ملفات وتقارير

حذف 3 ملايين فقير في مصر من "تكافل وكرامة".. أوضاع مأساوية

يعاني ملايين المصريين أوضاعا معيشية صعبة- جيتي
يعاني ملايين المصريين أوضاعا معيشية صعبة- جيتي
تبرز بشكل لافت في شهر رمضان المبارك، أزمة الفقر في مصر، مع توافد أعداد كبيرة من الفقراء على مراكز توزيع الطرود الغذائية، ومؤسسات تمنح المساعدات.

مئات النساء من قرى مركز منيا القمح بمحافظة الشرقية، تتشح جميعهن بالسواد، وتبدو عليهن مظاهر الفقر وكبر السن، يقفن أمام مكتب العمل الحكومي بالمدينة التي يعرفها المصريون بأنها مركز للغلال في العصور القديمة والوسيطة والحديثة؛ لكنهن لم يقصدن مكتب العمل فأغلبهن غير قادرات عليه، ولا يحملن شهادات، وفي غير سن العمل.

وبالحديث إلى بعضهن اكتشفت "عربي21"، أنهن يتجمعن أمام جمعية خيرية جديدة قام بإشهارها أحد رجال الأعمال المرشحين للانتخابات البرلمانية المحتملة في خريف العام الجاري، للحصول على كراتين مواد غذائية، وبطاطين، وإعانات مالية، قبيل عيد الفطر.

"أشم رائحة الطعام وأشتهيه"
اختارت "عربي21"، عرض حالتين لسيدتين فقط من بين من استمعت لشكواهن من ضيق العيش.

الأولى؛ سبعينية مريضة، تسكن حجرة في قرية مجاورة للمدينة، وتقول: "سنوات أقيم بالحجرة بلا محارة وبلاط وفرش، وأسعى للحصول على مساعدة لتوضيب وفرش الحجرة، مع مبلغ شهري يساهم في علاجي من أمراض السكر والضغط والقلب، والجمعية وعدتها بحل أزمتها".

وتوضح أن نجلها "فقير يعمل بمصنع بمدينة العاشر من رمضان مقابل 4.5 ألف جنيه لا تكفي زوجة و3 أولاد في التعليم"، مضيفة: "أشم رائحة الطبيخ واللحم وأشتهيه ولا أجده، وأدور بالأسواق لجمع بقايا التجار من البطاطس والطماطم والفاكهة، ولولا مساعدات بعض أهل الخير لمتُ جوعا".

"أنام وجاموستي في زريبة"
الثانية؛ ستينية يبدو عليها بعض علامات عز انقضى، تقول لـ"عربي21": "بعد وفاة زوجي لاعائل لي، وبعد تقسيم البيت بين أبنائي أقيم في زريبة بجوار البيت، أضع كنبة وبعض الفرش، واشترى لي أهل الخير جاموسة صغيرة تقيم معي بالزريبة".

وتضيف: "أسرح بالجاموسة أطعمها من حشائش الترع، فلا أستطيع تأجير بعض القراريط لزراعتها وإطعامها، وما تنتجه من لبن أو سمن وجبن، يكفيني لبعض الوقت، وأسعى لتوضيب جزء من الزريبة أعيش فيه، والحصول على مبلغ شهري يساعدني".

"حرمان 3 ملايين أسرة"
وبالتزامن مع تلك الأوضاع القاسية، وفي الوقت الذي تتفاقم فيه معاناة المصريين مع الفقر والغلاء والبطالة، قررت حكومة رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي تقليص عدد المستفيدين من برنامج تكافل وكرامة من 7.7 ملايين أسرة إلى 4.7 ملايين فقط، بدعوى تحسن أحوال نحو 3 ملايين أسرة وعدم حاجتهم للدعم.

والسبت، وفي الاحتفال بيوم المرأة المصرية وفي حضور السيسي، أكدت وزيرة التضامن الاجتماعي مايا مرسي، أن نحو 3 ملايين أسرة خرجت من برنامج الضمان الاجتماعي "تكافل وكرامة" بسبب تحسن أوضاعها المعيشية، قائلة: "نجح ما يقارب من 3 ملايين أسرة من التخارج أو الخروج من البرنامج".



الوزيرة، أشارت إلى زيادة قيمة الدعم النقدي المقدم للأسر المستفيدة حاليا من البرنامج حتى يتناسب مع التغيرات الاقتصادية، بنسبة 25 بالمئة لإجمالي 4.7 ملايين أسرة، بتكلفة إجمالية بنحو 13 مليار جنيه، حتى حزيران/ يونيو 2026.

وبداية من نيسان/ أبريل المقبل، ترفع وزارة المالية قيمة إعانات "تكافل وكرامة" الشهرية لبعض الأسر بقيمة 206 جنيه من (826 جنيها (16.3 دولارا) إلى 1032 جنيها (20.3 دولارا)، وإضافة 185 جنيها للمسنين والأشخاص من ذوي الإعاقة بزيادة من (743 جنيها (14.6 دولارا إلى 928 جنيها (18.3 دولارا)، وحوالي 144 جنيها للأيتام من (578 جنيها إلى 722 جنيها)، وهي المبالغ ضئيلة جدا بحسب مراقبين.

وهناك نحو 18 مليون مستفيد من البرنامج 70 بالمئة منهم نساء، بموازنة تبلغ 41 مليار جنيه سنويا (810 ملايين دولار سنويا)، وبقيمة تبلغ 3 مليار و400 مليون جنيه شهريا، بحسب وزارة التضامن، التي تحتفل أيار/ مايو المقبل بمرور 10 سنوات على إطلاق البرنامج.

"محتاجون محرومون"
"عربي21"، رصدت بعض الحالات التي حرمت من معاش "تكافل وكرامة"، وبينهم "فرج" السبعيني الذي لا يمتلك حيازة زراعية ولم يكن موظفا حكوميا ولم يحصل على معاش تحت أي بند، وفي هذا السن يواصل العمل بالأجر لدى الأهالي في تسليك الصرف الصحي، بإحدى القرى المصرية.

يقول لـ"عربي21": "تقدمت للحصول على معاش تكافل وكرامة، وتم رفض طلبي، وتقدمت بالتماس أكثر من مرة، وتم رفضه، حيث أن مديرة المكتب لا تقتنع بأحقيتي للحصول على المعاش، رغم سني ومرض زوجتي، وعدم تملكي أي شيء سوى بيت ريفي وسط الزراعات".

وفي حديثه لـ"عربي21"، اشتكى عامل الصبة "أحمد" الثلاثيني ضعيف النظر الذي يعمل في حمل الخرسانة بالقصعة على كتفه أو الزلط والرمل بالغلق، مما أسماه "تعنت موظفي الشؤون الاجتماعية معه".

ويقول: "لم أحصل على تكافل وكرامة رغم وضعي الصحي ورغم حاجتي، بينما حصل عليها البعض رغم امتلاكهم لأراضي ولمصادر دخل عديدة"، مبينا أن "المشكلة في التحريات التي يرسلها القائمون على بعض الجمعيات الأهلية إلى موظفي وزارة التضامن لتزكية فلان ورفض فلان"، مؤكدا أنها "تقوم على الوساطة وتزكية الأقارب".

ويلفت إلى أنه "لاحقا قل غضبي، لأن المبالغ لا تغني أحدا لقلتها"، متسائلا: "500 أو 600 جنيه، ماذا تصنع؟، هل تكفي طعام وعلاج أسرة وتعليم أبناء؟، إنها تكفي فقط 3 أنابيب غاز استهلاك أسرة من البوتاجاز بالشهر الواحد".

وعن خروج 3 ملايين مستفيد من البرنامج نظرا لتحسن أوضاعهم المالية، يقول "م. أ"، أحد موظفي الشؤون الاجتماعية، إن "وزارة الشؤون الاجتماعية تطلب بشكل دوري مراجعة ملفات وأوضاع المستفيدين وتطلب بيانات جديدة، بهدف التخلص من بعض الأعداد، ومن ترى أي تغير في بياناته تقرر حرمانه فورا من البرنامج".

"تضارب مع واقع صعب"
ويتزامن حديث الوزيرة المصرية عن خروج 3 ملايين مستفيد من "تكافل وكرامة" لتحسن أحوالهم، مع تقرير أصدره مركز "بصيرة"، السبت، عن انخفاض استهلاك المصريين للحوم إلى النصف، لارتفاع أسعارها، وضعف قوتهم الشرائية.

وبالاستعانة بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، كشف مركز "بصيرة" الخميس الماضي، عن انخفاض استهلاك المصريين من اللحوم من 18 طن لكل 1000 من السكان عام 2018 إلى 9 طن لكل 1000 من السكان عام 2022.



وبحسب تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، خفضت 93.1 بالمئة من الأسر المصرية استهلاك اللحوم والطيور، فيما قلل 92.5 بالمئة استهلاكهم من الأسماك.

"تجاهل حكومي"
ورغم تلك الأوضاع، فإن الحكومة المصرية تواصل توجهاتها نحو رفع الدعم عن ملايين الفقراء، حيث أعلن وزير المالية المصري السابق والمدير التنفيذي الحالي في صندوق النقد الدولي، محمد معيط، أن "مصر ملتزمة برفع إجمالي الدعم الكامل عن الوقود حتى نهاية العام الجاري".

وتناقلت مواقع صحفية اقتصادية أنباءا عن اجتماع لجنة تسعير المواد البترولية الشهر المقبل بعد توقف اجتماعاتها لنحو 6 أشهر، ما يشير لزيادة مرتقبة بأسعار الوقود بعد عيد الفطر، كفيلة برفع أسعار جميع السلع بالسوق المحلية، وفق الخبير الاقتصادي عبدالنبي عبدالمطلب، عبر صفحته بـ"فيسبوك".

وفي السياق، يتخوف مراقبون وخبراء اقتصاد من تأثير إقرار البرلمان المصري قانون "الضمان الاجتماعي" الجديد، والذي بدوره يقر تحويل الدعم العيني إلى النقدي، ما يرى فيه البعض حرفا من الحكومة عن دعم الفقراء.

"لا تغني فقيرا ولا تحقق عدالة"
وفي قراءته لحديث الوزيرة المصرية في ظل أوضاع المصريين الصعبة، قال مستشار وزارة التموين والتجارة الداخلية في مصر سابقا، الدكتور عبدالتواب بركات، لـ"عربي21": "تعلن الحكومة عن مخصصات مالية كبيرة ومبالغ فيها للبرنامج دون وجود دليل رسمي من جهة محايدة على صحة الأرقام التي تعلنها الحكومة".

وأضاف: "وكفاءة وصولها للأسر المستحقة دون اعتبارات للولاء السياسي للنظام وحرمان الأسر الفقيرة لأسباب سياسية، في ظل إعلان مؤسسات دولية والجهاز المركزي للمحاسبات عن انتشار الفساد في أروقة السلطة، والجهاز الحكومي وغياب الشفافية والنزاهة في كل مؤسسات الدولة".

الخبير في بحوث التنمية الزراعية وسياسات الأمن الغذائي والعدالة الاجتماعية ومحاربة الفقر الريفي، لفت إلى أن "النظام يدعي أنه من خلال البرنامج يحقق العدالة الاجتماعية للمصريين، والحقيقة أن البرنامج أُطلِق في عام 2015 بدعم من برنامج للبنك الدولي تكلفته 400 مليون دولار".

وأوضح أنه "حينها جاء لدعم بعض الأسر بمبالغ مالية زهيدة، لا تمكن الأسرة الواحدة من شراء أكثر من كيلو لحم في الشهر، وذلك للتغطية على سياسة التقشف والحذف العشوائي لملايين الأسر الفقيرة من برنامج دعم البطاقات التموينية، وتخفيض دعم الكهرباء ومياه الشرب وغاز الطهي المنزلي".

ويرى الأكاديمي المصري أن "الأسر المصرية التي يقع 60 بالمئة منها تحت خط الفقر وفق احصائيات البنك الدولي، لا تحتاج لبرنامج تكافل وكرامة الذي يشبه مسحوق التجميل لواقع الفقر والغلاء والبطالة ولا يوفر 5 بالمئة من الاحتياجات الإنسانية أو الأساسية لأسرة مكونة من 5 أفراد".

وأكد، أنها "في المقابل في أمس الحاجة إلى إقامة مصانع جديدة، ومشاريع لتشغيل الشباب الذي يعاني 40 بالمئة منه من البطالة، وإصلاح منظومة الأجور والمعاشات وإعادة المصداقية لمنظومة دعم البطاقات التموينية، بمعدل 2 كيلو أرز و2 كيلو سكر وكيلو ونصف زيت شهريا للفرد الواحد في مقابل مالي تطيقه غالبية الأسر المصرية".

وختم مبينا أن "الأسرة المصرية أفقرتها سياسات صندوق النقد الدولي والسياسات الفاشلة التي تنتهجها الحكومة وتركز على بناء الكباري ورصف الطرق الطويلة في الصحراء الشاسعة".

اظهار أخبار متعلقة


"تناقض مع الأزمة"
وفي تعليقه، قال الباحث المصري في الملف الاقتصادي والعمالي حسن بربري، إن "تأكيد الحكومة خروج 3 ملايين أسرة من تكافل وكرامة نتيجة تحسن أوضاعهم المالية يتناقض مع الأزمة الاقتصادية الحالية وارتفاع الأسعار المتمثل بمؤشر تضخم عالي، وحالة الضغط على دخول المواطنين وخاصة الأسر الفقيرة ومحدودة الدخل والأكثر احتياجا، وفق التعبير الحكومي".

القيادي بحزب "التحالف الشعبي" أضاف لـ"عربي21"، أنه "كان يجب عليها تطوير تمويل البرنامج، وتحسين آلية استهداف الأسر الفقيرة وخاصة بالمناطق الريفية، وتكثيف الحملات، وزيادة عدد المستفيدين، وتحسين كفاءة البرنامج، وإعادة النظر في معايير الاستبعاد التي وضعتها لمقتضيات ومتغيرات الظروف الاقتصادية".

وأكد أنه "من المفترض أن تطور الحكومة هذا البرنامج، وتحسن منه، وتعيد النظر في الشروط والكفاءات التي يتم بها عمل البرنامج؛ لا أن يخرج منه 3 مليون أسرة".

الناشط العمالي، أوضح أنه "منذ إطلاق البرنامج عام 2015، لم يكن أمامنا غير الأرقام الحكومية المعلنة عبر وزارة التضامن وبيانات مجلس الوزراء، لكن المجمع عليه أن حوالي 2.250 مليون أسرة انضمت لهذين البرنامجين في ذلك الحين".

وكشف أن "البرنامج منذ إطلاقه لم يجري تقييمه، كمشروع بهذا الشكل والحجم والزخم الإعلامي، وكان يجب تقييمه بصورة ربع أو نصف أو سنوية لقياس أثر هذا البرنامج على المستفيدين منه".

"لعبة زيادة الأرقام"
ولفت إلى "إصدار كاشف من الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، في كانون الأول/ ديسمبر 2022، عن إحصائيات الخدمات الاجتماعية الحكومية ومنها برنامج تكافل وكرامة، رصد عدد المستفيدين والأسر والمبالغ المنصرفة"، ملمحا إلى أن "وزارة التضامن تصرف معاشات ومساعدات لا علاقة لها بتكافل وكرامة تحت مسميات عديدة منها معاش السادات".

وأوضح أن "نشرة الجهاز المركزي أشارت إلى أن هذه المساهمات والمعاشات من الدولة لرفع المعاناة عن الأسر الفقيرة ومحدودة الدخل والتي تتعرض إلى أزمات وأن دخلها لا يستوعب الأعباء المعيشية انخضفت بنسبة 51.7 من أموال وزارة التضامن".

وأشار إلى أن"النشرة أرجعت هذا الانخفاض في تلك المعاشات من مخصصات وزارة التضامن إلى تحويل بعض المستفيدين من تلك البرامج والمعاشات إلى برنامج تكافل وكرامة، حيث تم أخذ جزء من أصحاب معاشات السادات وغيره ووضعهم في تكافل وكرامة، ما أحدث زيادة عددية في عدد المنتفعين من البرنامج".

وقال إنه "من المفترض أن يغطي تكافل وكرامة الأسر الجديدة ذات الدخل الضعيف، إلا أنه أضاف أسماء موجودة بالفعل وتحصل على مساعدات ومعاشات من وزارة التضامن، ما قلل موازنة الوزارة ببند المعاشات والمساعدات وزاد أعداد البرنامج".

وتساءل: "لماذا هذه الحركة بنقل بعض المنتفعين من مساعدات ومعاشات وزارة التضامن إلى تكافل وكرامة؟، لماذا لم تضع فئات جديدة لا تتمتع بأي حماية اجتماعية، وتبدأ في الصرف عليها؟، لماذا ينخفض حجم بند المساعدات والمعاشات بوزارة التضامن بقيمة 51.7 بالمئة؟".

"مؤشرات دولية"
ورصدت تقارير وتصريحات غربية الوضع الاقتصادي الصعب، ومنها تصريحات المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، الذي قال إن "وضعها مقلق، فمعدلات البطالة مرتفعة وتصل بين الشباب لنسبة 45 بالمئة ولا يمكن لبلد أن يبقى بهذا الوضع، وهم مفلسون لحد كبير، ويحتاجون للكثير من العون".

وهو الوضع الذي لا تعترف به الحكومة المصرية التي تؤكد دائما أن وضع الاقتصاد المصري "مطمئن"، وفقا لتصريحات وزير المالية المصري أحمد كجوك، خلال مؤتمر "دافوس"، في كانون الثاني/ يناير الماضي.

وفي نظرة غير مطمئنة توقعت وكالة "فيتش سوليوشينز"، أن تكون التبعات الأكبر للتعريفات الجمركية التي يفرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الأسواق الناشئة المثقلة بالديون ومنها مصر، نتيجة لزيادة تكلفة الديون عليها.

وتعاني الحكومة المصرية من أزمات تفاقم أقساط وفوائد ومتأخرات دين خارجي تفوق الـ155 مليار دولار بنهاية العام الماضي، في الوقت الذي تتراجع فيه عوائد مرور التجارة الدولية من قناة السويس بنحو 800 مليون دولار شهريا، وفقا لتأكيد السيسي، الشهر الجاري.
التعليقات (0)

خبر عاجل