في ما بدا لي أن "الفن أبلغ
أنباءً" خطف
رفع العلم الفلسطيني، من قبل ممثل في ختام عرض بالأوبرا الملكية
البريطانية بلندن، العناوين في كل أنحاء العالم، وأبرز مرة أخرى شكلا مهما من
التضامن العالمي (وهو التضامن والمقاومة الثقافية) مع الشعب الفلسطيني الذي يتعرض
لإبادة صهيونية ممنهجة من قتل وتجويع في قطاع غزة منذ ما يقارب 23 شهرا، وتنكيل
متواصل كذلك في الضفة الغربية المحتلة.
الحادثة وقعت أثناء ختام عرض أوبرا “إل
تروفاتوري” للكاتب المسرحي الإيطالي جوزيبي فيردي، والذي استمر لمدة 11 ليلة.
وقد أظهر مقطع فيديو انتشر بشكل واسع شجارًا
لفترة وجيزة على حافة المسرح، عندما كان يحاول شخص يرتدي بدلة رسمية ويضع ربطة
عنق، سحب العلم الفلسطيني من الفنان، لكن الأخير قاوم ذلك بشدة، وأظهر العلم
بوضوح. وقد تضاربت المعلومات حول هوية هذا الشخص، بين من قال إنه مدير الأوبرا،
وبين من قال إنه عون أمن فقط.
حادثة رفع العلم الفلسطيني في الأوبرا الملكية البريطانية في لندن تؤكد بالنسبة لي هذا التضامن الثقافي العالمي المعبر مع الشعب الفلسطيني والمندد بحرب الإبادة التي يتعرض لها بتواطؤ مع الكثير من الأنظمة الغربية وفي صفوفها الأولى بريطانيا،
بعد الضجة الكبيرة التي خلفتها الحادثة سارع
متحدث باسم الباليه والأوبرا الملكية للتصريح بأن "عرض العلم كان عملاً
عفويًا وغير مصرح به، ولم تتم الموافقة عليه". واعتبر أن هذا الاحتجاج كان
"غير لائق تمامًا.. ولا يتماشى مع التزامنا بالحياد السياسي".
لاحظت من خلال متابعتي للتفاعل الإعلامي
العالمي الكبير مع الحادثة أن الصحف الإسرائيلية الناطقة بالإنجليزية تناولت الخبر
بقدر من التناول الإعلامي الوصفي والموضوعي، مثل صحيفة "جيروساليم
بوست"، التي أشارت إلى أن العرض نال تصفيقًا حارًا. بينما في المقابل تفاعلت
صحف بريطانية معروفة بأنها "صهيونية أكثر من الصهاينة"، مثل صحيفة
"دايلي تلغراف"، بشكل "هيستيري"، حيث سارعت إلى كشف هوية
وخلفية الفنان الذي رفع العلم الفلسطيني، وركزت على مهاجمته شخصيا باستهداف ميوله
الجنسية، وكأنه سبق صحافي فريد من نوعه، وإبراز ذلك بطريقة بدت مقصودة، رغم أن
الصحيفة نفسها، تدعي الدفاع عن حرية الأشخاص، وكثيرا ما هاجمت المسلمين
بإسلاموفوبية مضوحة، ومكررة، من هذا الجانب!
الصحيفة قالت إن الفنان اسمه دانيال بيري،
وهو "فنان رقص وموسيقي مثلي يعيش في لندن.. وأن سيرته الذاتية على حسابه على
"إنستغرام" تحمل كلمتي "المقاومة والثورة" بجانب رمز البطيخ،
الذي يمثل عادةً حركة المؤيدين لفلسطين".
الصحيفة المعروفة بأنها ليبرالية مدافعة على
الحق في الثراء، هاجمت الفنان بما يوحي أنه من خلفية عائلية مالية مريحة (وكأن ذلك
عيب!) بذكر أنه "التحق بمدرسة ترينغ بارك للفنون المسرحية"، وهي مؤسسة
تكلف 48 ألف جنيه إسترليني في السنة"!
تواصل الأصوات الإنسانية وفي تعبيراتها الفنية والثقافية، في الغرب خاصة، وبرغم التضييق، بل الترهيب تضامنها مع الشعب الفلسطيني أمام العدوان الإسرائيلي. بينما ماذا يقدم المشهد العربي سوى صورة بائسة، عنوانها الشعارات.. والشعارات.. والشعارات!
بدا لي أن الصحيفة التي كثيرا ما هاجمت
اليسار في
بريطانيا بسبب دعمه للقضية الفلسطينية، وكأنها توحي بأن الفنان من خلفية
مالية مريحة، وبالتالي كيف له أن يتضامن مع الشعب الفلسطيني!
والمثير للسخرية أن "التلغراف"،
وكأنها تكشف معلومة خطيرة جدا ذكرت أن "بيري ارتدى مؤخرًا قميصًا كتب عليه
"فلسطين حرة" في عرض مسرحي لكاباريه في لندن"!
حادثة رفع العلم الفلسطيني في الأوبرا
الملكية البريطانية في لندن تؤكد بالنسبة لي هذا التضامن الثقافي العالمي المعبر
مع الشعب الفلسطيني والمندد بحرب الإبادة التي يتعرض لها بتواطؤ مع الكثير من
الأنظمة الغربية وفي صفوفها الأولى بريطانيا، التي قدّم فيها مؤخرا فقط عدد من
الفنانين والفرق الموسيقية، من بينها فرقة "نيكاب" ووبوب فيلان وولف
أليس وأميل وذي سنيفرز، رسائل دعم لفلسطين عموما، ولسكان غزة خصوصا في مهرجان
غلاستونبري، وهو أشهر مهرجان موسيقي في بريطانيا.
وقد ذهبت الشرطة البريطانية إلى إصدار بيان
قالت فيه إن العروض الغنائية لفرقتي "بوب فيلان" و"نيكاب" في
مهرجان غلاستونبري سوف تخضع لتحقيق جنائي، وذلك بعد ترديد شعارات “الموت” للجيش
الإسرائيلي و”فلسطين حرة".
وقاد مغني الراب بوب فيلان الحشود لترديد
هتافات "فلسطين حرة.. فلسطين حرة" و"الموت.. الموت للجيش
الإسرائيلي".
وأدان رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر
وسياسيون بريطانيون الهتافات، قائلين إنه لا يوجد مبرر لمثل “خطاب الكراهية
المروع” هذا. بينما يصمت هؤلاء على الإبادة اليومية المروعة التي تتعرض لها غزة
على يد هذا جيش إسرائيل، وخطاب الكراهية المروع والموثق، الذي ينفثه قادتها!
في غضون ذلك سارعت وزارة الخارجية الأمريكية
إلى إلغاء تأشيرات دخول فرقة بوب فيلان، بينما تفرش واشطن البساط الأحمر لنتنياهو،
المطلوب للجنائية الدولية، وغيره من المجرمين ضد الإنسانية!
في المقابل تواصل الأصوات الإنسانية وفي
تعبيراتها الفنية والثقافية، في الغرب خاصة، وبرغم التضييق، بل الترهيب تضامنها مع
الشعب الفلسطيني أمام العدوان الإسرائيلي. بينما ماذا يقدم المشهد العربي سوى صورة
بائسة، عنوانها الشعارات.. والشعارات.. والشعارات!
*كاتب جزائري
مقيم في لندن