ملفات وتقارير

ما هي أزمة "الفروغ التجاري" في سوريا التي فجّرت جدلا واسعا؟

الويس التقى ممثلي تجار دمشق وناقش معهم أزمة "الفروغ التجاري"- سانا
الويس التقى ممثلي تجار دمشق وناقش معهم أزمة "الفروغ التجاري"- سانا
تصاعدت احتجاجات التجار في العاصمة السورية دمشق، وحلب، على نية الحكومة إلغاء قانون "الفروغ التجاري"، ما سلّط الضوء على واحدة من أعقد الملفات الشائكة المتعلقة بالوضع الاقصادي في البلد الذي يتعافى من آثار الحرب، والعقوبات التي فُرضت عليه إبان حقبة الرئيس المخلوع بشار الأسد.

وفي نفي لما نشرته وسائل إعلام من قرار صادر عن وزير العدل مظهر الويس بإلغاء "قانون الفروغ التجاري"، باعتباره "فاسدا" من زمن النظام المخلوع، التقى الويس بممثلين عن تجار دمشق، وناقش معهم القضية، مؤكدا عدم صدور أي قرار بعد.

وقال الويس إنه شكّل لجنة لدراسة "الفروغ التجاري" بشكله الحالي، وآثاره على الاقتصاد السوري، مشيراً إلى أنّ الهدف هو تحقيق العدالة وحماية حقوق الجميع.


ما هو الفروغ التجاري؟

نظام "الفروغ التجاري" في سوريا هو ترتيب قانوني يمنح المستأجر حق الانتفاع بالمحل التجاري مقابل دفع مبلغ كبير لصاحب العقار الأصلي، والذي يُعرف بمالك الرقبة.

في هذا النظام، يحتفظ مالك العقار بملكية المحل، بينما يملك المستأجر – مالك الفروغ – الاسم التجاري والعلامة التجارية وحقوق الزبائن. 

يرجع أصل نظام الفروغ التجاري في سوريا إلى المرسوم التشريعي رقم 111 لعام 1952، الذي جاء لحماية المستأجرين في مرحلة ما بعد الاستقلال، ضمن ظروف اقتصادية صعبة.

وأقرّ هذا المرسوم مبدأ "التمديد الحكمي" لعقود الإيجار (تجديد تلقائي)، مانحاً المستأجرين حق البقاء في المحال التجارية حتى في حال انتهاء العقد، إلا لأسباب ضيقة حددها القانون، مثل الحاجة الشخصية للمالك أو قرار قضائي بهدم العقار.

هذا الوضع القانوني خلق عرفاً اقتصادياً يتمثل في دفع المستأجر الجديد مبلغاً كبيراً يُعرف بـ"بدل الفروغ"، إما لمالك  الرقبة، أو للمستأجر السابق، مقابل "حق الانتفاع" بالمحل التجاري.

استثمارات ضخمة
ومع مرور الزمن، تحولت هذه الحقوق إلى استثمارات ضخمة، حيث بلغت قيمتها أحياناً 80-90 بالمئة من سعر العقار نفسه.

في عهد نظام الأسد الأب، ثم الابن، تعززت هذه الممارسة بفعل القوانين الناظمة للإيجار، مثل القانون رقم 6 لعام 2001 والقانون رقم 10 لعام 2006، التي أبقت على التمديد الحكمي، وخفضت من سلطة المالك، ما جعل من الفروغ ممارسة معترف بها قانوناً وعرفاً.

وقد ساد هذا النظام بشكل خاص في مراكز المدن الكبرى مثل دمشق وحلب واللاذقية، وأصبح يمثل شبكة مصالح اقتصادية وتجارية معقدة، وهو ما ربطه السوريون بالفساد.

اظهار أخبار متعلقة


التوجه للإلغاء
مطلع الشهر الحالي، أعلنت الحكومة نيتها إلغاء القانون قبل التراجع الجزئي عبر تصريحات الويس، إلا أن الحكومة أكدت أن "الفروع التجاري" مرتبط بشكل كبير بـ"الفساد العقاري" الذي تعاني منه سوريا.

ومن شأن لجنة دراسة عقود الإيجار ذات "التمديد الحكمي" التي شكلها الويس، أن تلغي الكثير من عقود "الفروغ التجاري"، وهو ما دفع تجار للاحتجاج على نطاق واسع.

ويقول مالكو عقارات إن بعض عقود الإيجار لا تتجاوز بدلاتها السنوية 10 آلاف ليرة سورية (أقل من دولار واحد)، وهو ما ما يجعل المالكين يرون أن الأمر أقرب إلى "اغتصاب قانوني لعقاراتهم"، فيما يرد المستأجرون بأنهم دفعوا مبالغ ضخمة للحصول على تلك العقارات بموجب الفروغ.

وقال بعض التجار إن ثمن "الفروغ" الذي دفعوه قبل سنوات وصل في بعض الأحيان إلى مليون دولار، وهو ما يعني أن قرار إبطال عقود الإيجار الحالية أن يلحق ضررا كبيرا بهم.

في حين يعتبر مالكو العقارات، أن نظام "الفروغ" بشكله الحالي، يحرمهم من حقوقهم ويمنعهم من التصرف بعقاراتهم بحرية، خصوصاً أن بدلات الإيجار الحالية ما تزال رمزية ولا تتناسب مع القيمة السوقية، بفعل تجميد الأسعار منذ عقود.

وضع صعب
تتداخل أزمة الفروغ التجاري مع أزمة اقتصادية أوسع تشهدها سوريا التي تحاول التعافي من حقبة آل الأسد، وسنوات الحرب الـ14، التي خلفت إرثا مأساويا على صعيد البنية التحتية، والوضع المعيشي.

وارتفعت معدلات التضخم خلال السنوات الماضية بشكل غير مسبوق، مع تدهور قيمة الليرة، وهو ما زاد من معدلات الفقر، وحدّ من القوة الشرائية للمواطنين.

ووفقا لإحصائيات رسمية، انكمش الناتج المحلي الإجمالي لسوريا بنحو 53 بالمئة بين عامي 2010 و2022، فيما انخفض سعر صرف الليرة من حوالي 50 ليرة للدولار في عام 2010 إلى أكثر من 14,800 بحلول نهاية عام 2024، ما أدى إلى تضخم هائل في الأسعار.

وتشهد الأسواق السورية معدلات تضخم مرتفعة، حيث وصل التضخم إلى نحو 93 بالمئة خلال عام 2023.

وعلى الرغم من هذه الصعوبات، تلعب التحويلات المالية من السوريين المغتربين دورًا حيويًا في دعم الاقتصاد المنهك، إذ بلغت هذه التحويلات حوالي 8 مليارات دولار خلال عام 2023، ما ساهم في توفير مصادر دخل للكثير من الأسر، ومهد طريقًا لاستمرار بعض النشاطات الاقتصادية رغم كل العقبات.

وتأمل الحكومة السورية بتسريع عملية التعافي الاقتصادي، وجذب الاستثمارات الخارجية، وذلك بعد رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على البلاد، ونسج القيادة الجديدة علاقات متينة مع دول الجوار مثل السعودية، تركيا، قطر، والإمارات، حيث تعول عليها في إعادة إعمار البلاد بشكل كبير.
التعليقات (0)