مع طرح
الاحتلال شرط نزع
سلاح المقاومة من
غزة،
لمجرد الموافقة على خوض مفاوضات لوقف العدوان على القطاع، وفقا لورقة المقترح التي
نقلها الجانب المصري لحركة حماس، تعود نماذج تاريخية، لشعوب وافقت على تسليم
سلاحها في لحظات فارقة بوعود وضمانات كتابية بحمايتها لكن النتيجة كانت مأساوية.
ويعود مثال منظمة التحرير، التي وافقت على
تسليم أسلحتها الثقيلة، بعد حصار بيروت، في ثمانينيات القرن الماضي، مقابل ضمان
الخروج الآمن من لبنان، على متن سفن بعيدا عن حدود فلسطين المحتلة، لترتكب بعد
أيام قليلة مجزرة صبرا وشاتيلا، إلى الأذهان في الذاكرة الفلسطينية، باعتبار سلاح
المقاومة خطا أحمر، خاصة مع عدو غادر لا يلتزم باتفاقيات وعهود.
وبالعودة إلى نماذج خلال العقود الماضية،
وقعت كل من أوكرانيا ومسلمو البوسنة في سربرنيتشا، في فخ نزع السلاح مقابل ضمانات
دولية، لكن النتيجة كانت مأساوية وكلفتها كبيرة للغاية، مقابل نموذج طالبان في
أفغانستان، والتي رفضت كافة الإغراءات، حتى في ظل مرحلة ضعف، وكانت النتيجة
لصالحها في لحظة فارقة.
ونستعرض في التقرير التالي تلك النماذج:
ترسانة أوكرانيا النووية.. فخ التفكيك:
عقب تفكك الاتحاد
السوفييتي عام 1991، ورثت أوكرانيا ترسانة نووية ضخمة تضمنت نحو 1700 رأس نووي
استراتيجي وآلاف الأسلحة النووية التكتيكية، إضافة إلى صواريخ عابرة للقارات
وقاذفات استراتيجية.
وعلى الرغم من تمركز
هذه الأسلحة داخل الأراضي الأوكرانية، فإن السيطرة الفعلية عليها بقيت بيد روسيا،
بفضل نظم التشفير وإجراءات الإطلاق.
وتعرضت أوكرانيا،
لضغوطات دولية مكثفة، عقب استقلالها، من قبل الولايات المتحدة وروسيا ودول أخرى
للتخلي عن السلاح النووي والانضمام إلى معاهدة عدم الانتشار كدولة غير نووية،
وأغريت بأن ذلك خطوة نحو تعزيز الأمن العالمي.
ففي عام 1994، وقعت
أوكرانيا على "مذكرة بودابست" مع الولايات المتحدة وروسيا والمملكة
المتحدة، حيث تعهدت بتسليم كامل ترسانتها النووية إلى روسيا، مقابل التزام الأطراف
الموقعة باحترام سيادتها ووحدة أراضيها، وعدم استخدام القوة أو التهديد بها ضدها.
بحلول عام 1996، كانت
أوكرانيا قد أنجزت نقل جميع الرؤوس النووية الاستراتيجية إلى روسيا، وتم تدمير
منصات الإطلاق، بمساعدة تمويل أمريكي عبر برنامج نزع السلاح، ونالت أوكرانيا إشادة
دولية مقابل خطوتها، لكنها دفعت الثمن خلال السنوات اللاحقة.
اظهار أخبار متعلقة
ووقعت أوكرانيا ضحية
الاضطرابات السياسية، على مدار السنوات الماضية، بسبب التدخلات الخارجية من أوروبا
وروسيا، ودخلت البلاد في حالة فوضى، وجرت الإطاحة برئيس البلاد الموالي لموسكو،
على وقع تظاهرات تطالب بالانضمام للاتحاد الأوروبي، لتقوم روسيا عام 2014، بإنزال
عسكري مفاجئ على شبه جزيرة القرم، والسيطرة عليها بالكامل، وإجراء استفتاء لسكانها
بالانضمام إلى روسيا.
ولم تقف حالة الضعف
الأوكراني عند هذا الحد، بل قامت مناطق شرق البلاد من العرق الروسي، بإعلان
الانفصال عن كييف، وخوض معارك طاحنة على مدى سنوات، وتشكيل جمهوريات مستقلة تحالفت
مع موسكو، انتهت بهجوم عسكري مفاجئ لروسيا، على أوكرانيا عام 2022، استمر حتى الآن
وألحق دمارا واسعا في البلاد، وبعد دعم أمريكي مطلق في زمن جو بايدن، تواجه كييف
تنصلا من إدارة دونالد ترامب ومحاولة للخروج من الحرب.
البوسنة.. نزع السلاح قاد
للمذبحة:
في ظل حرب البوسنة
والهرسك، أعلنت الأمم المتحدة مدينة سربرنيتسا "منطقة آمنة" عام 1993،
بشرط نزع سلاح القوات البوسنية منها، والذي تضمن أسلحة ثقيلة، مع وعد بالحماية من
قبل القوات الدولية.
ولجأت القوات البوسنية، في ظل الوعود
الأممية، بتقديم الحماية للمدنيين، ومنع صرب البوسنة، من التحرك تجاههم وفك الحصار
عنهم، إلى تسليم أسلحتهم، وأشرفت القوات الدولية على نزع السلاح من سربرنيتسا،
وتحويلها إلى منطقة هادئة وآمنة وخالية من القتال.
لكن في المقابل لم يتضمن الاتفاق، نزع سلاح
صرب البوسنة، بل اكتفى بالطلب منهم فك الحصار عن المنطقة، والاحتفاظ بالسلاح
الثقيل والعتاد خارج المدينة.
وبحلول عام 1995، ومع تجريد البوسنيين من
قدراتهم على الدفاع عن أنفسهم، ولعب القوات الأممية دور المتفرج، اقتحمت قوات صرب
البوسنة المدينة، وارتكبت مجازر مروعة، سقط فيها قرابة 10 آلاف بوسني مسلم، فضلا
عن أعمال الاغتصاب الجماعي، والإخفاء القسري، والمقابر الجماعية التي لا زالت
تكتشف حتى الآن، وكان غالبية الضحايا من الرجال والفتيان.
وارتكبت المجزرة أمام أنظار القوات الدولية،
التي بقيت في مراكزها الخاصة، ولم تتحرك الأمم المتحدة، من أجل إنقاذ السكان الذين
جردتهم من قدرتهم على الدفاع عن أنفسهم بنزع سلاحهم مقابل الحماية.
حركة طالبان.. نزع السلاح خط أحمر
عقب غزو الولايات المتحدة لأفغانستان، وبسط
سيطرتها بالتعاون مع ما كان يعرف بتحالف الشمال، على كافة أنحاء البلاد، وانسحاب
قوات طالبان من المدن باتجاه الجبال، حاول الأمريكان تقديم إغراءات لطالبان، من أجل
نزع سلاحها، والانخراط في عمل سياسي وطلب العفو من القبائل.
وفي عام 2004، عرض السفير الأمريكي في أفغانستان زلماي
خليل زادة على مقاتلي طالبان إلقاء أسلحتهم مقابل منحهم العفو، كما دعا مقاتلي
طالبان، إلى الاتصال بشيوخ القبائل وقوات التحالف وإعلان ولائهم وإلقاء أسلحتهم
وفي المقابل لن يتم استهدافهم.
اظهار أخبار متعلقة
وشدد خليل زادة على
دعوته لطالبان لوقف حرب العصابات، بدعوى أنها تتعارض مع الإسلام وإرادة الشعب
الأفغاني، وكانت هذه الدعوات في أوج القوة الأمريكية في أفغانستان، فضلا عن قوة
حلفائها من المكونات الأفغانية الأخرى، وهو ما قوبل بالتجاهل من قبل طالبان.
لكن مع تصاعد عمليات طالبان، وتكبيدها
الولايات المتحدة خسائر كبيرة، فضلا عن خسائر في صفوف الحكومة الأفغانية الموالية
لواشنطن، وتفكير الأخيرة فعليا في مغادرة المنطقة، طرحت واشنطن فكرة تخلي طالبان
عن سلاحها مقابل التفاوض على الانسحاب، وهو ما جرى رفضه بشكل مطلق.
ورضخت الولايات المتحدة، لفكرة التفاوض مع
عدوها اللدود في أفغانستان، وبدأت المفاوضات فعليا في عام 2018، وتركزت على مطالبة
أمريكية بعدم استخدام أفغانستان، منطلقا لتهديد المصالح الأمريكية أو الدولية.
ومقابل ذلك، تعهدت أمريكا بالانسحاب الكامل من أفغانستان، وبحث مسألة العقوبات، ولم تتطرق إلى مسألة
تفكيك أسلحة طالبان أو إعادة هيكلتها.
وفي عام 2020، أبرم
اتفاق في الدوحة لانسحاب القوات الأمريكية والأجنبية من أفغانستان، خلال 14 شهرا،
مع ضمانات بعدم المساس بالقوات خلال مغادرتها البلاد، وبالفعل في عام 2021، خرج
آخر جندي أمريكي من كابول، وانهار النظام الذي بنته واشنطن على مدار 14 عاما،
بفرار الرئيس الأفغاني أشرف غني، وتفكك الجيش وكافة أجهزة الدولة، وسيطرة حركة
طالبان على الحكم مجددا ودخول العاصمة دون اشتباكات.