في الوقت الذي توشك فيه
الانتخابات البرلمانية الثالثة في عهد رئيس النظام
المصري عبدالفتاح
السيسي، من الانتهاء، مع قرب اختتام جولتها الثانية تتوالى القرارات الإدارية والأحكام القضائية التي تشير إلى احتمالات إلغاء نتائجها، أو صناعة "مجلس نواب" غير دستوري قريب إلى الحل مع أي أزمة سياسية.
وفجر الأحد، أعلنت "المحكمة الإدارية العليا" قبول 87 طعنا من بين 187 تقدم بها مرشحون خاسرون، وأصدرت قرارا بإلغاء نتائج انتخابات 28 دائرة فردية في 14محافظة من المرحلة الأولى لاقتراع "مجلس النواب"، في حكم لا يشمل نتائج انتخابات "القائمة"، التي فازت بها بالتزكية "القائمة الوطنية" المكونة من أحزاب الموالاة.
رئيس المحكمة القاضي أسامة يوسف، أعلن أن المخالفات الواردة في الطعون جوهرية وتمس سلامة العملية الانتخابية، ما يعني إلغاء شهادات الفوز التي أعلنتها هيئة الانتخابات للمرشحين وإعادة الاقتراع بالكامل في موعد جديد بالدوائر الـ28 بمحافظات: (الجيزة، والبحيرة، والفيوم، والمنيا، والأقصر، وسوهاج، وأسيوط).
وهو الحكم الذي يأتي عقب إلغاء الهيئة العليا للانتخابات نتائج 19 دائرة فردية يوم 18 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، بعد توجيه أصدره السيسي، بمراجعة المخالفات وإلغاء النتائج جزئيا أو كليا، إثر تعدد شكاوى المرشحين المستقلين، من غلبة الرشا الانتخابية وشراء الأصوات مقابل 300 جنيه، وسيطرة المال السياسي لمرشحي "القائمة الوطنية"، بقيادة حزب "مستقبل وطن".
ومن المنتظر أن تبت محكمة "النقض"، التي تمثل "قمة الهرم القضائي" المصري، في 59 طعنا آخرين أحالتها لها المحكمة الإدارية لعدم الاختصاص، في حين قد تصدر النقض أحكاما مفادها
بطلان دوائر جديدة بالمرحلة الأولى، بل وقد تتعداها إلى أحكام ببطلان نتائج انتخابات "القائمة المغلقة"، وفق بعض التوقعات.
وطالبت الحركة المدنية الديمقراطية، خلال جلسات الحوار الوطني (التي بدأت في 2023)، بضرورة تغيير النظام الانتخابي، ورفض نظام "القائمة المطلقة" التي يتمسك بها النظام، والتحول لـ"القائمة النسبية" أو نظام مختلط يجمع بين الفردي والقائمة.
وفي انتخابات مجلسي "النواب" التي جرت بعهد السيسي، اعتُمد النظام (الفردي والقائمة المطلقة)، وفاز بأغلبيتهما حزب "مستقبل وطن"، وحصد 57 مقعدا عام 2015، و316 مقعدا في 2020 من أصل 596 مقعدا، و149 مقعدا بمجلس الشيوخ 2020.
أثر الحكم وتبعاته
وبحكم المحكمة، وقرار الهيئة، يصبح إجمالي الدوائر الباطلة 47 دائرة من نحو 70 دائرة، ما دفع مراقبون للقول إنه "وضع يكشف عن طبيعة المناخ الانتخابي، ووقوع أخطاء كارثية بعمليات الاقتراع، وخلل آليات الإدارة والإشراف على العملية الانتخابية، يهدد ببطلان البرلمان القادم، رغم ما تم صرفه من أموال قد تتعدى 6 مليارات جنيه".
محامون وسياسيون، أكدوا أن "إقرار المحكمة الإدارية العليا ببطلان هذا العدد من الدوائر الفردية كفيل بالحكم أمام محكمة (النقض) ببطلان البرلمان كاملا، وفقا للمادة 29 من قانون الانتخابات التي تمنحها وحدها حق الفصل في صحة عضوية النواب والشيوخ، ما قد يضع نظام السيسي في أزمة، خاصة وأنه يعول على هذا المجلس في تمديد مدة حكمه وتعديل الدستور".
ولا يحق للمحكمة الإدارية العليا الحكم ببطلان انتخابات مجلس النواب والشيوخ كاملة، حيث أنه منوط بها الحكم في صحة أو بطلان مرحلة انتخابية واحدة أو عدة دوائر، ومقيدة بالنظر فقط في الطعون المتعلقة بقرارات الهيئة الوطنية للانتخابات وفقا للمادة 12 من القانون الخاص بالهيئة، وفق تأكيد المحامي أسعد هيكل.
ولفت مراقبون إلى أن "تلك الأحكام الصادرة في 78 طعنا من 280 تقدم بها مرشحون تضرروا من نتائج الجولة الأولى وما سبقها من تقارير تعزز الحكم من هيئة مفوضي الدولة وكذلك قرارات الهيئة العليا للانتخابات، تؤكد بطلان انتخابات القائمة أيضا في المرحلتين"، مرجحين "استمرار سيطرة مرشحو أحزاب (مستقبل وطن، وحماة الوطن، والجبهة الوطنية) على الجولة المحتملة".
اظهار أخبار متعلقة
ظلال البطلان حاضرة
وفي تعليقه، قال البرلماني المصري السابق ممدوح إسماعيل، إن "انتخابات عهد السيسي، نموذج واحد لإدارة المخابرات، وتعيين أشخاصا بعينهم (موالون)، وجميعها تمت بالتزوير والمخالفات القانونية، ورغم أن السابقتين منها (2015 و2020) مرت؛ إلا أنه في الأخيرة بدا حدوث تضارب مصالح بين الأجهزة السيادية الثلاثة في اختيار المرشحين، فسكتت لجنة الانتخابات أمام مراكز القوى، وتدخل السيسي، رغم أنها ليست وظيفته".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف، المحامي المصري أن "صراع مراكز القوى، تكرر فتم إسناد مهمة نظر الطعون الانتخابية التي تربو على 280 طعنا للمحكمة الإدارية ومحكمة النقض"، موضحا أن "تدخل السيسي، كرئيس السلطة التنفيذية مظهرا يمثل فضيحة سياسية".
ويرى أن "إلغاء المحكمة الإدارية نتائج انتخابات 26 دائرة فردية؛ يؤكد أن العملية الانتخابية بخلاف
التزوير واستخدام المال السياسي، يوجد حولها صراع كبير بين مراكز القوى الجديدة التي نشأت بعهد السيسي، ما يلقى بظلال البطلان على كامل الانتخابات بكل مراحلها".
ويرى أن "ما جرى بهذه الانتخابات من تزوير واستخدام للمال السياسي والرشى الانتخابية، وصراع تلك القوى، ثم تدخل السيسي، يؤكد حرصه على تواجد أشخاصا موالين له مائة بالمئة على مقاعد البرلمان، وصنع ديكور برلمان يقدم تعديلا دستوريا يمكنه من حكم مصر بلا منازع طوال حياته".
فشل فاضح رغم الإقصاء
وفي قراءته، أكد السياسي المصري يحيى حامد، أن "ما يجري بانتخابات البرلمان هذه المرة يستحق وقوف وتأمل عموم الشعب والمعارضة وكل راغبي التغيير، فنحن أمام انتخابات مهندسة أمنيا بشكل كامل، بمعنى أن القوانين المنظمة منعت ابتداء أي حزب أو مرشح فردي غير مرضى عنه من الأجهزة الأمنية".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أكد أن "النظام ينافس نفسه فلا وجود لقوى مناوئة استطاعت تخطي مرحلة تقديم الأوراق، أو تهديد سياسي للنظام، ومع ذلك خرجت الانتخابات بالصورة المخزية، رغم أن السيسي كان حريصا على خروجها بأفضل شكل وأقل قدر من التجاوزات، وعمل (عرس انتخابي) لبرلمان مطلوب منه تعديل دستوري يسمح له بفترتين رئاسيتين جديدتين بعد 2030".
ولفت إلى أن "الأجهزة الأمنية نصحت السيسي، عقب تجاوزات المرحلة الأولى بالتدخل وإصدار بيان عجيب وغريب، معترفا بالانتهاكات والمخالفات ومطالبا الهيئة العليا للانتخابات بالنظر فيها، وكان يفترض بعد هذا التوجيه خروج المرحلة الثانية بلا مخالفات إلا أنها شهدت خروقات وتجاوزات أشد وأفدح".
غنيمة عصابات
وألمح إلى أن "هناك شيء غريب وغير مسبوق يحدث، والأمور تبدو خارج السيطرة الأمنية، فالنسختين البرلمانيتين السابقتين تمت بإدارة مشتركة للأجهزة السيادية (الأمن الوطني، والمخابرات العامة، والمخابرات الحربية)، وأذرعها: (مستقبل وطن، والجبهة الوطنية، وحماة وطن)، في تنافس لم يخرج عن السيطرة".
واستدرك: "لكن بهذه الانتخابات ووفق معلومات تم إسناد إدارتها بشكل كامل لجهاز الأمن الوطني، على أن يمنح الأجهزة الأخرى حصة مناسبة يسترضيها بها، وللأسف الشديد يتم توزيع مقاعد البرلمان وكأنها غنيمة عصابات".
في تقديره يرى أن "أحد أسباب انفجار الوضع وخروج الانتخابات بهذا الشكل هو إدارة الأمن الوطني لها"، واصفا إياه بأنه "جهاز لا يمتلك عقل سياسي أو لديه قدرة على التفاهمات والتوازنات والمرونة لإدارة عمل سياسي، ومنذ نشأته وتأسيسه وممارساته حتى من قبل السيسي؛ يعتمد على البطش والعنف الأمني والقوة الصلبة".
اظهار أخبار متعلقة
خسارة شريحة جديدة
وأضاف: "هذه الانتخابات فضحت سوءة النظام أمام شريحة جديدة من المصريين كانت بعيدة عن السياسة وربما غير منخرطة بأحداث الانقلاب العسكري في 2013، وربما كانت ترى أنه نظام يحافظ على البلاد حتى مع وجود تجاوزات؛ إلا أن ما رأوه بهذه الانتخابات كام مذهلا وهو أمر له ما بعده".
وأشار إلى أن "عدد الدوائر الملغاة يهدد ببطلان الانتخابات، وهو أمام خيارين كلاهما مر: إلغاء الانتخابات في سابقة، ما يطعن بمشروعية النظام وقدرته على إدارة الأمور ومدى الثقة فيه وأمانته على الحياة السياسية وأصوات الشعب، ولو لم تلغى الانتخابات فالمجلس سيكون مطعون فيه وفاقدا للشرعية، ما لا يؤهله لخطوة تعديل الدستور".
وخلص للقول: "هذه الثغرات القانونية قد لا تكون فارقة في الظروف الطبيعية؛ ولكن مع أول اختلال في توازنات القوى داخل النظام أو بينه وبين القوى الشعبية والسياسية ستخرج ورقة الطعن بهذا البرلمان كمسمار بنعش النظام يهدده ويهدد مشروعيته، فالأمور القانونية تكتسب زخما مع التطورات السياسية".
الإلغاء أجدر
وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، طالب الصحفي علاء طه، بـ"فتح تحقيق مستقل في أسباب هذا الإخفاق الذي بدأ من هندسة الانتخابات إلى إدارتها"، و"حسابا سياسيا لمن تسبب بهذه الفوضى"، مشيرا إلى وجود "تكلفة سياسية ولوجستية، ومالية وإدارية إضافية"، مؤكدا أن "الأجدر أن تلغي العملية الانتخابية كاملة بمرحلتيها".
وفي رؤية اقتصادية، أشار الخبير الاقتصادي عبدالنبي عبدالمطلب، إلى خسائر مصر من برلمان مزور، قائلا: "في البلد الفاسد لا يأتي إلا المستثمر الفاسد؛ ومجلس النواب هو المشرع الذى سيوجه سفينة هذا البلد 5 سنوات قادمة"، موضحا أن "كل مواطن صاحب مصلحة بوجود مجلس نواب يمثل الوطن بشكل حقيقي، ولا يمثل أصحاب المصالح".
وبلغت تكلفة انتخابات مجلس النواب لعام 2015، نحو
1.945 مليار جنيه، وبينما لم تعلن تكلفة انتخابات برلمان 2020، بغرفيته "النواب" و"الشيوخ" فإنها لم تقل عن 4 مليارات جنيه، بالمقارنة بعام 2015 الذي شهد انتخابات غرفة واحدة، فيما تصب التوقعات لتكلفة لا تقل عن 6 مليارات جنيه للانتخابات الجارية، مع تفاقم أسعار خدمات وسلع كل ما يتعلق بملف الانتخابات.
حصار مر
وأقر البرلمان في دورتيه التشريعيتين2015 و2020، عددا كبيرا من القوانين ذات الأثر السلبي على حياة أكثر من 108 ملايين مصري اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، وبينها قوانين: "تنظيم التظاهر" 2013 وتعديلاته، و"مكافحة الإرهاب" 2015، "الضريبة المضافة" و"الخدمة المدنية" 2016، و"البناء الموحد" 2017 وتعديلاته 2023.
و"الجرائم الإلكترونية" 2018، و"التعديلات الدستورية" و"العمل الأهلي" (الجمعيات) 2019، و"الخدمة المدنية" (فصل الموظف العام) 2021، و"تنظيم الأحكام المتعلقة بملكية الدولة" (بيع الأصول العامة) و"قانون الانتخابات" و"الإجراءات الجنائية" و"الإيجار" 2025.