سياسة دولية

الغارديان تصف البابا فرانسيس بـ"الغريب الإصلاحي" وبأنه "حليف التقدميين"

توفي البابا عن عمر ناهز الـ88 عاما بعد مروره بأزمة صحية حادة- جيتي
توفي البابا عن عمر ناهز الـ88 عاما بعد مروره بأزمة صحية حادة- جيتي
في رسالته الأخيرة الأحد الماضي بمناسبة عيد الفصح المجيد، لم يَغْفُل البابا الراحل فرنسيس عن ذكر قطاع غزة والإبادة الإسرائيلية التي يتعرض لها بدعم أمريكي، قائلا: "أدعو الأطراف المتحاربة إلى وقف إطلاق النار، وإطلاق سراح الأسرى، وتقديم المساعدات للشعب الجائع الذي يتطلع إلى مستقبل سلام". 

وأضاف البابا حينها: "أمام قسوة الصراعات التي تشمل المدنيين العزّل، وتهاجم المدارس والمستشفيات والعاملين في المجال الإنساني، لا يمكننا أن نسمح لأنفسنا بأن ننسى أن الأهداف التي يتم استهدافها ليست أهدافاً، بل هي أشخاص لهم روح وكرامة".

وجاء في تقرير لصحيفة "الغارديان" أن كلمة البابا الأخيرة "جسّدت رحلته التي استمرت 12 عاماً على رأس الكنيسة الكاثوليكية. وكان البابا خارج المؤسسة عندما اختارته لجنة الكرادلة في خلوة مغلقة، وأطلقت الدخان الأبيض عام 2013، لكنه لم ينسَ جذوره التقدمية ونشأته في الأرجنتين".

اظهار أخبار متعلقة


وأضاف التقرير: "أعلن الكاردينال كيفن فاريل، أمين سر الفاتيكان، أنه: في تمام الساعة الـ7:35 من صباح اليوم، عاد أسقف روما، فرنسيس، إلى بيت الأب، بعد أن كرّس حياته كلها لخدمة الرب وكنيسته".

وعانى البابا فرنسيس، الذي توفي عن عمر ناهز الـ88 عاماً، في الأسابيع الماضية من أزمة صحية حادة كادت تودي بحياته؛ إذ إنه أُدخل إلى مستشفى جيميلي في 14 شباط/ فبراير بسبب التهاب رئوي مزدوج، وكان قد أُزيل جزء من إحدى رئتيه في شبابه. 

وأمضى 38 يوماً في المستشفى، وهي أطول فترة إقامة له فيه خلال بابويته. وغادر المستشفى في 23 آذار/ مارس، وظهر علناً آخر مرة يوم الأحد، حيث ألقى كلمة موجزة أمام الحشود المتجمعة في ساحة القديس بطرس لحضور قداس عيد الفصح.

ولم يتخلّ البابا، بعد خروجه من المستشفى، عن مهامه، حيث غادر مقر إقامته في كاسا سانتا مارتا عدة مرات، وزار سجناء في سجن ريجينا كويلي في روما يوم الخميس، كما أنه قام بزيارة مفاجئة إلى كاتدرائية القديس بطرس مرتدياً زياً عادياً قبل أسبوع.

وكان قد بَسّط في العام الماضي طقوس الجنازات البابوية. وقال سابقاً إنه أعدّ قبره في كاتدرائية سانتا ماريا ماجوري في حي إسكويلينو في روما، حيث اعتاد الصلاة قبل وبعد رحلاته الخارجية.

وعادة ما يُدفن البابوات وسط ضجة كبيرة في الكهوف أسفل كاتدرائية القديس بطرس في مدينة الفاتيكان. ووسط الحزن الذي سيعم الكنيسة الكاثوليكية وأتباعها حول العالم، ستجتمع مؤسسة الفاتيكان للتشاور واختيار خليفته الـ268، حيث سيتدفق الكرادلة من أنحاء العالم لحضور خلوة سرية ومعقدة تعقد في دير سيستين، ويشارك فيها 138 من المؤهلين للتصويت.

وأشار تقرير الصحيفة إلى أن بعض المرشحين الذين تم تداول أسمائهم قبل وفاته هم ماتيو زوبي، الأسقف الإيطالي التقدمي، وبييترو بارولين، وزير خارجية الفاتيكان، والأسقف الفلبيني لويس أنطونيو تاغلي.

وتوقع التقرير أن تؤدي وفاة البابا إلى زيادة التوتر داخل الكنيسة، حيث سيحاول المحافظون استعادة السيطرة من الإصلاحيين. 

وخلال بابويته، كان فرنسيس – أول بابا يسوعي على الإطلاق – من أشد المدافعين عن الفقراء والمحرومين والمشردين، وناقداً لاذعاً لجشع الشركات وعدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية.

وانتقد في الفاتيكان الإسراف والامتيازات، داعياً قادة الكنيسة إلى التحلي بالتواضع. وقد أثارت آراؤه استياء عدد كبير من الكرادلة ومسؤولي الفاتيكان النافذين، الذين حاولوا في كثير من الأحيان إحباط جهوده لإصلاح المؤسسات العتيقة للكنيسة. لكن تعاطفه وإنسانيته أكسباه مكانة مرموقة لدى الملايين حول العالم.

انتُخب فرنسيس، المولود باسم خورخي ماريو بيرغوليو في بوينس آيرس، الأرجنتين، عام 1936، بابا للكنيسة الكاثوليكية في آذار/ مارس 2013. وأظهر على الفور أسلوبه المتواضع باستقلاله الحافلة بدلاً من السيارة البابوية إلى فندقه، حيث دفع فاتورته بنفسه قبل أن ينتقل إلى دار الضيافة في الفاتيكان، متجنباً الشقق البابوية الفخمة.

وفي أول ظهور إعلامي له، أعرب عن رغبته في "كنيسة فقيرة وكنيسة للفقراء". وركّز اهتمامه البابوي على الفقر وعدم المساواة، واصفاً الرأسمالية الجامحة بـ"روث الشيطان".

 وبعد عامين من توليه البابوية، أصدر رسالة بابوية من 180 صفحة حول البيئة، مطالباً أغنى دول العالم بسداد "ديونها الاجتماعية الباهظة" للفقراء. وأعلن أن تغير المناخ هو "أحد التحديات الرئيسية التي تواجه البشرية في عصرنا". كما دعا للتعاطف والرحمة، وطالب بإظهار الكرم تجاه اللاجئين، مشدداً على عدم استخدامهم "كبيادق على رقعة شطرنج الإنسانية".

اظهار أخبار متعلقة


وبعد زيارته لجزيرة ليسبوس اليونانية، فإنه عرض على 12 سورياً اللجوء في الفاتيكان. كما أنه سلط الضوء على السجناء وضحايا العبودية الحديثة والاتجار بالبشر في نداءاته المتكررة للرحمة والعمل الاجتماعي.

وخلال فترة وجوده الأخيرة في المستشفى، واصل اتصالاته الهاتفية بكنيسة العائلة المقدسة في غزة، وهو إجراء روتيني ليلي منذ 9 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

وكانت أكبر مشكلة واجهت البابا هي الانتهاكات الجنسية داخل الكنيسة الكاثوليكية، حيث كان عليه مواجهة فضيحة تلو الأخرى، واتُّهِم من قبل الناجين وعائلات الضحايا بأنه فشل في فهم حجم الأزمة والانتهاكات، والحاجة الماسّة لاقتلاع جذورها ومنع التستر عليها. 

وفي عام 2019، استدعى البابا فرنسيس أساقفة من جميع أنحاء العالم إلى روما لمناقشة الأزمة، وأصدر لاحقاً مرسوماً يُلزم الكهنة والراهبات بالإبلاغ عن الاعتداءات الجنسية لسلطات الكنيسة، وضمان حماية المبلّغين عنها.

وكانت هذه خطوة مهمة نحو الاعتراف بمسؤولية الكنيسة عن تلك الفضائح، وتجاوزت الإجراءات التي اتخذها أسلافه.

واتبع البابا فرنسيس في مساره خطى مثاله البابا يوحنا الثالث والعشرين، الذي قال عشية افتتاح مجلس الفاتيكان الثاني عام 1962 إنه يريد "فتح نافذة لدخول بعض الهواء النقي".

وفي توبيخ لا يُنسى للخدمة المدنية في الفاتيكان، انتقد أول بابا غير أوروبي في العصر الحديث "مرض السلطة"، وهاجم بشدة من وصفهم بـ"المطلعين الذين يشعرون بأنهم أسياد القصر وأنهم متفوقون على الجميع وكل شيء".

وقال إن الكنيسة الكاثوليكية الرومانية بحاجة إلى "الخروج من ذاتها والتوجه إلى الأطراف"، لتصبح "كنيسة الفقراء للفقراء" و"مستشفىً ميدانياً للمؤمنين".

وعلى مدى العقد التالي، سيطرت مواضيع الفقر والتواضع والتضامن مع الفقراء والبيئة الطبيعية، وهي مواضيع فرنسيسكانية تقليدية، على أسلوب وجوهر البابوية الجديدة.

وكان قراره العيش المتقشف في دار ضيافة دينية داخل مدينة الفاتيكان، بدلاً من القصر البابوي، متناقضاً بوضوح مع نمط حياة سلفه البابا بنديكت السادس عشر، المحب للفخامة الاحتفالية. وكان فرنسيس يرتدي ثوباً أبيض بسيطاً وحذاءً أسود، ويقود سيارة فورد فوكس زرقاء بدلاً من الليموزين البابوي، وهو ما أرسل رسالة واضحة مفادها أن "الكنيسة الفقيرة" هي الأصل.

ثم بدأ بإصلاح الهياكل المالية التي لم تكن منظمة يوماً. وطلب من بنك الفاتيكان الامتثال لقواعد مجلس أوروبا لمكافحة غسل الأموال، وتم تعيين مراجع حسابات مستقل.

اظهار أخبار متعلقة


وبدت هذه التحركات مثيرة ومُرحَّبا بها لدى التقدميين، لدرجة أن بعض الليبراليين الغربيين اعتبروا البابا فرنسيس واحداً منهم، فاختارته مجلة "تايم" شخصية العام، وأشاد به موقع "غاوكر" للمشاهير واصفاً إياه بـ"بابانا الجديد الرائع"، ونُشرت أعمال فنية تصور البابا كسوبرمان في شوارع روما.

لكن هذا الحب لم يدم طويلاً، إذ قال البابا للصحافيين: "من أنا حتى أحكم على المثليين؟". وباعتباره ابن مهاجر إيطالي إلى الأرجنتين، فإنه استثمر كثيراً في الدفاع عن الهجرة والمهاجرين.

 وبعد توليه البابوية، زار جزيرة لامبيدوسا الإيطالية، وشجب لامبالاة أوروبا بالقوارب الغارقة في البحر المتوسط. كما أنه زار في عام 2017 معسكرات الروهينغيا المسلمين في بنغلاديش، الذين تعرضوا لمذابح على يد الجيش البورمي.

وفي عصر استخدم فيه سياسيون مثل دونالد ترامب وجورجيا ميلوني وفيكتور أوربان الهوية المسيحية كسلاح، فقد شكّلت مواقف البابا فرنسيس تصحيحاً وشهادة حاسمة. وقد تُوِّج ذلك بجهوده في تحسين الحوار بين الأديان، والتي تجسدت في لقائه المميز مع المرجع العراقي آية الله علي السيستاني، خلال زيارة بابوية تاريخية للعراق، إحدى الدول التي زارها، إلى جانب الإمارات العربية المتحدة والمغرب ومصر والأراضي المقدسة.
التعليقات (0)

خبر عاجل