حذر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان من
"انهيار وشيك" للقطاع الصحي في
سوريا، في ظل ما وصفه بـ"واقع
متدهور"، ونقص حاد في التمويل، وانسحاب تدريجي لكبريات الجهات الداعمة، ما
يُهدد حياة ملايين السوريين، لا سيما في المناطق الشمالية من البلاد، التي تعاني
منذ سنوات من ضعف الخدمات وغياب الدولة.
وذكر المرصد في بيان تلقته
"عربي21"، أنّ البنية التحتية الصحية باتت على شفا الانهيار، نتيجة
التدمير واسع النطاق الذي خلفته سنوات الحرب، إضافة إلى العجز في الكوادر
والمستلزمات الطبية، وإغلاق العشرات من المرافق الحيوية، وسط
تراجع التمويل
الخارجي، لا سيما الأميركي.
وأكد أنّ قرار الإدارة الأمريكية السابقة
بوقف برامج الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، "مثّل نقطة تحوّل خطيرة" في المشهد
الصحي السوري، حيث تم تعليق أو إيقاف مشاريع كانت تنفذها منظمات إنسانية بارزة مثل
"شفق"، و"آي آر سي"، و"جول"، ما أدى إلى تضرر أكثر
من مليون شخص في شمال غرب البلاد، فيما لحقت أضرار كبيرة بالمناطق الشرقية، في ظل
شح البيانات المتوفرة هناك.
أرقام مرعبة.. ملايين دون رعاية
بحسب المرصد، فإن عدد السوريين الذين
يحتاجون إلى رعاية صحية عاجلة يقدّر بنحو 15.8 مليون شخص، في وقت لا تعمل فيه سوى
57% من المستشفيات و37% من مراكز الرعاية الصحية الأولية بكامل طاقتها، بينما
تواجه معظم المنشآت نقصًا في الإمدادات، ومعدات طبية متهالكة، وبنية تحتية مدمّرة.
وأضاف: أن نحو 246 مرفقًا صحيًا في شمال
وشمال شرق البلاد مهددة بالإغلاق، بحسب بيانات "منظمة
الصحة العالمية"،
فيما أكدت منظمة "أنقذوا الأطفال" (Save
the Children) أن 416 ألف طفل معرضون لخطر سوء التغذية الحاد بعد تعليق
أكثر من 40% من برامجها الغذائية في تلك المناطق بسبب وقف التمويل الأميركي.
المنظمات تنسحب.. والمجتمع الدولي يراقب
بصمت
ووفق مدير التخطيط والتعاون الدولي في وزارة
الصحة السورية، زهير قراط، فإن المنظمات التي كانت تدير مشاريع بتمويل أمريكي
اضطرت إلى التوقف الكامل أو تقليص عملياتها، بما شمل قطاعات الصحة، التعليم،
والمياه، ما ترك فجوة هائلة لم تتمكن الحكومة أو المجتمع المدني المحلي من سدّها.
في المقابل، لم ينجح التمويل الأوروبي في
تعويض التراجع الأمريكي، حيث اعتبر المرصد أنّ الدعم الأوروبي "ظل دون الحد
الأدنى الكافي لمواكبة الاحتياجات المتزايدة"، ما فاقم الأزمة بشكل مضطرد.
شبح الانهيار الكامل
الوضع لم يعد يهدد الشمال فقط، بل يتعداه
إلى مختلف أنحاء سوريا، بحسب ما جاء في
تقرير المرصد الذي دعا إلى "اعتبار
سوريا منطقة طوارئ صحية مزمنة"، تستوجب استجابة دولية عاجلة ومُنسقة.
وفي هذا السياق، قال المرصد: إن النظام
الصحي يواجه شللًا شبه كامل، بسبب الانهيار الاقتصادي المتسارع، وغياب المؤسسات
الحكومية الفاعلة، وهو واقع مستمر رغم سقوط النظام السابق في ديسمبر/ كانون الأول
2024، حيث لم تنجح الإدارة السورية الجديدة في إيجاد خطة إنعاش صحية حقيقية حتى
الآن.
وتُشير بيانات المفوضيَّة الساميَّة للأمم
المتحدة لشؤون اللاجئين إلى أنّ 90% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، ويُعاني
12.9 مليون من انعدام الأمن الغذائي، فيما يجد أكثر من نصف السكان صعوبة في الوصول
إلى مياه نظيفة. وتؤكد هذه الأرقام أن انهيار النظام الصحي سيكون له تداعيات
كارثية لا يمكن احتواؤها.
نداء أخير.. التمويل وحده لا يكفي
وشدد المرصد الأورومتوسطي على أن المسؤولية
في ضمان الحق في الصحة تقع أولًا على عاتق السلطات السورية، التي يتوجب عليها
إعداد وتنفيذ استراتيجية وطنية شاملة لإعادة تأهيل البنية التحتية الصحية وضمان
تمويل مستدام قائم على الشفافية.
كما دعا المجتمع الدولي إلى تحمّل مسؤوليته
الأخلاقية والقانونية، وعدم ربط المساعدات الطبية بالمواقف السياسية، مؤكدًا أن
القرارات الأحادية بوقف التمويل دون النظر إلى العواقب الإنسانية، أسهمت في خلق
فجوات حادة في الاستجابة لا تزال غير قابلة للتعويض.
وقال البيان: "أمام كل هذه المعطيات، يلوح في الأفق شبح
الانهيار الكامل للقطاع الصحي السوري، ما لم يتم التحرك بسرعة لإعادة تمويل
المرافق الطبية، ومنع كارثة إنسانية قد تعصف بملايين الأرواح".
اظهار أخبار متعلقة