مقابلات

الجماعة الإسلامية في لبنان تكشف لـ"عربي21" خطتها للرد على قرار إدارة ترامب

أبو ياسين: القرار الأمريكي لا يمكن فصله عن المشهد الأكبر في المنطقة - أرشيفية
قال رئيس المكتب السياسي للجماعة الإسلامية في لبنان، علي أبو ياسين، إن "توجّه إدارة ترامب لإدراج فروع من جماعة الإخوان المسلمين – ومن ضمنها الجماعة الإسلامية في لبنان – على قوائم الإرهاب يأتي في سياق سياسي وإقليمي ودولي بالغ التعقيد، تتقاطع فيه اعتبارات أمن إسرائيل والضغوط الانتخابية واللوبيات النافذة في الولايات المتحدة، إضافة إلى تداعيات حرب غزة وطبيعة العلاقة المتوترة بين الحركات الإسلامية ودول الثورات المضادة".



واعتبر أبو ياسين، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، أن "هذا القرار الأمريكي لا يمكن فصله عن المشهد الأكبر الذي تعيد فيه واشنطن رسم تموضعها الاستراتيجي في الشرق الأوسط عبر دعم المشروع الإسرائيلي، وتوسيع مسار التطبيع، وإعادة هندسة البيئة السياسية في المنطقة بما يخدم رؤيتها الاستراتيجية للمرحلة المقبلة".

وكشف أن "لدى الجماعة الإسلامية خططا عملية قيد التحويل إلى مشاريع قانونية ودبلوماسية وإعلامية متكاملة، تهدف إلى مواجهة الافتراءات والرد عليها ضمن الأطر القضائية الدولية، وإثبات الطابع القانوني والمؤسساتي لعمل الجماعة وشفافيته"، مشيرا إلى أن "هذه المسارات تهدف إلى حماية مؤسسات الجماعة من أي تجميد أو حظر محتمل".

وذكر أن أمام الجماعة حزمة واسعة من الخيارات ستتم معالجتها بمنهج تخصصي وتكاملي، موضحا أنها ستستخدم "المسار السياسي للدفاع عن شرعية عملها، والمسار الإعلامي لتفنيد المزاعم، والمسار القانوني لمواجهة أي استهداف غير مشروع، إضافة إلى مسار دبلوماسي يهدف إلى التواصل مع الجهات الدولية المعنية وتوضيح الصورة الحقيقية بعيدا عن الدعاية والتحريض".

ولفت أبو ياسين إلى أنه "لا علاقة للجماعة الإسلامية في لبنان مع الولايات المتحدة، ولم يُعرف عنها يوما أنها هدّدت مصالحها أو استهدفت وجودها"، كاشفا أن "فكرة إيجاد وسطاء للتواصل وإعادة تقييم الموقف الأميركي تبقى أمرا محتملا، إذا كان ذلك يسهم في تصحيح صورة مشوّهة أو مواجهة روايات ملفّقة لا تمت إلى الواقع بصلة".

وتاليا نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":

كيف تقيّمون دوافع إدارة ترامب في إدراج فروع من جماعة الإخوان المسلمين – ومن ضمنها الجماعة الإسلامية في لبنان – على قوائم الإرهاب؟

يأتي هذا التوجّه في سياق سياسي وإقليمي ودولي مشحون وبالغ التعقيد، تتقاطع فيه أمن إسرائيل وأولويات الأمن القومي الأمريكي، وحسابات الداخل الانتخابي، والضغوط المتصاعدة من اللوبيات المؤثرة، إضافة إلى تداعيات حرب غزة، وطبيعة العلاقة المتوترة بين الحركات الإسلامية ودول الثورات المضادة؛ فقرار كهذا لا يمكن فصله عن المشهد الأكبر الذي تعيد فيه واشنطن رسم تموضعها الاستراتيجي في الشرق الأوسط، بما يشمل دعمها الواضح والكبير للمشروع الإسرائيلي، وتوسيع مسار التطبيع، والسعي إلى إعادة هندسة البيئة السياسية في المنطقة بما يخدم رؤيتها الاستراتيجية.

ما القراءة السياسية لديكم لتوقيت هذا القرار؟ ولماذا عاد هذا الملف إلى الواجهة الآن؟

إن تفسير التوقيت يستدعي قراءة شاملة لمنظومة الإرادات الفاعلة والمستفيدة من إعادة طرح هذا الملف؛ فمن ناحية واشنطن، يتكامل القرار مع نهج سياسي وأيديولوجي ينظر إلى تيارات الإسلام السياسي بوصفها عائقا أمام مشروع "الاستقرار الإقليمي" كما تراه الولايات المتحدة؛ إذ تتبنى إدارة ترامب مقاربة ذات طابع أيديولوجي معادٍ للإسلام السياسي.

ويأتي القرار كذلك في سياق إزالة ما تعتبره الإدارة الأمريكية عوائق أمام تنفيذ أجندتها في المنطقة، خصوصا ما يتعلق بتوسيع مسار التطبيع، وترسيخ الاتفاقات الإبراهيمية، وتعزيز التحالفات الإقليمية الجديدة، فضلا عن منح أولوية مطلقة لأمن إسرائيل وتقوية حضورها السياسي والعسكري، وتعزيز الهيمنة الأمريكية على موارد المنطقة.

أما بالنسبة للوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، فإن إعادة تحريك هذا الملف تخدم محاولات تحويل الأنظار عن جرائم الإبادة في غزة، عبر إعادة إنتاج خطاب يصوّر الحركات الإسلامية كتهديد عابر للحدود حسب مزاعمهم. كما أن الخطوة تأتي ردّا على موجة الانتقادات المتصاعدة للكيان داخل الجامعات والمجتمع المدني الأمريكي، وتساهم في الحدّ من نفوذ المؤسسات الإسلامية في الداخل الأمريكي وخلق مسافة بينها وبين أجهزة الدولة.

وفي المقابل، ينظر الكيان الصهيوني إلى حرب "طوفان الأقصى" باعتبارها تهديدا وجوديا يستلزم مواجهة شاملة تتجاوز الميدان العسكري إلى الميدان السياسي والدولي، ويعتبر أن استهداف فروع الإخوان في دول الطوق خطوة داعمة لمساعيه في محاصرة حركة حماس وتقليص أي عمق سياسي أو اجتماعي يمكن أن تستند إليه. كما يأتي ذلك ضمن مساعي تل أبيب لإزالة العوائق القانونية والسياسية التي قد تحدّ من تمدّد مشروعها الاستراتيجي في المنطقة.

هذه العوامل مجتمعة، إلى جانب رغبة ترامب في تسجيل إنجاز سياسي يرضي قاعدته، تُشكّل الخلفية الفعلية لهذا التوجّه.

وهل سيتم اعتماد هذا القرار رسميا برأيكم؟

من المتوقع أن يتأرجح القرار بين ثلاثة سيناريوهات محتملة، يجري اختيار أحدها بحسب موازين القوى والضغوط داخل الإدارة الأمريكية.

قد تتجه واشنطن نحو تصنيف شامل يطال الجماعة بكامل فروعها وكل المرتبطين بها تنظيميا أو ماليا أو فكريا، وهو خيار واسع المدى لكنه يحمل كلفة قانونية وسياسية مرتفعة، كما قد يثير اعتراضات داخلية قوية. وقد تعتمد الإدارة الأمريكية خيارا أقل حدّة يقوم على استهداف شخصيات قيادية أو مؤسسات محدّدة ضمن نهج انتقائي يحقق الغاية السياسية دون دفع أثمان كبيرة. كما قد تذهب إلى خيار ثالث يقتصر على تصنيف ما يُسمّى "الجناح العسكري" أو اللجان العسكرية للجماعة في بعض الساحات، مع إبقاء المجال مفتوحا للتواصل السياسي، وبما يخفف من الاعتراضات الدولية المحتملة.

هل تعتقدون أن ضغوطا إقليمية معينة لعبت دورا أساسيا في هذا التصنيف؟

من الواضح أن بعض دول الثورات المضادة لعبت دورا في الدفع باتجاه هذا التصنيف، انطلاقا من رغبتها في منع نشوء أي قوة سياسية قادرة على إحداث تغيير حقيقي في البنى الاستبدادية والظلامية التي تهيمن على المنطقة. هذه الدول تسعى، من خلال هذا القرار، إلى إعادة تشكيل البيئة السياسية بما يتيح إعادة تمكين قوى تُقدّم بوصفها "وسطية واعتدالية" في لبنان والمنطقة، على حساب القوى المجتمعية التي تمتلك حضورا فعليا وقدرة تنظيمية، ولا يمكن تجاهل تأثير شبكات الضغط المقربة من هذه الدول داخل واشنطن، والتي تمارس نفوذا واضحا في صياغة السياسات الأمريكية المتعلقة بالإسلاميين.

كيف سينعكس هذا الإدراج على عمل الجماعة الإسلامية في لبنان من الناحية السياسية والاجتماعية والخدماتية؟

إن تقييم أي قوة سياسية لبنانية يرتبط حصريا بالدستور والقانون اللبنانيين، وليس بقرارات أو تصنيفات خارجية ناتجة عن رؤى سياسية أمريكية منحازة للعدو الإسرائيلي ولا تعكس الواقع اللبناني. وأي محاولة محلية لاستثمار هذا القرار في المنافسات السياسية الداخلية هو تهويل وتضخيم غير مبرّر ويهدد بفتح أبواب التوتر الداخلي دون مصلحة وطنية.

الجماعة الإسلامية تُمثّل شريحة واسعة من اللبنانيين، وتعكس تطلعاتهم الوطنية والاجتماعية، وتطرح برنامجا إصلاحيا يسعى إلى بناء دولة العدالة والمؤسسات وترسيخ مفهوم المواطنة، وهي تؤكد على انتماء لبنان العربي كما نص الدستور، وتتبنى دعم القضايا العادلة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، بما ينسجم مع الإجماع الوطني اللبناني الواسع.

هل تلقيتم مؤشرات داخلية لبنانية عن إمكان اتخاذ إجراءات محلية مشابهة أو متأثرة بالقرار الأمريكي؟ وكيف تقيّمون موقف الحكومة اللبنانية؟

حتى اللحظة، لم ترد أي مؤشرات تفيد بنية القوى الرسمية اللبنانية السير في هذا الاتجاه. ونتمنى، حرصا على العدالة وصونا للاستقرار الداخلي، ألا يتم استيراد هذا النوع من القرارات إلى الساحة اللبنانية، لأنها لا تخدم مصلحة البلاد ولا تنسجم مع خصوصية التجربة السياسية اللبنانية. المطلوب موقف حكومي متماسك يحفظ السيادة ويمنع تسييس الملفات القضائية والأمنية تحت ضغط خارجي.

ما حجم الأضرار المحتملة على بيئة الجماعة ومؤسساتها وناخبيها وداعميها نتيجة هذا التصنيف؟

الجماعة اعتادت أن تعمل في ظروف أقسى بكثير من الظروف الراهنة، ولم تتوقف يوما عن أداء دورها الديني والاجتماعي والسياسي رغم حملات الحصار والملاحقة. فعلى سبيل المثال، خلال فترة الهيمنة السورية على لبنان، واجهت الجماعة شتى أنواع التضييق الأمني والسياسي، ومع ذلك طوّرت مؤسساتها ووسعت حضورها، كما واجهت الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب وشاركت في مسيرة التحرير. لذلك، فإن التحديات الحالية لن تثنيها مطلقا عن متابعة مسيرتها وخدمة جمهورها وبيئتها الطبيعية.

ما أبرز التحديات القانونية التي قد تواجهكم، خصوصا فيما يتعلق بالتحويلات المالية والعلاقات الخارجية والمؤسسات التابعة للجماعة؟

مؤسسات الجماعة تعمل بإنتاج ذاتي ولا تعتمد على أي تمويل خارجي، فهي تعتمد على نفسها وجهود العاملين فيها حصريا. ومن جهة أخرى، فإن المصارف اللبنانية – التي كانت سببا أساسيا في نكبة اللبنانيين وتبديد أموالهم وقرصنتها – تغلق منذ سنوات حسابات العديد من المؤسسات ولا تفتح حسابات جديدة رضوخا للإملاءات الخارجية، لذلك لن يتغير الكثير.

ما مصير قوات الفجر "الجناح العسكري للجماعة الإسلامية في لبنان" في ضوء التطورات الأخيرة؟

الشعب اللبناني لا يحتاج إذنا من أحد للدفاع عن نفسه عندما يتعرض لعدوان صهيوني. هذا حق ثابت ومشروع تكفله القوانين الدولية وحقائق التاريخ والجغرافيا، وكل نقاش بشأن هذا الملف ينبغي أن ينطلق من مبدأ حماية لبنان وأمنه وسيادته، لا من الاعتبارات السياسية المفروضة من الخارج.

هل لديكم خطط أو شبكات قانونية دولية لمواجهة أي تجميد للأصول أو حظرٍ للأنشطة المرتبطة بهذا القرار؟

نعم، لدينا خطط عملية قيد التحويل إلى مشاريع قانونية ودبلوماسية وإعلامية متكاملة، تهدف إلى مواجهة الافتراءات والرد عليها ضمن الأطر القضائية الدولية، وإثبات الطابع القانوني والمؤسساتي لعمل الجماعة وشفافيته.

ما الخيارات المتاحة أمامكم لمواجهة هذا القرار؟

لدينا حزمة واسعة من الخيارات سنتعامل معها بمنهج تخصصي وتكاملي. سنستخدم المسار السياسي للدفاع عن شرعية عملنا، والمسار الإعلامي لتفنيد المزاعم بحقنا، والمسار القانوني لمواجهة أي استهداف غير مشروع، إضافة إلى مسار دبلوماسي يهدف إلى التواصل مع الجهات الدولية المعنية وتوضيح الصورة الحقيقية بعيدا عن الدعاية والتحريض.

هل تسعون إلى بناء شراكات مع قوى لبنانية أخرى لمواجهة القرار؟

بكل تأكيد؛ فبناء الشراكات هو أحد أهم المسارات السياسية التي ستنخرط فيها الجماعة خلال المرحلة المقبلة، سواء لضمان وحدة الموقف الداخلي تجاه أي استهداف خارجي، أو لترسيخ بيئة وطنية متفاهمة قادرة على منع توظيف القرار بما يضرّ السلم الأهلي أو المصالح الوطنية العليا.

هل تعيد الجماعة النظر في خطابها أو آليات عملها السياسي بعد هذا القرار، أم تعتبرونه قرارا لا يستوجب تغييرا في النهج؟

لا نرى أي مبرّر لتغيير خطابنا، لأننا نمتلك رؤية واضحة للوطن قائمة على الإصلاح والتنمية وتعزيز الدولة القوية والعادلة. نحن نحارب الفساد والزبائنية، ونعمل من أجل سيادة لبنان وازدهاره، ونعتبر القضية الفلسطينية جزءا أصيلا من هويتنا السياسية والأخلاقية. لذلك، لن نتخلى عن ثوابتنا ولن ننزاح عن نهجنا الوطني.

كيف ستتأثر علاقتكم – كجماعة إسلامية – مع واشنطن بعد هذا التصنيف؟ وهل هناك قنوات اتصال أو وسطاء لإعادة تقييم الموقف الأمريكي؟

لا علاقة لنا مع الولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه لم يُعرف عن الجماعة يوما أنها هدّدت مصالح الولايات المتحدة. لذلك فإن فكرة إيجاد وسطاء للتواصل وإعادة تقييم الموقف أمر محتمل، خصوصا إذا كان ذلك يسهم في تصحيح صورة مشوّهة أو مواجهة روايات ملفّقة لا تمت إلى الواقع بصلة.

إلى أي مدى تخشون أن يؤدي هذا القرار إلى إعادة رسم خريطة التعامل الإقليمي والدولي مع الحركات الإسلامية، بما في ذلك العلاقات مع الخليج وأوروبا؟

إذا طرأت تغييرات من أي طرف إقليمي أو دولي فسنقوم بدراسة الأمر بدقة، وسنبني مواقفنا استنادا إلى التقييم الهادئ والموضوعي. نحن نتعاطى مع الجميع وفق مصلحة لبنان وسيادتِه، لا وفق ردود فعل انفعالية.

كيف ترون علاقة الجماعة الإسلامية مع الداخل السوري وتواجدها على الأرض السورية بعد زجّ اسمها في التوغّل الأخير للاحتلال الإسرائيلي في بلدة بيت جن؟ وما طبيعة علاقتكم بالإدارة السورية الجديدة؟

الجماعة الإسلامية ليس لها أي نشاط خارج الحدود اللبنانية، فهي حزب لبناني بالكامل. والدولة السورية لم تقم علاقة مع أحزاب وأفراد يقيمون علاقات مع دول.

أما فيما يخصّ اعتداء "بيت جن"، فقد أصدرنا بيانا واضحا أدنّا فيه الاعتداء وقدمنا التعازي لعائلات الشهداء، وأكدنا أننا لا علاقة لنا بما جرى، وهذه هي الحقيقة الثابتة التي لا تحتمل التأويل.

كيف يمكن لقرار التصنيف أن يؤثر على حضور الجماعة في الانتخابات البرلمانية اللبنانية لعام 2026، سواء على مستوى التحالفات أو الخطاب السياسي أو الحملات الانتخابية؟

سنخوض الانتخابات بكل عزم وتصميم، وسنعلن عن تحالفاتنا في الوقت المناسب، وسنقدم رجال دولة قادرين على حماية الوطن وصون مؤسساته. القرار لن يُضعف حضورنا بل سيجعلنا أكثر وضوحا في خطابنا وأكثر إصرارا على تحقيق مشروع وطني إصلاحي.

هل تتوقعون أن يستغل خصومكم السياسيون هذا القرار لتقليص نفوذكم انتخابيا أو للتشكيك في شرعيتكم؟

لا نعتبر أن لدينا خصوما في الداخل اللبناني، لكن إذا أراد البعض تقديم قرابين سياسية لخصوم لبنان الخارجيين، فلكل حادث حديث. نحن نحتكم للقانون اللبناني ولإرادة الناس، ومَن يختبئ خلف النفوذ الخارجي سيكشفه اللبنانيون بأنفسهم.

إلى أي حد تعتقدون أن التصنيف قد يؤثر على المزاج الشعبي و"الصوت السنّي" تحديدا في انتخابات 2026؟

الجماعة الإسلامية هي أقوى حزب منظم في الساحة السنيّة، وستبقى في مواجهة كل مشاريع التهشيم والتهميش التي تتعرض لها هذه الساحة منذ سنوات. مشروعنا المركزي يقوم على تثبيت حضور السنّة واستعادة دورهم الطبيعي في الدولة اللبنانية بما يخدم استقرار الوطن ووحدته. ومن هذا المنطلق، فإن أي محاولة للنيل من موقع الجماعة قد تنعكس عكسيا، وتزيد من تعاطف الناس مع مشروعها الوطني.

هل سيؤثر القرار على علاقة الجماعة الإسلامية بحزب الله؟

سنراقب كيفية تعاطي الأحزاب والقوى السياسية كافة مع القرار، وسنبني على الوقائع والمواقف التي ستتّضح خلال المرحلة المقبلة. علاقاتُنا تُحدَّد وفق مصلحة لبنان وثوابته الوطنية، لا وفق الضغوط الخارجية، وبالتالي سنبني على الشيء مقتضاه.

على صعيد آخر، كيف تنظرون للخروقات الإسرائيلية المتكررة في لبنان؟

العدوان الإسرائيلي على لبنان، الذي قيل إنه توقف في 26 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، لم يتوقف من الجانب الإسرائيلي مطلقًا؛ فالتوقف كان من الجانب اللبناني فقط. أمّا إسرائيل، فعدوانها مستمر ومتصاعد عبر الغارات الجوية والاستباحة الكاملة للأجواء اللبنانية؛ إذ إن الطائرات الحربية والمسيّرات الإسرائيلية لا تغادر الأجواء منذ ذلك التاريخ، وفي كل يوم تقع عمليات استهداف وغارات يسقط فيها شهداء وتُدمّر منازل وبيوت. كما يشنّ العدو حربا نفسية من خلال تحديد أماكن للاستهداف بهدف دفع الأهالي للنزوح من قراهم.

ومن جهة ثانية، يقوم العدو بتصعيد متدرج لإخضاع لبنان ودفعه إلى التفاوض المباشر، وهو ما نلحظه في الغارات الواسعة، والاستهدافات الجنونية، والأحزمة النارية التي تطال بعض القرى اللبنانية. إن توسّع الاعتداءات عملية ممنهجة ومستمرة منذ اللحظة الأولى للاعتداء على لبنان.

كما ندرك تماما أن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو ينتهج استراتيجية الهروب إلى الأمام هربا من المحاسبة على جرائمه الداخلية والخارجية، وقد يلجأ إلى شنّ حرب على لبنان؛ فالحرب باتت متوقعة، وإن كان الأمريكي حتى الآن غير موافق عليها، إلا أن إسرائيل قد تُقدم عليها لإرغام واشنطن على القبول بها.

كيف ترون الاتهامات الموجّهة للجيش اللبناني بالتقاعس عن مهامه جنوب الليطاني؟

واضح تماما أن الجيش اللبناني لم يتقاعس ولن يتقاعس؛ فمنذ اللحظة الأولى بعد توقيع وقف إطلاق النار، بدأت وحداته بالانتشار جنوب الليطاني، وقامت بواجباتها في تفكيك المواقع والمخازن وحصر السلاح، وهناك خطة لزيادة عدد القوات ليبلغ بحلول نهاية عام 2026 نحو 20 ألف ضابط وجندي.

الضغط الذي يُمارس اليوم هو ابتزاز سياسي للدولة اللبنانية لدفعها إلى قبول شروط العدو، لكن الدولة مدركة تماما لهذا الأمر، وقد قامت بخطوة مهمّة عبر تطعيم لجنة الميكانيزم بمندوب مدني هو السفير سيمون كرم، ووضع إطار واضح للمفاوضات.

وقد حدّدت الدولة اللبنانية ثلاثة شروط رئيسية تُشكّل سقف التفاوض، تتمثل في: انسحاب العدو من الأراضي اللبنانية التي ما زال يحتلها - إذ ما زال موجودا في خمس نقاط حاكمة - ووقف الاعتداءات والخروقات الجوية والبرية، والتفاوض حول ملف الأسرى في السجون الإسرائيلية.

هذه هي السقوف الثلاثة. أمّا الإسرائيلي، ومن خلفه الولايات المتحدة، فيسعيان للضغط على لبنان للذهاب إلى مدى تفاوضي أوسع، لكن لبنان مصرّ على التمسّك بهذه النقاط فقط.

ما رؤيتكم لأخطار إسرائيل على لبنان اليوم، وكيف يمكن حماية البلاد منها؟

ثمة قناعة آخذة في التوسع بين مختلف مكوّنات الشعب اللبناني - ولو لم تتحول بعد إلى إجماع كامل - بأن السؤال المركزي المطروح اليوم هو: كيف نحمي لبنان؟ فالأطماع الإسرائيلية لم تتوقف يوما، بل تتخذ اليوم شكلا أكثر خطورة، مع وجود خطط لاجتياح بري للأراضي اللبنانية، ولعل دخول القوات الإسرائيلية إلى الجنوب السوري والتفافها شرقا وصولا إلى مسافة كيلومترات قليلة من نقطة المصنع الحدودية كان جزءا من تصور عملياتي يستهدف لبنان بشكل مباشر.

ورغم أن الولايات المتحدة ما زالت حتى الآن تمنع إسرائيل من تنفيذ هذا الاجتياح البري، تبقى الأطماع بالحدود والثروات قائمة، وفي مقدّمها غاز شرق المتوسط وممرّات نقله؛ فإسرائيل تسعى إلى تصدير غازها وغاز فلسطين المُحتلة إلى أوروبا عبر ممرات آمنة تُكرّس موقعها في معادلة الطاقة الدولية.

إضافة إلى ذلك، أعلن نتنياهو صراحة أنه يؤدي "مهمة تاريخية وإلهية" تهدف إلى إنشاء إسرائيل الكبرى، ولبنان جزء من هذا المشروع، وعندما يؤسّس العدو حزاما أمنيا واحدا، لا يلبث أن يسعى إلى بناء حزام ثان وثالث حمايةً للأول، ما يعني أن الأطماع ليست فقط مستمرة، بل مرشحة للتصاعد.

من هنا، لا يمكن حماية لبنان بالاعتماد على القرارات الدولية أو المساعي الدبلوماسية وحدها، بل من خلال استراتيجية شاملة للأمن القومي تتكامل فيها المسارات العسكرية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والدبلوماسية، بما يضمن صون السيادة وردع العدوان والحفاظ على استقرار البلاد.

في ظل تصاعد الأطماع الإسرائيلية واتساع دائرة التهديد للبنان، هل بات من الضروري إعادة صياغة مفهوم المقاومة الوطنية واعتماد مقاربة دفاعية شاملة على مستوى الدولة؟

هذا هو واجب الوقت بالفعل، وهو مسار بالغ الأهمية ولا يحتمل التأجيل، لكن ثمة مشكلتين تعوقان الوصول إلى رؤية وطنية جامعة.

ففي الداخل، تبرز أطراف لبنانية تدعو إلى اعتماد سياسة الحياد، وهذا من وجهة نظرنا خطأ جوهري؛ إذ لا يمكن للبنان أن يكون محايدا في مواجهة دولة محتلة ومعتدية تخطّط لحرب جديدة عليه، وتسعى إلى السيطرة على حدوده وثرواته الحيوية.

أما في الخارج، فالمشكلة تتجلى في الضغوط الأمريكية والدولية التي تمنع الجيش اللبناني من امتلاك القدرات اللازمة للدفاع عن البلاد، بل إن الجيش يُطالب بتدمير السلاح الذي يصادره، ولا يُسمح له باستخدامه عند الحاجة، ما يفرغ دوره الدفاعي من مضمونه الفعلي.

لذلك، أصبحت الحاجة إلى استراتيجية دفاعية وطنية شاملة ضرورة ملحّة، شرط أن تُبنى على حوار جامع وتوافق سياسي حقيقي، لا على مقاربات تجزيئية أو حسابات فئوية ضيقة؛ فغياب هذا التوافق سيؤدي إلى ضياع الفرصة، ويتيح للعدو تحقيق المزيد من المكاسب، خصوصا أنه يشعر اليوم بفائض قوة بعد ما يعدّه تفوقا في حربه على غزة وعلى لبنان.

وعلى الحكومة والسلطة اللبنانية أن تُصغي إلى صوت شعبها قبل أي صوت خارجي؛ فحتى اللحظة، ما تزال القرى المدمّرة في الجنوب والبقاع محرومة من حقها الطبيعي في إعادة الإعمار، ولا يُسمح بدخول أموال الإغاثة إليها، فيما يعيش الناس من دون بيوت، وعلى أبواب شتاء قارس ومنخفضات جوية متتالية، ومع ذلك لم تُصدر السلطات أي إذن يسمح ببدء إعادة البناء.

ما تحتاجه الحكومة اليوم هو التعويل على شعبها لا على وعود الخارج؛ فالشعب هو مصدر القوة الحقيقية التي تمنح لبنان مناعته وقدرته على الصمود، وهو القادر على حماية بلده عندما تتخلى عنه القوى الدولية أو تفرض عليه قيودا لا تخدم مصالحه الوطنية.

أمّا إذا بقينا نرضخ لإملاءات الخارج - وخاصة الدول الداعمة للعدو الإسرائيلي - فلن نكون قادرين على حماية لبنان، وسندفع أثمانا باهظة جدا ولن يمكننا حماية أنفسنا من اعتداءات العدو الإسرائيلي.