نشر موقع "
كاونتر بانش" الأمريكي تقريرا تحليليا شديد اللهجة، سلط فيه الضوء على
الإبادة الجماعية والمجاعة الممنهجة التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع
غزة، بدعم مباشر من الإدارتين الأمريكيتين السابقتين٬ إدارة جو بايدن سابقا، وإدارة دونالد ترامب الحالية، وهو ما يؤكد، بحسب التقرير، استمرارية النهج الأمريكي في تقديم دعم غير مشروط لتل أبيب، رغم الانتهاكات الصارخة للقانون الدولي.
وذهب التقرير إلى القول إن ما يحدث في غزة لا يمكن تبريره أخلاقيا أو إنسانيا، معتبراً أن "غطرسة إسرائيل الاستعمارية والإمبريالية بلغت ذروة لا يمكن التغاضي عنها"، وسط صمت دولي مطبق، وتبعية أمريكية مطلقة لـ"النزعات الأكثر تطرفا" في حكومة بنيامين نتنياهو.
فشل أخلاقي بأموال دافعي الضرائب
واعتبر التقرير أن بناء "
الرصيف العائم" قبالة شواطئ غزة – والذي أنشأته الولايات المتحدة لتقديم المساعدات – كان بمثابة فشل أخلاقي قبل أن يكون هندسيا.
فالرصيف الذي كلف 320 مليون دولار واستغرق شهورا من التخطيط، "صُمم وكأن غزة تواجه كارثة طبيعية، لا حملة إبادة جماعية متعمدة"، وفق تعبير التقرير.
وأوضح الموقع أن المشروع كان أشبه بـ"عرض مسرحي مخادع"، وفر للاحتلال الإسرائيلي متنفسا دبلوماسيا، في حين رسخ الحصار، ولم يقدم فعليا أي دعم ملموس للمدنيين الفلسطينيين، بل انتهى به المطاف غارقا في البحر، في مشهد وصفه التقرير بـ"رمزية إخفاق السياسة الأمريكية".
مؤسسة غزة الإنسانية.. "خديعة قاتلة"
كما اعتبر التقرير أن "مؤسسة غزة الإنسانية" لم تكن سوى خدعة إسرائيلية جديدة لتضليل المجتمع الدولي، تهدف إلى تخفيف الضغط العالمي وليس إنهاء المجاعة.
وأشار إلى أن نحو 900 فلسطيني قتلوا أثناء محاولتهم الوصول إلى المساعدات التي تسيطر عليها المؤسسة، بحسب تقارير الأمم المتحدة، فيما تُطلق قوات الاحتلال الرصاص على المدنيين عند مراكز التوزيع.
وبدلا من أن تكون المؤسسة طوق نجاة، تحولت بحسب التقرير إلى أداة لـ"ضبط التجويع"، حيث تحكم الاحتلال الإسرائيلي في تدفق الغذاء والماء والأدوية، وجيّرت المساعدات لتكون وسيلة لفرض "الإبادة البطيئة" وتحقيق التطهير العرقي.
"المدينة الإنسانية".. معسكر اعتقال باسم جديد
وتناول التقرير ما سماه "الابتكار الأورويلي" الجديد الذي طرحه الاحتلال الإسرائيلي تحت مسمى "المدينة الإنسانية"، وهي منطقة مسورة في جنوب القطاع تضم نحو 600 ألف فلسطيني تم تهجيرهم قسرا من شمال غزة.
ووصف التقرير هذه المدينة بأنها "معسكر اعتقال بحلّة لغوية ناعمة"، إذ يُسمح للنازحين بدخولها دون السماح لهم بالمغادرة، في مشهد يذكر بمعسكرات النازي خلال الحرب العالمية الثانية، بحسب تعبير الموقع.
وأكد أن الاحتلال الإسرائيلي يوظف اللغة كسلاح استراتيجي؛ فهو لا يجَوع المدنيين بل "تفرض قيودا على السعرات الحرارية"، ولا يهجر السكان بل "يوفر لهم الهجرة الطوعية"، ولا يقيم معسكرات بل "مدنا إنسانية".
اظهار أخبار متعلقة
إدارة بايدن وتمويل الحصار
وانتقد التقرير بشدة إدارة بايدن، التي قال إنها دعمت "مشروع الرصيف العبثي" ومؤسسة غزة، وشاركت بشكل مباشر في الحصار من خلال تمويل هذه المشروعات، واستخدام "العروض الإعلامية" مثل الإنزال الجوي، التي لا تسهم إلا في ترسيخ الكارثة، بدلا من الضغط الحقيقي على الاحتلال الإسرائيلي لفتح المعابر البرية وإدخال المساعدات.
وأشار التقرير إلى أن الأونروا أكدت امتلاكها مخزونا غذائيا يكفي لإطعام جميع سكان القطاع لمدة ثلاثة أشهر، لكن الاحتلال الإسرائيلي يمنع وصولها، ما أدى إلى وفاة 57 فلسطينيا على الأقل بسبب الجوع، وهو رقم مرشح للارتفاع في ظل استمرار الحصار ومنع المساعدات.
تواطؤ دولي وصمت عربي
كما هاجم التقرير أيضا المواقف الدولية، واصفا إياها بـ"الهزيلة" و"الرمزية الفارغة". فبينما تتحدث فرنسا عن احتمال الاعتراف بدولة فلسطينية، يكتفي الاتحاد الأوروبي بـ"تحذيرات باهتة"، أما بريطانيا فتواصل تقديم "النصائح" لإسرائيل حول "كيفية شن الحرب بشكل إنساني"، في وقت ترتكب فيه مجازر جماعية بحق المدنيين.
وعلى الصعيد العربي، رأى التقرير أن دولا عربية متواطئة مع الاحتلال و"تعمل كحواجز جغرافية وعسكرية تحمي إسرائيل"، على حد وصفه.
إعادة إنتاج النازية
وختم الموقع تقريره بالتحذير من "البلادة الأخلاقية" التي تحيط بالعدوان على غزة، مشيرا إلى أن ما يجري ليس مجرد استنساخ لآليات الإبادة، بل تكرار للظروف الذهنية والبيئة السياسية التي سمحت بوقوع الفظائع الكبرى في التاريخ.
وقال: "الصمت المطبق لا يمكن تبريره، إنه تواطؤ مع جريمة كبرى تُرتكب على مرأى من العالم. وإذا كان التاريخ قد سجّل أسماء من صمتوا على فظائع القرن الماضي، فإنه سيسجّل أيضًا خنوع هذا العصر أمام مجازر غزة".