صحافة إسرائيلية

هآرتس: الشرع حقق انتصارات دبلوماسية لسوريا.. والاختبار الحقيقي يبدأ داخل سوريا

ثلاثة مناهج تعليمية متناقضة في المؤسسة التربوية السورية- جيتي
نشرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية تقريرا مطولا تناول ما وصفته بـ"الانتصارات الدبلوماسية الكبرى" التي حققها الرئيس السوري أحمد الشرع، لكنها اعتبرت أن الاختبار الحقيقي يبدأ داخل سوريا، حيث تتراكم تحديات إعادة البناء وإصلاح مؤسسات الدولة بعد الحرب.

وأوضح التقرير أن محافظ مصرف سوريا المركزي، عبد القادر حصرية، قال في بيان، الخميس "أرسلنا رسالة تهنئة إلى جميع البنوك الدولية التي نتعامل معها. بدأنا بالاحتياطي الفيدرالي. ونؤكد لهم أننا عدنا إلى النظام المالي الدولي ونتوقع علاقات تجارية طويلة الأمد".

كما يأمل الرئيس أحمد الشرع، بإطلاق بداية عهد جديد تصبح فيه سوريا أرضا خصبة للفرص. 

وفي 1ات الوقت، تلقت دمشق إخطارا من برايان ماست، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي وأحد أبرز معارضي رفع العقوبات، بأنه سيؤيد رفع العقوبات بشكل دائم شريطة وجود آلية لإعادة فرضها عند أي خرق سوري للالتزامات.

وذكرت "هآرتس" أن مجلس النواب سيصوت مطلع كانون الأول/ديسمبر على الرفع النهائي للعقوبات، وهو ما قد يفتح الباب أمام تدفق واسع للأموال، في وقت وعدت فيه السعودية باستثمارات تتجاوز 6 مليارات دولار، وتقوم قطر بالفعل بنقل النفط والغاز إلى سوريا، بينما وقّعت الإمارات صفقة بقيمة 800 مليون دولار لإعادة إعمار وإدارة موانئ على البحر المتوسط. كما بدأ الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي إعداد خطط لإعادة الإعمار وتقديم مساعدات كبيرة.


مع ذلك، تشدد الصحيفة على أن سوريا تقف أمام "هاوية لا قرار لها"، إذ يقدر البنك الدولي أضرار الحرب بـ215 مليار دولار، وهو رقم هائل يتطلب إزالة الفساد وإعادة بناء منظومات كاملة، خصوصا البنية التحتية، والنظام المصرفي الذي كان يدار سابقا كأداة بيد عائلة الأسد.

وتشير الصحيفة إلى أن سوريا تحتاج تشريعات جديدة لمكافحة غسل الأموال، وآليات رقابة شفافة لتوقيع العقود وتحويل الأموال، تجنباً لتجارب العراق وأفغانستان التي شهدت ضياع مبالغ تُقدّر بمئات المليارات دون رقابة.

وترى "هآرتس" أن الحكومة السورية مطالبة بإصلاحات واسعة تشمل حقوق الإنسان وحقوق الأقليات، وإعادة بناء القضاء، والاستعداد لإعادة توطين نحو ستة ملايين لاجئ خارج البلاد، إضافة إلى ملايين النازحين داخليا، كما يمثل التعليم التحدي الأبرز، حيث ما زال أكثر من 2.4 مليون طفل خارج المدارس وفق تقديرات الأمم المتحدة عام 2024، بينما تستمر معاناة المدارس من نقص الكوادر والكتب والمواد الأساسية، فضلا عن غياب الكهرباء والإنترنت في مناطق واسعة، ما يجعل تحميل الكتب المدرسية عبر التطبيق الحكومي أمرا شبه مستحيل.


وتفتقر المدارس في سوريا إلى قرابة 80 ألف معلم، فيما دمر نصفها أو بات غير صالح للتدريس.

وقد تدخلت قطر الشهر الماضي ووزعت 680 ألف كتاب مدرسي، يتركز معظمها في شمال البلاد، بينما تساعد تركيا في تنظيم الأنظمة التعليمية بما يناسب سوق العمل.

وتبرز المشكلة الأعمق، كما أشارت الصحيفة، هي وجود ثلاثة أنظمة تعليمية مختلفة: منهج حكومي بعثي، ومنهج كردي مستقل، ومنهج إسلامي كانت تفرضه هيئة تحرير الشام في إدلب.

وفي كانون الثاني/يناير الماضي، بدأ النظام "تطهير" المناهج من رموز عهد الأسد، عبر إزالة صوره وشعاراته ودروس التاريخ التي تصف "الاحتلال العثماني"، إضافة إلى حذف النشيد الوطني ودروس "الوعي الوطني".

وأكدت "هآرتس" أن هذه الخطوة لم تتبعها صياغة مناهج حديثة قادرة على تزويد الطلاب بمهارات عصرية، ما يترك فجوة تربوية كبيرة ضمن جيل كامل تضرّر من الحرب.

ولفتت الصحيفة إلى أن مشاريع البنية التحتية، كإعادة تعبيد الطرق وبناء مئات آلاف المنازل، وإعادة النظام الصحي والاتصالات والكهرباء، رغم كلفتها الهائلة، أقل حساسية من ملف التعليم الذي سيكشف التوجه الأيديولوجي للنظام الجديد، وقد يسبب صداماً بين التيارات المختلفة في البلاد.

وأعتبر تقرير "هآرتس" أن الشرع نجح دبلوماسيا في بناء شبكة دعم تضم السعودية وقطر وتركيا، إلى جانب الولايات المتحدة، ما منحه شرعية دولية وغطاء ماليا، لكنه سيُختبر الآن في الداخل من خلال سياساته التربوية، وتشريعاته، ومكافحته التطرف، ومدى قدرته على تقديم أدلة عملية تطمئن هذه الدول حول مستقبل سوريا واتجاهها السياسي.


ونوهت الصحيفة أن شدة غضب بنيامين نتنياهو من عودة الشرع من واشنطن "منتفخا"، كما وصفته، تمثل أوضح مؤشر على انعدام الثقة الإسرائيلي بالنظام الجديد، وتضيف أن تصريحات نتنياهو ليست فقط انتقادا للترتيبات الأمنية، بل أيضا "تعبيرا لاذعا عن سذاجة ترامب" في نظره، لاعتباره أن الشرع استطاع التخلص من إرث الجهادية بسهولة.

وأكدت "هآرتس" أن السعودية والإمارات وتركيا، رغم مواقفها الصارمة تجاه الإسلام السياسي، لم تكن لتمنح دعمها لشخص تظن أنه يسعى لبناء دولة جهادية بحسب تعبيرها، لأن ذلك يهدد المنطقة بأسرها.

لذلك قدمت هذه الدول لترامب ضمانات بـ"حسن سلوك الشرع"، وهي ضمانات توجه عمليا إلى إسرائيل أيضا، وينتظر العالم الآن بحسب الصحيفة دليلا عمليا على التزام الشرع، لأن خطاباته وحدها لن تكفي، وأن سياساته الداخلية ستكون العامل الحاسم في تحديد مقدار الثقة التي يمكن منحه إياها في أي ترتيبات أمنية مقبلة.