تتجه الأنظار إلى مصير عبد الهادي
العراقي، أحد أقدم وأبرز المعتقلين في سجن خليج
غوانتانامو، في ظل مساع أمريكية لنقله إلى العراق، وسط اعتراضات قانونية وتحذيرات
حقوقية متصاعدة تتعلق بسلامته الصحية واحتمال تعرضه لسوء المعاملة داخل السجون
العراقية.
ويبلغ عبد
الهادي العراقي من العمر 64 عاما، كما يشار إلى أنه كان مقربا في السابق من زعيم
تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، فيما أشارت وسائل إعلام محلية إلى أنه من المقرر
نقله إلى سجن في مدينة الموصل، مسقط رأسه. وفي المقابل، طالبت زوجته بشكل عاجل
بعدم تسليمه إلى السلطات العراقية، محذرة من أن ذلك قد يعرّض حياته للخطر.
مطالبات الزوجة
ونقلت تقارير
إعلامية عن زوجته الأفغانية، سونيا أميري، قولها إن زوجها "سيبقى على قيد
الحياة في غوانتانامو، لكنه لن ينجو في العراق"، مضيفة: "لن يمكث هناك
سوى بضعة أشهر، سيبقى حيا".
كما أعربت،
في حديثها لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، عن اعتقادها بأن وضع
السجون في العراق يهدد حياته، مطالبة بإعادته إلى أفغانستان باعتبار أن زوجها
وأطفالهما الأربعة أفغان الجنسية، وقالت: "كنت أعرفه باسم عبد الرحمن، ولم
يكن لدي أي معلومات عن أنشطة عبد الهادي".
دعاوى
قضائية ووضع صحي حرج
وكان عبد
الهادي العراقي قد رفع في وقت سابق دعوى قضائية أمام المحاكم الأمريكية للطعن في
قرار نقله إلى العراق، مشيرا إلى خطر يهدد حياته وغياب الرعاية الطبية المناسبة
لحالته الصحية، إذ يعاني من شلل في العمود الفقري ويستخدم كرسيا متحركا، وخضع لست
عمليات جراحية في العمود الفقري أثناء احتجازه في غوانتانامو.
ويُحتجز عبد
الهادي العراقي في السجن العسكري الأمريكي بخليج غوانتانامو في كوبا منذ أكثر من
18 عاما، وقد أقر بذنبه في عام 2022 بقيادة مجموعة قتلت عدة جنود من الجيش
الأمريكي خلال حرب أفغانستان، ضمن اتفاق قضائي ينهي عقوبته عام 2032، ويتضمن إمكانية
قضاء مدة السجن في عهدة دولة أخرى تكون أكثر قدرة على توفير الرعاية الطبية له.
خطة
نقل إلى العراق
وكشفت عريضة
قضائية قُدمت إلى محكمة فيدرالية في يناير من مطلع العام الجاري، عن مفاوضات كانت
جارية لنقل عبد الهادي العراقي، البالغ آنذاك 64 عاما، إلى عهدة الحكومة العراقية،
رغم اعتراضه ومحاميه، وتحذيرهم من تعرضه لسوء المعاملة وغياب الرعاية الطبية
الكافية داخل السجون العراقية.
اظهار أخبار متعلقة
وأوضح محاموه
أن الخطة الأمريكية تقضي بإيوائه في سجن الكرخ خارج بغداد، وهو الموقع السابق لسجن
أمريكي يُعرف باسم "كامب كروبر"، والذي احتجز فيه مئات السجناء خلال السنوات
الماضية.
وقالوا في
ملف قضائي مكوّن من 27 صفحة: "بسبب إدانته هنا والمشكلات التي لا تُعد ولا
تحصى التي يعاني منها نظام السجون في العراق، لا يمكن إيواء عبد الهادي بأمان في
سجن عراقي"، مضيفين أن الحكومة العراقية لن تكون قادرة على توفير الرعاية
الطبية اللازمة لحالته الصحية المتدهورة، والتي تفاقمت بسبب نقص الرعاية الطبية في
غوانتانامو.
وأشار
المحامون إلى أن الدعوى تهدف إلى إحباط صفقة تُعد جزءا من مساعي إدارة الرئيس
الأمريكي آنذاك جو بايدن لتقليص عدد المحتجزين في غوانتانامو قبل تسلم الرئيس
دونالد ترمب منصبه، لافتين إلى إعادة أربعة سجناء إلى أوطانهم خلال أقل من شهر،
بينهم رجلان ماليزيان أقرا بارتكاب جرائم حرب، ومواطن تونسي وآخر كيني، لم يعترض
أي منهم على تسليمهم، بخلاف عبد الهادي العراقي.
وقبل عام،
أبلغت وزارة الدفاع الأمريكية الكونغرس بخطة نقل عبد الهادي في 13 كانون
الأول/ديسمبر 2024، وكان من المتوقع أن يتم نقله من غوانتانامو بعد انقضاء مهلة
الإخطار القانوني البالغة 30 يوما، أي في الأسبوع الذي يصادف 12 كانون
الثاني/يناير 2025، إلا أن عملية النقل لم تنفذ حتى الآن.
كما وافق
المحامون الحكوميون على تسريع النظر في القضية، وأبلغوا القاضي حينها إيميت جي
سوليفان من المحكمة الجزئية الأمريكية في مقاطعة كولومبيا بنيتهم الرد على طلب
الأمر القضائي الأولي في الوقت المناسب، فيما رفض متحدثان باسم وزارتي الخارجية
والعدل التعليق على القضية.
تحذيرات
حقوقية
وبيّنت
الوثائق القضائية أن عبد الهادي العراقي مثّله في الالتماس كل من بنجامين سي
ماكموراي وسكوت كيه ويلسون، المحاميان العامان الفيدراليان في ولاية يوتاه، إلى
جانب سوزان هنسلر، المحامية في وزارة الدفاع، والتي تمثله منذ عام 2017.
اظهار أخبار متعلقة
واستشهد
المحامون بتقرير وزارة الخارجية الأمريكية لعام 2023، الذي أشار إلى "ظروف
السجن القاسية والمهددة للحياة" في العراق، مطالبين بمنع نقله مؤقتا إلى حين
الفصل في القضية، ومؤكدين أن "الضرر الدائم يبرر إصدار أمر أولي بمنع النقل
الفوري للسيد التمير إلى سجن عراقي".
المسار
العسكري والانضمام إلى تنظيم القاعدة
وُلد عبد
الهادي العراقي، واسمه الحقيقي نشوان عبد الرزاق عبد الباقي التميمي، عام 1961 في
مدينة الموصل، وخدم في ثمانينيات القرن الماضي كضابط في الجيش العراقي خلال الحرب
الإيرانية العراقية، قبل أن يسافر إلى أفغانستان مطلع التسعينيات، بعد انسحاب
الاتحاد السوفييتي بقليل.
وتنقل خلال
تلك الفترة بين باكستان وأفغانستان، واستخدم عدة كنى منها عبد الهادي الموصلي وعبد
الهادي الأنصاري، وصولا إلى عبد الهادي العراقي.
ونقلت صحيفة
"نيويورك تايمز" عن باحثين، حيث عاش عبد الهادي في باكستان خلال اندلاع
الحرب الأهلية الأفغانية، قبل أن ينتقل إلى أفغانستان عامي 1995 أو 1996 عقب سيطرة
حركة
طالبان على مساحات واسعة، حيث فعّل خبرته العسكرية في "لواء
الأنصار"، الذي ضم مقاتلين أجانب قاتلوا إلى جانب طالبان.
وأشار باحثون
لاحقا إلى أن العقيدة القتالية للجيش العراقي كانت حاضرة في تنظيم القاعدة قبل
سنوات من ظهور تنظيم الدولة، نظرا إلى الدور العسكري الذي لعبه عبد الهادي، المنشق
عن الجيش العراقي.
أدوار
قيادية قبل 11 سبتمبر
وبحلول عام
1998، برز عبد الهادي كأحد القيادات الصاعدة في تنظيم القاعدة، إذ أدار بيت ضيافة
في كابول، وكان واحدا من ستة عرب في "لجنة الارتباط العربية" لدى إمارة
طالبان، كما شارك ضمن "مجموعة باميان" المسؤولة عن تدمير تماثيل بوذا في
وادي باميان، وأصبح في يونيو حزيران 2001 أحد أعضاء الهيئة الاستشارية لتنظيم
القاعدة وأسامة بن لادن.
اظهار أخبار متعلقة
وعقب هجمات
الحادي عشر من سبتمبر وأفول حكومة طالبان، تولى عبد الهادي مسؤولية شمال
أفغانستان، وأشرف على عمليات خارجها، وعمل على نقل استراتيجية القاعدة إلى العراق،
مستفيدا من علاقاته العائلية قرب الموصل، ووجود مخيم يُعرف باسم "مخيم
الأكراد" للعناصر الوافدة إلى منزله في أفغانستان.
ونهاية
المطاف، اعتقل عبد الهادي العراقي في تركيا عام 2006 أثناء توجهه إلى العراق، وفق
ما أوردته وسائل إعلام أمريكية وعربية، من دون الكشف عن المدينة أو الموقع الدقيق
الذي تمت فيه عملية الاعتقال.
وسلم بعد
توقيفه مباشرة إلى وكالة الاستخبارات الأمريكية، قبل أن يُحتجز لفترة تراوحت بين
خمسة وستة أشهر في مواقع احتجاز سرية لم يعلن عن أماكنها، ثم نقل لاحقا إلى معتقل
غوانتانامو في كوبا، حيث استمر احتجازه إلى هذا اليوم.
الاتهامات
الأمريكية
واتهمت
واشنطن عبد الهادي العراقي بالتخطيط وقيادة هجمات ضد القوات الأمريكية في
أفغانستان بين عامي 2002 و2004 بالتنسيق مع طالبان، إضافة إلى التخطيط لمحاولة
اغتيال الرئيس الباكستاني السابق برويز مشرف ومسؤولين في الأمم المتحدة.
كما أقر في
اتفاق الإقرار بالذنب بمسؤوليته عن استخدام المدنيين دروعا بشرية، ما أدى إلى مقتل
17 من القوات الأمريكية وقوات التحالف في أفغانستان.
ملف
قضائي معقد ومستقبل غامض
ونقلت صحيفة
"نيويورك تايمز" أن عبد الهادي العراقي رفع دعوى قضائية احتجاجا على
نقله إلى سجن الكرخ، مشيرة إلى أنه أكبر السجناء سنا وأكثرهم إعاقة في غوانتانامو،
وأنه أقر بارتكاب جرائم حرب في أفغانستان عام 2022، ضمن صفقة تنتهي عقوبته بموجبها
عام 2032، مع إمكانية نقله إلى دولة أخرى توفر رعاية صحية مناسبة.
وأشارت
الصحيفة إلى أن عبد الهادي بدا رابط الجأش أثناء النطق بالحكم، وكان على علم
بتفاصيل الصفقة التي خفضت عقوبته إلى عشر سنوات اعتبارا من حزيران/يونيو 2022،
وأنه كان يجلس على كرسي متحرك أثناء الجلسات، مستمعا إلى الترجمة العربية عبر
سماعة رأس.
وتعد قضية
عبد الهادي العراقي من القضايا غير الاعتيادية في محاكم جرائم الحرب الخاصة بقضايا
الإرهاب التي أُنشئت بعد هجمات 11 سبتمبر، إذ لم تتضمن صفقة الإقرار بالذنب أي
إشارة إلى علمه المسبق بتلك الهجمات، رغم تصوير الادعاء له كعضو في الدائرة
الداخلية لتنظيم القاعدة.
ولا يزال
مستقبل عبد الهادي العراقي غير محسوم، في ظل جدل قانوني حول إمكانية احتجازه في
غوانتانامو حتى بعد انتهاء عقوبته، بذريعة استمرار الحرب على الإرهاب، أو نقله إلى
دولة شريكة توافق على مراقبة أنشطته وتوفير رعاية صحية متخصصة له.