الصحفيون
يكتبون المسودة الأولى للتاريخ، هكذا قال فيليب غراهام، ناشر صحيفة واشنطن بوست
وخلّدت مقولته الأيام والدراسات الصحفية والإعلامية. وجرى العرف أن ينتقل الصحفيون
الأجانب إلى مواقع الأحداث الساخنة يدونون مشاهداتهم عما يجري في الحروب والكوارث
وغيرها من الأحداث، لكن قطاع
غزة يشهد استثناء مقززا عن هذه القاعدة.
منذ
نحو عامين منعت السلطات
الإسرائيلية الصحفيين الأجانب من الوجود في قطاع غزة
لتغطية ما يجري. في الحروب الإسرائيلية السابقة على قطاع غزة، كان الوجود الصحفي
الأجنبي في القطاع يستلزم تصريحا من القوات الإسرائيلية، وأحيانا يكون وجودهم
محصورا في بعض المناطق، لكن أضعف الإيمان حينئذ أن الصحفيين الأجانب كانوا يلتقون
بأهل غزة ويدونون المعاناة اليومية التي يمرون بها.
إدانة واضحة ومتراكمة لسلوك الاحتلال؛ من قبل منظمات وهيئات وجمعيات ووسائل إعلام لم يعرف عنها أي انحياز للفلسطينيين أو معاداة لإسرائيل، وتضاف إلى سجل الجرائم الإسرائيلية بحق الصحافة والصحفيين
ورغم
أن هناك كثيرا من الملاحظات على أداء الصحافة الأجنبية عموما تجاه القضية
الفلسطينية وتجاه العدوان المستمر والحروب المتوالية على قطاع غزة، لكن كان صوت
الصحافة الأجنبية مهما لنقل رواية سياسة تحريرية أخرى لما يجري. وحتى وإن كانت هذه
السياسية متحيزة، فإنها قد تتجاهل كثيرا من زوايا الحديث ولا تستطيع أن تغمض العين
عن كافة أشكال القتل الممنهج الذي يجري، فكانت تتوالى القصص عن أهالي غزة
ومعاناتهم في مختلف الصحف ووسائل الإعلام الدولية.
الوضع
الحالي وصل للقضاء الإسرائيلي، إذ رفضت المحكمة العليا
الإسرائيلية مطلع العام الماضي 2024 طلبا لعدد من الصحفيين الأجانب للدخول إلى
قطاع غزة لتغطية الحرب. وعللت القرار بأن الأوضاع الأمنية هناك لا تسمح لهم
بالدخول، الأهم أنها اعتبرت أن دخول هؤلاء الصحفيين بشكل مستقل قد يشكل خطرا على
الجنود الإسرائيليين المقاتلين في غزة ما يؤدي للكشف عن مسار العمليات العسكرية،
ويعرض الجنود لخطر حقيقي. وفي العرف القانوني والعسكري أن هذه الظروف قد تكون
موسمية أو وقتية، ولكن ليس بشكل دائم مستمر لما يقرب من عامين الآن وإلا لكنا أمام
تعتيم حقيقي عما يجري في غزة.
خلال
العامين الماضيين منذ اندلاع عملية طوفان الأقصى وما فتئت المنظمات الصحفية حول
العالم تندد بالقرار الإسرائيلي وتطلق البيانات والدعوات المرة تلو الأخرى لتمكيين
الصحفيين الأجانب من دخول قطاع غزة. وهذه البيانات ليست حبرا على ورق كما يبدو
للوهلة الأولى، فهي إدانة واضحة ومتراكمة لسلوك الاحتلال؛ من قبل منظمات وهيئات
وجمعيات ووسائل إعلام لم يعرف عنها أي انحياز للفلسطينيين أو معاداة لإسرائيل،
وتضاف إلى سجل الجرائم الإسرائيلية بحق الصحافة والصحفيين.
الاعتماد الآن هو على الرواية الصحفية الفلسطينية الداخلية وحدها التي لا ينبغي التشكيك فيها لا حاليا ولا مستقبلا، لأنها أثبتت كفاءة ومهنية وتضحية غير مسبوقة
الصحافة
الإسرائيلية ذاتها انتقدت هذا القرار، وعنونت صحفية هآرتس افتتاحيتها منتصف العام
الماضي: "لماذا تخاف إسرائيل من دخول الصحفيين الأجانب إلى غزة؟". وفندت
الافتتاحية المزاعم الإسرائيلية لحرمان الصحفيين الأجانب من الدخول إلى غزة وتغطية
الحرب، وهو ما يعني أن هذا القرار سياسي بالدرجة الأولى.
لم
يألُ صحفيو غزة جهدا في توثيق ما يجري من معاناة وجرائم بالكاميرا والقلم والصوت
والصورة، وقدموا أرواحهم فداء لهذه المهمة السامية النبيلة، بل وقع عليهم عبء
مضاعف لأن مهمة التغطية التي من المفترض أنها تتوزع على صحفيين أجانب ومحليين
يقومون بها بأنفسهم بشكل كامل، وهو الأمر الذي أنهكهم كما يبدو من ملامحهم وطريقة
تغطيتهم للأحداث.
لقد
حرمت السلطات الإسرائيلية العالم من رواية صحفية أخرى لما يجري، وهذا الحرمان لا
يضر فقط أسلوب تغطية الصحافة الأجنبية لحرب غزة، بل ينزع حجة القائلين بعدم فهم ما
يجري. فالاعتماد الآن هو على الرواية الصحفية الفلسطينية الداخلية وحدها التي لا
ينبغي التشكيك فيها لا حاليا ولا مستقبلا، لأنها أثبتت كفاءة ومهنية وتضحية غير
مسبوقة.
x.com/HanyBeshr