ملفات وتقارير

أيلول في غزة بلا زيتون.. المزارعون يحصدون الألم بعد تدمير الحقول والأشجار

كانت غزة تنتج غزة حوالي 35 ألف طن من الزيتون سنويا يذهب كله للاستخدام المحلي- جيتي
كانت غزة تنتج غزة حوالي 35 ألف طن من الزيتون سنويا يذهب كله للاستخدام المحلي- جيتي
غابت الطقوس الشعبية عن موسم قطف الزيتون في قطاع غزة للعام الثالث على التوالي، بعد أن تسببت الحرب المستمرة في تدمير مساحات واسعة من الحقول المثمرة، حارمة بذلك آلاف المزارعين من رزق وفير كانوا ينتظرونه بفارغ الصبر في هذا الوقت من كل عام.

ودمرت قوات الاحتلال مساحات واسعة من الحقول المزروعة بالزيتون المثمر، خصوصا في المناطق الشرقية لقطاع غزة، بينما لم تسلم المعاصر الموسمية من التدمير الإسرائيلي الممنهج، فبينما كانت تتهيأ في مثل هذا الوقت لتشغيل ماكيناتها وحجارتها الصخرية الضخمة، لعصر زيت الزيتون القادم من الحقول القريبة، وجد ملاكها أنفسهم اليوم بين نزوح وتشرد، بفعل التدمير الواسع في القطاع، والذي طال معاصرهم ومنشآتهم.

اظهار أخبار متعلقة


"حزن عميق"
ويسيطر حزن عميق على الحاج حسن حمدان، بعد أن فقد مزرعته الزاخرة بأشجار الزيتون في منطقة القرارة شرق خانيونس، على إثر تدمير الاحتلال لها واقتلاع أشجارها المثمرة والقديمة.

يقول حمدان في حديث خاص لـ"عربي21" إن طقوس جني محصول الزيتون وعصر زيته غابت للعام الثالث على التوالي على إثر العدوان المتواصل، مضيفا: "كانت عائلتي تتجمع في مثل هذا الوقت من كل عام لقطف الثمار، كنا ننتظر هذا الوقت بفارغ الصبر، لكن الحرب حرمتنا من الاحتفال بالموسم بعد ان دمرت كل ما نملك.

يتذكر الحاج حسن وتكاد الدمعة تفر من عينه قائلا: "كان  الموسم تراثا وهوية بالنسبة لنا، وتعبير واضح عن ارتباطنا بأرضنا وتجذرنا فيها (..) على مدار أسبوع كامل يتجمع الأولاد والأحفاد والأقارب لنحيي هذه المناسبة التي توارثناها عن أجدادنا، نذهب في الصباح الباكر، نتناول إفطارنا ومن ثم ننطلق لجني ثمار الزيتون، وسط أجواء من البهجة والفرح، وحين ننتهي من جمعه نقوم، بإرسال جزء كبير منه إلى معصرة قريبة، لنستخلص منه الزيت النقي الشهير بجودته العالية، ومن ثم ندخر جزءا آخر لتخليله منزليا".

ويتابع: "رغم عوائد محصول الزيتون المادية الجيدة، إلا أن هذا لم يكن دافعنا الأساسي، فلقد أصبح موسم جني الزيتون، فرصة يتجدد فيها التعبير عن الترابط الأسرى، والتشبث بالأرض، وفرصة لتعليم الصغار قيمة الأرض، وحثهم على التمسك فيها من بعدنا".

ولم يكن يوسف الزريعي أفضل حالا من الحاج حمدان، فلقد تقاسما الألم والمعاناة بفقدهم مزارعهم، ومصدر فرحهم السنوي، تحت جنازير دبابات الاحتلال التي عاثت تدميرا و تخريبا في المزارع والحقول حتى دمرتها، وتركتها أثرا بعد عين.

يقول الزريعي في حديث خاص لـ"عربي21" إن حزنا عميقا يعيشه في هذه الأيام، مع تذكر مزرعته الصغيرة الزاخرة بأشجار الزيتون، والتي دمرها الاحتلال في بدايات الحرب، حين اجتاح منطقة حجر الديك، جنوب شرق مدينة غزة.

اظهار أخبار متعلقة


يذكر الزريعي قائلا، إن مزعته لم تكن كبيرة، فلقد كانت تحتوي بضعة عشرات من أشجار الزيتون المثمرة، لكن ما يؤلمه، انطفاء شعلة الموسم التي اعتاد منذ عشرين عاما على إحيائها بطقوس عائلية خاصة، وأجواء من الفرح والبهجة، تبدأ في الصباح وتنتهي عند مغرب الشمس على مدار عدة أيام.

أرقام قبل الحرب
وتقدر مساحة الأراضي المزروعة بالزيتون في قطاع غزة قبل بدء الحرب قبل نحو عامين، بحوالي 44 ألف دونم، بينها 35 ألف دونم مُثمر، و9 آلاف دونم غير مُثمر. وفق أرقام وزارة الزراعة بغزة قبل الحرب التي بدأت في تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

كانت غزة تنتج حوالي 35 ألف طن من الزيتون سنويا، يذهب كله للاستخدام المحلي، منها 4 آلاف طن تخصص للتخليل المنزلي أو المصانع، و31 ألف طن يتم عصرها بمعاصر الزيتون، لكن هذه الكميات تتعرض للارتفاع والانخفاض سنويا وفق حجم الإنتاج.

ويتوزع في محافظات قطاع غزة، نحو 40 معصرة لاستخراج زيت الزيتون، منها 32 معصرة حديثة (أوتوماتيكية)، و6 معاصر تقليدية (نصف أوتوماتيكية)، ومعصرتين يدويتين تعتمد على الحجر القديم.

وتنشط مهنة قصف الزيتون واستخراج زيته في قطاع غزة بعد الـ20 من أيلول/ سبتمبر من كل عام، حيث ينتظر المزارعون زخات خفيفة من الأمطار يطلق عليها "أمطار الصليب"، لكن ذروة الموسم تكون عند انتصاف تشرين الأول/ أكتوبر من كل عام.

ويعتمد قطاع غزة اعتماداً رئيسياً على القطاع الزراعي في توفير الغذاء لأكثر من 2.4 مليون إنسان يعيشون في جميع المحافظات، إلا أنّ تعطل هذا القطاع أثر سلباً على الحركة الاقتصادية من بيع وشراء وتربية، لا سيما في القطاع الحيواني والأسماك.

وذكر تقرير لوزارة الزراعة الفلسطينية، أن قوات الاحتلال تعمدت تدمير جميع الأراضي الزراعية في قطاع غزة، والبالغ مساحتها 180 ألف دونم مزروعة بالخضراوات والفواكه والمحاصيل الحقلية.
ومع دخول موسم قطف الزيتون، أوضح التقرير أن قوات الاحتلال استهدفت أشجار الزيتون بشكل ممنهج والتي تشكّل نحو 60 في المئة من أشجار البستنة في القطاع.

وأفاد تقرير أممي أن أقل من 5 في المئة فقط من مساحة الأراضي الزراعية في قطاع غزة، ما تزال متاحة للزراعة، ما يزيد تدهور القدرة على إنتاج الغذاء ويفاقم خطر المجاعة، وذلك وفق تقييم أجرته منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) ومركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية.
التعليقات (0)