نشرت وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية
تقريرًا تناول التحديات التي يواجهها ولي العهد السعودي محمد
بن سلمان في تحويل وعود الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب إلى مكاسب سياسية وإستراتيجية ثابتة، وذلك بعد زيارته إلى واشنطن التي أسفرت عن بعض التعهدات الأمريكية أبرزها منح
السعودية صفة "حليف رئيسي من خارج الناتو"، والموافقة على صفقة مقاتلات إف-35، إلى جانب تعزيز التعاون في مجالات الذكاء الاصطناعي والطاقة النووية والمعادن الحيوية.
وذكرت الوكالة في التقرير ترجمته "عربي 21"، أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان حظي الأسبوع الماضي باستقبال رسمي لافت في البيت الأبيض، ترافق مع سلسلة من التعهدات من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في مشهد يعكس تقاربًا بدا أنه يعمّق العلاقة بين البلدين.
وأوضح التقرير أن التحدي الأكبر أمام بن سلمان، البالغ من العمر أربعين عامًا، يتمثل في كيفية الاستفادة من هذا التقارب بعد انتهاء ولاية ترامب.
وأفاد أن قائمة المكاسب كانت طويلة؛ إذ مُنحت السعودية صفة "حليف رئيسي من خارج الناتو" إلى جانب إسرائيل وقطر ومصر، فيما وافق ترامب على بيع الطائرات المقاتلات إف-35 المتطورة للمملكة الغنية بالنفط ضمن اتفاق أوسع لتعزيز التعاون العسكري. كما صادقت واشنطن على بيع رقائق الذكاء الاصطناعي للسعودية، وكان هناك تقدم في مجالات الطاقة النووية والمعادن الحيوية.
وتستند هذه المكاسب إلى علاقة تمتد لأكثر من 80 عاما، وتنقلها إلى ما هو أبعد من النفط الذي شكّل الركيزة التقليدية للعلاقات الثنائية. غير أن النتائج لم ترقَ إلى مستوى الصفقات القوية التي كان المسؤولون السعوديون يسعون إليها خلال مفاوضات مطوّلة وشديدة التوتر أحيانًا مع نظرائهم الأمريكيين قبل الزيارة، مما يشير إلى أن هناك المزيد من العمل الذي يتعين القيام به.
وتزداد مهمة ولي العهد السعودي تعقيدا بسبب تحفظات العديد من أعضاء الكونغرس على منحه التزامات صارمة، إذ يعتبر كثيرون أن ذلك لا يخدم المصالح الأمريكية وفقا للوكالة.
وقد برزت هذه الشكوك في المكتب البيضاوي يوم الثلاثاء، عندما برأ ترامب محمد بن سلمان من التورط في مقتل الصحفي جمال خاشقجي عام 2018، رغم تقرير استخباراتي أمريكي أشار إلى تورطه.
وقال آرون ديفيد ميلر، المسؤول السابق في الخارجية الأمريكية والزميل في مؤسسة كارنيغي، إن كل العوامل التي تجعل السعودية شريكًا إشكاليًا ما زالت قائمة وستظهر مع محاولة تحويل الزيارة الاستعراضية إلى نتائج عملية، مؤكدًا أن الأمر لن يقتصر على واشنطن.
اظهار أخبار متعلقة
قلق إسرائيلي
وقالت الوكالة إن هناك قلقًا متزايدًا في إسرائيل بشأن تعهد ترامب ببيع معدات عسكرية متطورة للسعودية، بما في ذلك مقاتلات إف-35، من دون إحراز تقدم ملموس في قضية التطبيع مع الدولة العبرية.
وأفادت أن الباحث الإسرائيلي في معهد واشنطن، إيهود يعاري، اعتبر أن "مكافآت الانضمام إلى اتفاقيات إبراهيم قد مُنحت بالفعل"، في إشارة إلى اتفاق 2020 بين إسرائيل والإمارات ودول أخرى، مضيفًا أن السعوديين "بعد زيارتهم لم يعودوا في عجلة من أمرهم".
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إنه تحدث مطولًا مع وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو يوم الأربعاء، وتلقى تأكيدات بأن إسرائيل ستحتفظ بما يُعرف بـ"تفوقها العسكري النوعي" في الشرق الأوسط من حيث الأسلحة وأنظمة القتال.
وأضاف نتنياهو في مقابلة يوم الخميس مع قناة "أبو علي إكسبرس" على تليغرام أن "التقرير الذي تلقيته عن الاجتماع يُظهر أنه لم يحصل تمامًا على كل ما أراد، ولن أخوض في التفاصيل"، في إشارة إلى محمد بن سلمان.
اظهار أخبار متعلقة
ونقلت الوكالة عن السفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل، دانيال شابيرو، قوله إن ترامب امتنع عن منح السعوديين مطلبين رئيسيين يمكن ربطهما بالتطبيع المحتمل مع إسرائيل، وهما: معاهدة دفاع متبادل كاملة وملزمة، بدلاً من الاتفاق الدفاعي الإستراتيجي الأمريكي والسعودي المقتضب الذي أُعلن عنه يوم الثلاثاء، واتفاقية للطاقة النووية المدنية تسمح بتخصيب اليورانيوم على الأراضي السعودية تحت إشراف أمريكي، كما ظلّت قضية الدولة الفلسطينية، كما هو الحال دائمًا، العقبة الرئيسية.
وفيما يتعلق بمقاتلات إف-35، قال شابيرو إن الصفقة تتطلب مراجعة لتأثيرها على التفويض القانوني الأمريكي بالحفاظ على التفوق العسكري لإسرائيل، مضيفًا أن هناك شروطًا صارمة ستُفرض لمنع الصين، التي تتنامى علاقاتها مع الرياض، من الوصول إلى هذه التكنولوجيا.
وذكرت أن السيناتور الديمقراطي كريس ميرفي من ولاية كونيتيكت كان من بين الأصوات المعارضة للتقارب مع ولي العهد السعودي. وقال عبر إنستغرام الخميس إن العلاقة مع السعودية "صفقة تجارية"، موضحة أن ترامب يمنحها امتيازات أمنية حساسة تشمل التكنولوجيا والأسلحة، فيما يجعل السعوديون ترامب أكثر ثراءً.
وقال الناشط الحقوقي السعودي عبدالله العودة، المقيم في واشنطن، إنه التقى هو وشخصيات معارضة سعودية أخرى بأعضاء في الكونغرس من الحزبين لحثهم على دعم ما وصفه بـ"قرار خاشقجي"، الذي يلزم الحكومة السعودية بملاحقة من اعتبرهم المخططين للجريمة.
وأضاف العودة في مقابلة: "أنا متفائل، لكنني لست ساذجًا، لأنني أعلم أن الحكومة السعودية تملك اليد العليا من حيث المال والقوة والنفوذ، لكن ما نملكه هو الرواية الصحيحة التي نعتقد أنها تمثل الشعب السعودي وتخدم أيضًا الرأي العام الأمريكي."
ومع ذلك، هناك الكثيرون في
الولايات المتحدة، سواء في الحكومة أو مجتمع الأعمال، يعتقدون أن تعميق الروابط الاقتصادية والسياسية والعسكرية مع السعودية فرصة لا ينبغي تفويتها، بغض النظر عن ملف حقوق الإنسان بحسب التقرير.
وقال علي طلبة، المدير التنفيذي في شركة "ماكلارتي أسوشيتس" بواشنطن، إن هناك "توافقًا جوهريًا" بين المصالح الأمنية للسعودية والولايات المتحدة، التقليدية منها والمتطورة، في إشارة إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي والمعادن الحيوية.
واختتمت الوكالة بقول طلبة، خلال ندوة عن العلاقات الأمريكية-السعودية في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، إن مسؤولين سعوديين أبلغوه بوجود تفاصيل إضافية في الاتفاقات لم يُعلن عنها عمدًا، وأن ولي العهد يأمل أن تصمد التعهدات التي حصل عليها من ترامب بعد انتهاء ولايته.