نشرت صحيفة "
يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، تقريرا تحليليا يتناول الأزمة المتصاعدة التي يواجهها الرئيس دونالد
ترامب في خضم الكشف عن آلاف رسائل البريد الإلكتروني والنصوص العائدة للملياردير المتهم بالاستغلال الجنسي للقاصرات، جيفري إبستين.
هذه الرسائل، التي أصبحت علنية الأسبوع الماضي، لم تكتفِ بكشف شبكة علاقات إبستين العالمية المروعة فحسب، بل نجحت في إحراج ترامب بشكل غير مسبوق، إذ تكرر اسمه فيها 1670 مرة.
الأهم من ذلك بحسب التقرير أن هناك إشارة إلى تناقض صارخ في موقف ترامب؛ فبينما كان يتعهد سابقاً بنشر ملفات التحقيق الخاصة بإبستين – متظاهراً بأنه "المُنقذ" الذي سيحارب "الشر الليبرالي" – فإنه يحاول اليوم بشتى الطرق طمس القضية التي لطالما كانت وقوداً لأنصاره.
"الرئيس كان يعرف"
التقرير سلّط الضوء على تطورات مفاجئة، أبرزها الكشف عن علاقة وثيقة كانت مجهولة للعلن بين إبستين وستيف بانون، المستشار الأقرب لترامب الذي صاغ استراتيجيته الرئاسية عام 2016. ففي حزيران/ يونيو 2019، وقبل أسبوع واحد فقط من اعتقال إبستين في نيويورك بعد هبوط طائرته القادمة من باريس، أرسل رسالة نصية لبانون قال فيها: "الآن يمكنك أن تفهم لماذا يستيقظ ترامب وسط الليل وهو يتعرق حين يسمع بأنك وأنا أصدقاء".
بعد شهر من تلك الرسالة، عُثر على إبستين مشنوقاً في زنزانته في سجن مانهاتن. ورغم أن سبب الوفاة الرسمي كان الانتحار، إلا أن التقرير لفت إلى الشكوك التي حاصرت الرواية الرسمية. فقد تبيّن لاحقاً أن كاميرتين أمام زنزانته لم تعملَا ليلة وفاته، كما خالف السجّانان المسؤولان عن مراقبته التعليمات، ثم وُجهت لهما تهم بتزوير سجلات السجن، مما عزز القناعة لدى قطاع كبير من أنصار ترامب بأن القضية لم تُغلق بعد.
القاعدة الجماهيرية في حيرة
بالنسبة لملايين الأمريكيين، خاصةً من أنصار ترامب، كان الرئيس يمثل البطل المختار لمحاربة "الشر" وكشف شبكات استغلال الأطفال، وهي قناعة تغذيها نظرية المؤامرة الشهيرة "الكابل". هؤلاء الأنصار كانوا مستعدين لتبرير أحداث اقتحام الكونغرس في 6 يناير من أجل "الهدف الأسمى": الكشف عن "الاستغلال الجنسي الليبرالي" بنشر ملفات إبستين، بحسب تقرير "يديعوت".
لذا، جاءت الصدمة عنيفة عندما اكتشف أولئك الذين جعلوا من نشر الملفات هدفاً لحياتهم، أن ترامب نفسه: أولاً، لا يريد نشر الملفات؛ وثانياً، اسمه يظهر فيها 1670 مرة.
التقرير أشار إلى التراجع الدراماتيكي لشخصيات بارزة في فريق ترامب. فـ"بام بوندي"، المدعية العامة، تراجعت 180 درجة عن وعدها بنشر الملفات فور توليها المنصب. وكاش باتل، رئيس الـFBI ونجم عالم MAGA، اختفى تماماً عن الأنظار رغم وعوده السابقة. هذا التغير المفاجئ أثار الشكوك حول ما إذا كان ترامب يعلم جيداً بما كان يفعله إبستين.
هوس "تحسين النسل"
الـ 2300 سلسلة بريد إلكتروني التي نُشرت كشفت أول صورة واضحة لشبكة علاقات إبستين، الذي كان يدير شبكة اتجار جنسي مروّعة دون أن يردعه ذلك عن مواصلة علاقاته مع أقوياء العالم.
الرسائل كشفت عن دوره كـ"سمسار" بين الأقوياء ووكيل سفرهم، بل وذكر التقرير أنه كان يبيع معلوماته لروسيا. وقد كشفت مراسلاته مع شخصيات إعلامية عن محاولاته التلاعب بتغطية علاقته بترامب، حيث نصحه أحد الصحفيين بأن "يدعه يوقع نفسه في الفخ" ليخلق له ديناً تجاهه.
كما أبرز التقرير علاقة صداقة وثيقة ومجهولة للجمهور بين إبستين وبانون، حيث كان إبستين يقدم النصائح لبانون حول كيفية نشر حركة MAGA اليمينية في أوروبا، مقترحاً ترتيب لقاءات له مع "قادة الدول". هذه العلاقة ألقت بظلال جديدة حول مدى تورط الدائرة المقربة من ترامب.
على صعيد آخر، أظهرت الرسائل هوس إبستين بأفكار "تحسين النسل" (الأوجينيكا) عبر الهندسة الوراثية، وعلاقاته بالجماعات اليمينية المتطرفة، بالإضافة إلى مراسلات مع شخصيات دبلوماسية وسياسية عالمية، منهم مهندس اتفاق أوسلو تِريه رود-لارسن، والوزير الإماراتي أحمد بن سليّم، ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك (ذُكر اسمه مرة واحدة)، ورغبة إبستين في تقديم "رؤى" لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قبل قمة ترامب–بوتين في هلسنكي 2018.
ماكسويل تحمي ترامب
القسم الأخطر في التقرير تمحور حول غيلاين ماكسويل، شريكة إبستين المدانة. فقد التقت ماكسويل في تموز/ يوليو الماضي بنائب المدعي العام تود بلانش، المحامي الشخصي السابق لترامب، وقدمت شهادة رسمية قالت فيها: "لم أر الرئيس يومًا في منزل إبستين، ولم أشاهده في أي سلوك غير لائق أبدًا".
إلا أن التقرير كشف عن رسالة من إبستين لماكسويل عام 2011 يقول فيها إن ضحية "أمضت ساعات" مع ترامب في منزله، وأن اسمه "لم يُذكر إطلاقاً" في التحقيقات، واصفاً إياه بـ "الكلب الذي لم ينبح". هذا التناقض الصارخ بين الرسالة وشهادتها أثار موجة من التساؤلات.
قال تقرير "يديعوت" إنه لم يزد الطين إلا بلّة النقل المفاجئ لماكسويل، بعد أيام من شهادتها "المنظّفة" لصالح ترامب، من سجنها إلى منشأة في تكساس توفر منشآت رياضية، ودروس يوغا، وإمكانية اللعب مع جِراء الكلاب، وخدمات دينية.
وهو ما وصفه التقرير بأنه سجن "يشبه نادياً ريفياً فاخراً"، في خطوة يرى كثيرون أنها تمهيد لاحتمال حصول ماكسويل على عفو رئاسي من ترامب، مما سيشكل "أصعب اختبار" لمقولته الشهيرة حول إمكانية إطلاقه النار في الشارع دون أن يفقد مؤيديه.