كتاب عربي 21

هل فشلت خطة فصل الدروز عن وطنهم سوريا؟

صلاح الدين الجورشي
"أدرك وليد بيك ما يخطط له نتنياهو وفريقه، وقرر أن يسرع الخطى نحو قطع الطريق أمام الثعلب الماكر"- الرئاسة السورية
"أدرك وليد بيك ما يخطط له نتنياهو وفريقه، وقرر أن يسرع الخطى نحو قطع الطريق أمام الثعلب الماكر"- الرئاسة السورية
من اللقاءات التي انطبعت في ذاكرتي، وتوقفت عندها في مذكراتي "أقواس من حياتي" كانت مع وليد جنبلاط. حدث ذلك بعد الثورة التونسية، حيث استضافني ببيته في بيروت، وذلك بعد نجاح الثورة التونسية. كان يرغب يومها في معرفة ما الذي حدث، وإلى أين تسير الأوضاع، وفي المقابل كنت أريد سماع رأيه حول توقعاته لما قد يحدث في سوريا. واكتشفت في ذلك اللقاء ما يتمتع به الرجل من قدرة استشرافية لا يستهان بها.

وبما أن "وليد بيك" هو رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي إلى جانب كونه القائد السياسي للطائفة الدرزية، بحثت عن مواقفه وقراءته للأحداث الدامية والخطيرة التي عاشتها مدينة السويداء مؤخرا. ووجدته كما توقعت، بعيدا عن الانفعال، متمسكا بالثوابت التي تعلمها من والده، يحمل رؤية شاملة وبعيدة المدى. إذ بالرغم من دقة الظرف، وتداخل أطراف عديدة للدفع بالطائفة نحو مغامرات من شأنها التضحية بتاريخ الدروز وبمستقبلهم،
العمل على تحقيق قدر من التوافق السياسي ونسبة عالية من الهدوء، وهما شرطان يرفضهما الكيان، ويعمل باستمرار على تقويض أي خطوة تبذل من قبل دمشق من أجل تحقيق الاستقرار. لكن تدخل البدو بوزنهم القبلي في الأزمة غيّر المعطيات، وجعل مختلف الأطراف تعيد حساباتها من جديد
نصح جنبلاط العقلاء منهم بالتمسك بالخط الوطني العربي الذي لا بديل عنه، معتمدا في ذلك على تراث سلطان باشا الأطرش الذي له مكانة كبرى لدى الجميع بفضل مواقفه الوطنية، ورفضه المشروع الاستعماري الفرنسي الذي كان يهدف إلى توظيف الدروز من أجل تقسيم الشام، وإخضاع المنطقة.

أدرك وليد بيك ما يخطط له نتنياهو وفريقه، وقرر أن يسرع الخطى نحو قطع الطريق أمام الثعلب الماكر، فدعا إلى التمسك بوحدة سوريا، والتنديد بالعدوان الصهيوني على دمشق، ووأد الفتنة في المهد، وأصر على تمسك الدروز بالدولة. وذهب إلى حد المطالبة بضرورة الفرز داخل الطائفة الدرزية، ويقصد بذلك سحب البساط من حكمت الهجري ومن معه من الذين استعانوا بأكثر حكومة مجرمة في تاريخ الكيان، وشجعوا أنصارهم على رفع العلم الصهيوني في مدينة السويداء، والاستئساد بجيش العدو، وكانوا على استعداد لتنفيذ مخطط فصل السويداء وصولا إلى درعا، وربطها بالجولان المحتل.

ارتكبت سلطة دمشق أخطاء شديدة الخطورة سواء في حق الدروز أو في حق غيرهم من الأقليات، لكن في الآن نفسه لا يجوز التغاضي عن الوضع المعقد الذي تمر به سوريا حاليا. فالحكام الحاليون لم تفرزهم انتخابات ديمقراطية لأن الوضع الراهن لا يزال يفتقر لشروط تحقيق ذلك، والبلد يمر بمرحلة انتقالية شديدة الاضطراب، كما أنها لا يزال تحت نفوذ دول عديدة. وهو ما يقتضي العمل على تحقيق قدر من التوافق السياسي ونسبة عالية من الهدوء، وهما شرطان يرفضهما الكيان، ويعمل باستمرار على تقويض أي خطوة تبذل من قبل دمشق من أجل تحقيق الاستقرار. لكن تدخل البدو بوزنهم القبلي في الأزمة غيّر المعطيات، وجعل مختلف الأطراف تعيد حساباتها من جديد.

هناك من هم داخل سوريا، لكن خاصة من خارجها، من يحاولون تركيز هجومهم على الرئيس الشرع، ويحمّلونه جميع المصائب الحاصلة، مكتفين في الآن نفسه بدور المتفرج والشامت، ولا يكلفون أنفسهم القيام بتحليل الأسباب والخلفيات في بلد ضعيف ومدمر

هناك من هم داخل سوريا، لكن خاصة من خارجها، من يحاولون تركيز هجومهم على الرئيس الشرع، ويحمّلونه جميع المصائب الحاصلة، مكتفين في الآن نفسه بدور المتفرج والشامت، ولا يكلفون أنفسهم القيام بتحليل الأسباب والخلفيات في بلد ضعيف ومدمر، والذي لا يزال يعاني من آثار الحرب التي استمرت أربعة عشر عاما دون هوادة. ورغم ذلك نجحت السلطة الحالية إلى حد الآن في المحافظة على وحدة البلد، وأثبت الشرع أنه ليس "عميلا" مكلفا بتسليم بلده إلى إسرائيل كما اعتقد البعض، رغم محاولته تسوية عدد من الملفات العالقة مع هذا الكيان الذي يواصل ضرباته العسكرية ويزيد من شروطه غير المقبولة. إذ لم يعد خافيا على السوريين الدور الخبيث الذي تقوم به تل أبيب، وهو ما جعل شخصية محترمة مثل برهان غليون يحذر من مؤامرة إسرائيلية خطيرة ضد سوريا، داعيا مواطنيه إلى الحذر وعدم الوقوع في الفخ الذي وضع لهم من أجل تفجير وحدتهم الترابية.

المطلوب الآن هو التزام جميع الأطراف بالتقيد بالاتفاق الذي تم التوصل إليه، وهو اتفاق مهم وفي الآن نفسه هش، حيث تم تمكين الدروز من إدارة المحافظة بأنفسهم، وتعهدوا في المقابل بالتعاون مع الدولة ومؤسساتها. وهو اتفاق إذا استمر من شأنه حقن الدماء، وإجهاض المخطط الانفصالي. وبذلك تغلب العقل على الهيجان العاطفي، وانتصر الوطن على الطائفية الضيقة.

فالانتماء العربي للدروز عميق وأصيل، وهم معروفون بتحكيم العقل ومصلحة الوطن، والتشكيك في ولائهم ومعتقداتهم يعتبر من الحملات التي سيكون لها أضرار جسيمة مستقبلا على وحدة السوريين. وما ينطبق على الدروز يشمل ايضا بقية الطوائف، وذلك في حال تواصلت الحملات المغرضة ضد بعضهم البعض، ولم يقع تصحيح المسارات، وتطبيع العلاقة بين أفرادها ورموزها، وتجاوز الجراح المؤلمة جدا. وفي جميع الحالات على السوريين أن يدركوا بأن العدو الصهيوني يتربص بهم في كل لحظة وحين.
التعليقات (0)