اتهمت منظمة "هيومن رايتس ووتش" اليوم الإثنين، السلطات الأردنية بممارسة تهجير قسري بحق مجتمع "
البدول"، وهم من السكان البدو الذين عاشوا تاريخيًا في محيط مدينة
البتراء.
ودعت المنظمة الحكومة الأردنية إلى التراجع الفوري عن الإجراءات التي تجعل من منطقة سكن البدول غير صالحة للعيش، وإجراء مشاورات جدية معهم لضمان موافقتهم الحرة والمسبقة على أي عمليات نقل مستقبلية.
وذكرت "هيومن رايتس ووتش" أن الحكومة الأردنية تتخذ تدابير قسرية لدفع السكان إلى مغادرة المنطقة، تشمل قطع خدمات المياه، وتعليق الرواتب ومدفوعات الضمان الاجتماعي، والاحتجاز التعسفي دون تهم، وربط إطلاق سراح بعض الأفراد بموافقتهم على الإخلاء.
وقال آدم كوغل، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في هيومن رايتس ووتش:
"تهجير الأردن للبدول من منازلهم التاريخية في البتراء يُعرّض ثقافتهم للخطر. على الحكومة الأردنية وقف عمليات التهجير واحترام حقوق مجتمع البدول في البتراء".
وتُبرر السلطات هذه الإجراءات باعتبارها ضرورية لحماية الموقع الأثري والحفاظ عليه، إلا أن "هيومن رايتس ووتش" وثّقت أن السكان يرون في هذه الإجراءات وسيلة ضغط ممنهجة لإجبارهم على الإخلاء.
ومنذ أواخر 2024، استهدفت حملة التهجير حوالي 25 عائلة تقيم في كهوف وخيام في منطقة "سطوح النبي هارون" (السطوح)، حيث بدأت السلطات بتكثيف ضغوطها خلال الأيام الماضية، بحسب ما أفاد به سكان محليون.
وزار باحثو "هيومن رايتس ووتش" المنطقة في الشهر الماضي، وأجروا مقابلات مع السكان واطلعوا على وثائق قضائية ذات صلة، وتبين أن هذه التدابير الحكومية تُفاقم من معاناة السكان وتهدد سبل عيشهم وصحتهم وتعليم أبنائهم.
اظهار أخبار متعلقة
ومن بين هذه التدابير، قطع المياه، وتوقيف بدل المواصلات للطلبة، وفرض قيود على الرعي والزراعة، وهي أنشطة محورية في ثقافة البدول وهويتهم الاقتصادية والاجتماعية.
أفادت امرأة تبلغ من العمر 82 عامًا تعيش في أحد الكهوف: "لم نعد نروي أشجار الفاكهة، المحصول تلف، والآن نضطر لشراء ما كنا نزرعه".
كما قال أحد السكان إنهم يرسلون أبناءهم على ظهور الحمير لجلب المياه من جدول مائي ملوث بمخلفات المطاعم، مما تسبب لهم بأمراض متكررة.
ورغم أن السلطات أعادت المياه جزئيًا في نهاية حزيران/ يونيو، إلا أنها لا تتوفر سوى لأربع ساعات أسبوعيًا، وهو وقت لا يلبي الحد الأدنى من احتياجات الأسر.
وأشارت "هيومن رايتس ووتش" إلى أن السلطات وجهت اتهامات جنائية إلى ثلاثة رجال من المجتمع المحلي بسبب إقامتهم في الكهوف وممارسة أنشطة سياحية دون ترخيص، رغم دفع الغرامات وإغلاق القضية لاحقًا. وقد أعيدت ملاحقتهم قضائيًا لاحقًا، وعُقدت أولى الجلسات هذا الشعر.
ويُضاف إلى ذلك أن السلطات نقلت بعض العائلات إلى مجمع سكني معزول، يبعد أكثر من سبعة كيلومترات عن أقاربهم والأسواق، دون توفير وسائل نقل عامة أو خدمات كافية، وهو ما يعزلهم ويمنعهم من الوصول إلى الغذاء الطازج أو ممارسة الزراعة وتربية المواشي، مما يزيد من تدهور ظروفهم المعيشية.
وأكدت المنظمة أن هذه السياسات تهدد "الفضاء الثقافي للبدو"، الذي اعترفت به "اليونسكو" في 2008 كجزء من "التراث الثقافي غير المادي للبشرية"، وتشمل الرعي الموسمي، صناعة الخيام، والمعارف البيئية التقليدية.
واعتبرت "هيومن رايتس ووتش" أن على الأردن، كدولة طرف في "اتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي"، مسؤولية قانونية في حماية هذا الفضاء الثقافي، والامتناع عن أي سياسات تُضر به أو تفكك ارتباط السكان بهويتهم وأراضيهم.
وأشارت إلى أن نقل السكان دون موافقتهم الحرة والمسبقة والمستنيرة، ودون تعويض ملائم أو احترام للهياكل العائلية الكبيرة والمتعددة الأجيال، يمثل انتهاكًا واضحًا للمعايير الدولية، لا سيما "إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية".
ودعت "هيومن رايتس ووتش" السلطات الأردنية ووكالات الأمم المتحدة والجهات الدولية إلى الاعتراف الرسمي بالبدول كشعب أصلي، وإشراكهم في اتخاذ القرارات المتعلقة بمستقبل البتراء وضمان مشاركتهم الكاملة في إدارة الموقع الذي اعتبروه وطنهم لأكثر من قرنين.
يشار إلى أن السلطات الأردنية لم تصدر أي تعليق حول بيان هيومن رايتس ووتش حول مجتمع البدول.