ما زالت
الاشتباكات التي شهدتها بلدة بينت جن السورية تثير المزيد من التساؤلات
والمخاوف الاسرائيلية من نشوء جبهة مقاومة مسلحة متنامية في الجنوب السوري، لأنها
تذكّر الجيش بأنماط العمل التي يعرفها في الضفة الغربية، حيث خلايا المقاومة
الفلسطينية، مع ترجيح أن تُؤدي كل خطوة إسرائيلية في الداخل السوري إلى ردود فعل
عنيفة، وتُعزّز العناصر المعادية لها.
وذكر أمير
بار شالوم محرر الشئون العسكرية في موقع زمان إسرائيل، أن "قرية
بيت جن،
الواقعة عند سفح جبل الشيخ، ذات أغلبية سنية، وبعض سكانها من أصل فلسطيني، وخلال
العام الماضي، نفذ الجيش عمليات فيه عدة مرات، حتى أنها قتلت ناشطًا من
حماس من الجو، ناقلا عن ضابط كبير أنه وفقًا لمعلومات استخباراتية تلقاها مؤخرًا،
بدأت الجماعة الإسلامية في بناء بنية تحتية في القرية، التي تأسست في
لبنان على يد علماء دين سُنة، وبعضهم لاجئون فلسطينيون، وتتعاون مع حزب الله منذ
عدة سنوات".
وأضاف
في
مقال ترجمته "عربي21" أن "الإسرائيليين
يشتبهون بأن مسلحي الجماعة موجودون بسبب
الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي السورية،
ولعل الأصل المشترك، والتقارب الأيديولوجي، تُبذل جهود لإنشاء بنية تحتية تعمل تحت
مظلة نظام أحمد
الشرع ضد إسرائيل، وهذه هي خلفية النشاط المكثف للجيش في
المنطقة خلال الأشهر الأخيرة".
وأشار إلى أنه "علاوة على ذلك، فإن قرية بيت جن، التي يبلغ عدد سكانها 3000 نسمة، أثارت
قلقًا بالغًا لدى الدروز، سواء خلال سنوات الثورة، أو حتى بعد سقوط نظام الأسد،
عندما كان الوضع في الجولان السوري لا يزال غامضًا وفوضويًا، وقد اتضح الآن أن بعض
سكانها ينشطون حاليًا في جهاز الأمن العام التابع لنظام الشرع، ووفقًا لمصادر إسرائيلية،
فإنهم منخرطون أيضًا في أنشطة الجماعة الإسلامية اللبنانية".
وأوضح شالوم أنه "في ضوء العواقب الوخيمة لحادث إطلاق النار الأخير، لابد من طرح السؤال
هل تستطيع إسرائيل استنساخ أنماط عملها في الضفة الغربية إلى داخل
سوريا، وهل
عمليات الاعتقال و"جزّ العشب" مناسبة هنا، وهي تُنفَّذ على أراضي دولة
يعترف العالم بسيادتها، رغم أنه ثمة خطرٌ من هوسٍ أيديولوجي إسرائيلي بالغ الخطورة،
ولذلك فإن المنطق السوري ليس كذلك، لأن المنطق الفلسطيني، ومستوى السيطرة التي يتمتع
بها الجيش في قطاع غزة والضفة الغربية، لا يُشبهان إطلاقًا الوضع في سوريا".
وأكد الكاتب أن "سوريا دولة يبلغ عدد سكانها 24 مليون نسمة، لا تطل إسرائيل إلا على
جزء صغير من حدودها، وفي فسيفساء طائفية تُملي واقعًا مختلفًا تمامًا عن الواقع
الفلسطيني، وشبكة المصالح في سوريا، خاصةً اليوم في ظل حكم الشرع، مُعقَّدة،
وتتطلب حذرًا إسرائيلياً بالغًا، وإن احتضان طرفٍ واحد قد يُؤثِّر على الأقليات الأخرى،
وبالتالي فإن إسرائيل، بنمط نشاطها الحالي، تبني في الواقع حزب الله السوري".
وأوضح شالوم أن "متابعة مجموعات تيليجرام السورية، يكشف عن ظاهرة في الأشهر الأخيرة ظاهرة
تعتبر خطيرة للغاية، حيث يسود فيها خطاب يبدأ بعنوان "الاحتلال
الإسرائيلي"، ولعل استخدام هذا المصطلح يشير إلى اتجاه يجب على إسرائيل مراعاته، وتؤكد جولة سريعة على حسابات "إكس" هذا الكلام، فالصورة التي
تتضح في سوريا في ضوء النشاط الإسرائيلي، وجمود المفاوضات السياسية بشأن الترتيبات
الأمنية الجديدة هي صورة إعادة تشكيل واقع قائم، واستبداله".
تشير
هذه القراءة الإسرائيلية القلقة إلى أن دولة الاحتلال يجب عليها أن تُدرك هذا
التعقيد الناشئ في الدولة السورية، الذي قد يصفه البعض بالخطر، وقد يكون حافزًا
كبيرًا لعملية "لبننة" لمرتفعات الجولان السورية، وكل هذا قد يحدث أسرع
بكثير مما حدث في جنوب لبنان عام ١٩٨٢، وهذا الخطر الذي ينتظر الاحتلال.