حال المعتقلين السياسيين في
مصر، حال صعب،
لا يخفى على كل حقوقي منصف، ولا راصد ومتتبع للمعاملة الجائرة من نظام، لا هدف له
سوى الانتقام والتشفي، والحرمان من كل حق مشروع، لا يصل السجين السياسي في مصر،
إلى معشار حقوق السجين الجنائي، عتي الإجرام، فالسيسي ونظامه لا يتعامل معهم
كأفراد زج بهم في السجن، فتطبق عليهم لوائح
السجون، أو حتى أقل الحقوق.
فمنذ سنوات، هناك مسجونون تم حرمانهم من
التريض، والخروج من الزنزانة، لم ير الشمس، ولم تره، وحرموا من الكشف على المريض،
ولو كان يعاني من أخطر الأمراض، وقد تحول العالم كله، في وقت كورونا إلى تخفيف عدد
المساجين من السجون، حتى رأيت بنفسي في تركيا، شركة سرق رواتب العاملين فيها اثنان
من العمال الأجانب، وتم إثبات التهمة عليهما، وقررت وزارة الداخلية، عدم إيداعهم
في السجن، نظرا لوباء كورونا، وتم تخفيف أعداد السجون، في العالم كله، بينما في
مصر، لم تخفف، بل زادت، وزاد التنكيل بالناس، واتخذوا الوباء سببا لذلك، مع صمت العالم
كله، وإغلاق العالم.
كل هذا الإجراءات والتنكيل، دفع المعتقلين
السياسيين في مصر، في سجن بدر3 لاتخاذ قرار بالإضراب عن الطعام حتى لو أدى ذلك
لموتهم، بل رصدت حالات محاولة انتحار من سجناء، وقد خرجت رسالة من الدكتور محمد
البلتاجي، والدكتور عبد الرحمن البر، تصور هذه الأوضاع، ويعلنان خلال رسالتيهما
دخولهما مع البقية التي معهم في
إضراب عن الطعام، نظرا لما يمارس معهم من التعنت
والظلم.
المضرب عن الطعام ليس منتحرا، وإن كان المطلوب منه ألا يصل بإضرابه حتى يموت، بل هو مناضل، أراد أن يعيش عيشة كريمة، فليس جرمه أن طالب الحرية له ولأمته، بل هو شرف له ولكل من ينتسب إليه، بما يضحي ويقدم، وإن وصل به إضرابه عن الطعام للموت، وقد اجتهد ألا يصل إلى ذلك، فلا نملك أن نجعله منتحرا.
وهناك شريحة من الناس، بدل الوقوف بجانب
المظلوم، راحت تثير الشكوك والبلبلة، حول مشروعية ما قام به المسجونون، وكأن ما
قام به السجان موضع شك في الحرمة والبعض من الله وشرعه، ولم يسمع لهذه الحناجر
صوتا ينصف المظلوم، أو يتعاون معهم، بل راحت تنظر وتتقعر بالكلام على آخر ما يمكن
أن يمتلكه المسجون السياسي في ظل نظام مجرم باطلش، لا يخشى خالقا، ولا يرحم
مخلوقا، فراحوا يشككون في شرعية مثل هذا الإجراء، وكأن المسجون ليس له إلا أن
يتلقى الضربات من السجان، فيصمت، ويكتفي بالصمت، فربما لو دعا على الظالم، لخرج له
شيوخ المدخلية، والسلفية المخابراتية، بعدم جواز الدعاء على الحاكم الظالم
وأعوانه، وليس عليه سوى أن يتجرع مرارة الظلم في صمت، أو يلفظ أنفاسه الأخيرة،
موصوما منهم بأنه تلقى جزاء عادلا لرفضه الحاكم، وعدم الرضا بحكمه، الذي جاء عبر
الدبابة، وقتل الناس.
من أعجب ما تسمع في هذه الحالات من مثل هذه
الأصوات، أن الإضراب عن الطعام وسيلة لم يمارسها النبي صلى الله عليه وسلم، ولم
تمارس في عهد الخلفاء الراشدين!! وكأن الظلم الذي يمارس على المسجون، قد مارسه
النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته حاشاهم، فهو يبحث عن رد فعل المظلوم، ومدى
مشروعيته، ولا يبحث عن مدى جرم ما يقوم به الظالم، يتحدث عن ظلم استفاضت النصوص
الشرعية قرآنا وسنة وصحابة وتابعين، ومذاهب مختلفة، بجرم ما يفعل مع المسجون، وراح
يناقش ويجادل في وسيلة لم يرد نص بمنعها.
المشاغبات لا تتم مع المسجونين، بل تتم مع
ذويهم، من أهل المعتقل، والتخويف بأن المضرب عن الطعام لو مات، سيكون منتحرا،
فيخسر بذلك دنياه وأخراه، وكأن الظالم الذي مارس الظلم على المسجون، حتى وصل به
لهذه المرحلة، قد ربح الدنيا والآخرة، وضمنها له صاحب هذا الصوت، الذي لا يمت
للدين وفهمه الصحيح بصلة.
ليس مطلوبا ـ ورسالتي لأهالي المعتقلين ـ
ممن يستخدم وسيلة لا نص فيها، أن يأتي بدليل، بل المطلوب ممن يحرم أن يأتي هو
بالدليل على التحريم، فالأصل في الأشياء الإباحة، وهذا من أمور المعاملات التي
تحكمها هذه القاعدة، فما بالنا عند تفشي الظلم، ولم يعد في يد المسجون، ولا من
خارج السجن، سوى هذه الوسيلة، التي قد تجدي، وقد لا تجدي، لكنها تظل آخر الداء
الكي، كما يقال.
الخطاب الديني أو السياسي، الذي لا يعنى إلا بالتفتيش عن حال المظلوم، ليس لمساندته، بل لإثنائه عن مطالبته بحقوقه، ويصمت عن الظالم، وقرع آذانه ليل نهار بحكمه في الدنيا والآخرة، هو خطاب لا يمت للدين، ولا للإنسانية بصلة، وإن استدل المتحدث بنصوص من الآيات والأحاديث، يحرفها عن مواضعها، وينحرف بها عن مقاصدها وأهدافها.
المضرب عن الطعام ليس منتحرا، وإن كان
المطلوب منه ألا يصل بإضرابه حتى يموت، بل هو مناضل، أراد أن يعيش عيشة كريمة،
فليس جرمه أن طالب الحرية له ولأمته، بل هو شرف له ولكل من ينتسب إليه، بما يضحي
ويقدم، وإن وصل به إضرابه عن الطعام للموت، وقد اجتهد ألا يصل إلى ذلك، فلا نملك
أن نجعله منتحرا.
أما بعض حالات الانتحار التي رصدت مؤخرا،
فإن الحالة النفسية التي يضغط بها الظلمة، هي المسؤولة عن هذا الفعل، فالمسجون
الانفرادي، لسنوات طويلة، لا صلاة جماعة ولا جمعة، ولا صيام ولا قيام مع أحد، ولا
زيارات، المراد منها وصول المسجون للجنون، وهو ما وصل ببعضهم لمحاولة الانتحار،
وهي حالة يصل صاحبها لعدم المسؤولية الشرعية، وتكون المسؤولية التامة على عاتق
الظالم، فهو المجرم الحقيقي، فلا تسألوا عمن يحاول الانتحار وحكمه، بل اسألوا عمن
ينحر هؤلاء المسجونين، ويريد أن يصل بهم لهذه الدرجة، لا يموتون فيستريحون، ولا
يعيشون في أقل درجات الراحة.
الخطاب الديني أو السياسي، الذي لا يعنى إلا
بالتفتيش عن حال المظلوم، ليس لمساندته، بل لإثنائه عن مطالبته بحقوقه، ويصمت عن
الظالم، وقرع آذانه ليل نهار بحكمه في الدنيا والآخرة، هو خطاب لا يمت للدين، ولا
للإنسانية بصلة، وإن استدل المتحدث بنصوص من الآيات والأحاديث، يحرفها عن مواضعها،
وينحرف بها عن مقاصدها وأهدافها.
[email protected]