أظهر التعداد الإسرائيلي أن عدد سكان الضفة الغربية بلغ 661,700 نسمة وسكان غزة 354,700 نسمة. وبلغ عدد سكان القدس الشرقية 68,600 فلسطيني. هذا يعني أن إجمالي عدد السكان الفلسطينيين في إسرائيل والضفة الغربية وغزة بلغ 1,385 مليون نسمة، مما أدى إلى انخفاض نسبة السكان اليهود في جميع الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل من 89 في المئة إلى 56 في المئة. 

استمر انخفاض نسبة السكان اليهود المستعمرين حتى عام 1990 وسط قلق كبير من جانب الإسرائيليين. وعلى الرغم من هجرة مليون يهودي أو مدّعي اليهودية من الاتحاد السوفييتي بين عامي 1990 و2000، إلا أن ذلك لم يكن كافيا لمواكبة الزيادة في عدد السكان الفلسطينيين. وفي عام 2000، بلغ عدد سكان إسرائيل 6.4 مليون نسمة، منهم 5 ملايين يهودي ونحو 1.2 مليون فلسطيني، بينما بلغ عدد سكان الضفة الغربية 2.012 مليون نسمة وغزة 1.138 مليون نسمة، مما قلص نسبة المستوطنين اليهود وذريتهم إلى ما لا يزيد عن 52 في المئة من السكان. وفي عام 2010، بلغ عدد سكان إسرائيل 7.6 مليون نسمة، منهم 5.75 مليون يهودي و1.55 مليون فلسطيني، بينما بلغ عدد سكان الضفة الغربية 2.48 مليون نسمة وغزة 1.54 مليون نسمة. هذا جعل السكان اليهود أقلية لا تتجاوز 49 في المئة لأول مرة منذ التطهير العرقي الشامل للفلسطينيين عام 1948.

وضع الأقلية للمستوطنين اليهود في إسرائيل هو السبب في استمرار الإبادة الجماعية الحالية في غزة، وكذلك خطط طرد الناجين الفلسطينيين المتبقين خارج القطاع والتحضير لطرد الفلسطينيين من الضفة الغربية

في عام 2020، بلغ عدد سكان إسرائيل 9.2 مليون نسمة، منهم 6.8 مليون يهودي و1.9 مليون فلسطيني، بينما بلغ عدد سكان الضفة الغربية 3.05 مليون نسمة وغزة 2.047 مليون نسمة، مما أدى إلى انخفاض نسبة المستوطنين اليهود وأحفادهم إلى 47 في المئة من السكان. هذه هي الخلفية التي جعلت الإبادة الجماعية الخيار الوحيد المتبقي لإسرائيل ورعاتها الأمريكيين والأوروبيين. أما بالنسبة لفشل المحادثات الحالية مع حركة حماس في وقف الإبادة الجماعية، فهو قائم على "التسوية" الأمريكية والإسرائيلية، التي تصر على شروط إسرائيل في المفاوضات بأن إسرائيل ستوقف الإبادة الجماعية وستطرد الفلسطينيين الناجين وتستولي على غزة لمزيد من الاستيطان اليهودي، مقابل الاستسلام الكامل للمقاومة الفلسطينية وإبادتها الذاتية.

 وبينما يبحث الفرنسيون عن حيلة جديدة لموازنة الخطر الديموغرافي من خلال الاتفاق الأخير بشأن مستقبل كاليدونيا الجديدة، ويظل البريطانيون قلقين بشأن الوضع غير المحلول في أيرلندا الشمالية على الرغم من خدعة اتفاقية الجمعة العظيمة، فإن وضع الأقلية للمستوطنين اليهود في إسرائيل هو السبب في استمرار الإبادة الجماعية الحالية في غزة، وكذلك خطط طرد الناجين الفلسطينيين المتبقين خارج القطاع والتحضير لطرد الفلسطينيين من الضفة الغربية.

من بين المستعمرات الاستيطانية الثلاث التي تواجه تهديدات لاستمرار امتيازات المستوطنين العنصريين البيض، فإن الإسرائيليين هم الوحيدون الذين يرتكبون إبادة جماعية. وتشمل سوابق التزام إسرائيل الثابت بالإبادة الجماعية الإبادة الجماعية الألمانية في ناميبيا وتنجانيقا في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، لتأمين تفوق المستوطنين الاستعماريين الألمان، والإبادة الجماعية الفرنسية في الجزائر بعد الحرب العالمية الثانية لأسباب مماثلة. أما الإبادة الجماعية الإسرائيلية فهي الأحدث في سلسلة هذه الأهوال. فقد طُرد الألمان والفرنسيون أخيرا، وعاد معظم مستوطنيهم إلى ديارهم. في المقابل، يعتقد الإسرائيليون ورعاتهم أن الإبادة الجماعية الحالية للفلسطينيين تُبشر بنجاة المستعمرة الاستيطانية واستمرارها إلى الأبد، وهو مصير تصر المقاومة الفلسطينية المستمرة على عدم السماح به.