ملفات وتقارير

ما دوافع تصريحات الرئيس الإرتيري بشأن عسكرة جنوب البحر الأحمر؟

تحذيرات إريتريا متكررة من نشر قواعد في جزر البحر الأحمر- جيتي
أثارت تصريحات الرئيس الإرتيري، إسياس أفورقي الأخيرة، التي حذر فيها من "عسكرة جنوب البحر الأحمر" وإنشاء قواعد عسكرية في جزر يمنية، أسئلة عدة عن دوافع أسمرة من وراء هذا الموقف؟ وما أبعاد ذلك؟

ومنتصف تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، حذّر الرئيس أفورقي، من محاولة "قوى خارجية"، لم يسمها، ترسيخ مواقع هيمنة في المنطقة، من خلال إنشاء قواعد عسكرية في جزر سقطرى وميون وزقر في اليمن.

وقال أفورقي في مقابلة مع التلفزيون الإرتيري، أن ما يثير القلق اليوم هو محاولة قوى خارجية ترسيخ مواقع هيمنة في هذه المنطقة تحديدًا، متابعا قوله : "هناك جهود لإنشاء قواعد في سقطرى – وهي جزء من اليمن- وبالمثل، محاولات لبناء قواعد في جزيرتي ميون وزقر جنوب البحر الأحمر في مضيق باب المندب".

وأوضح "بالنظر إلى هذه الجغرافيا – من سقطرى إلى ميون – ومحاولات بلقنة الصومال، يتضح أن الهدف النهائي هو تهيئة مناخ ملائم لإنشاء قواعد عسكرية أجنبية في تلك المنطقة لتحقيق أهداف سياسية معينة".

واعتبر أن عدم الاستقرار في اليمن ينبع أساسا "من طموح القوى العالمية لترسيخ وجود عسكري".

وقال أيضا، إن هذه المؤامرات تشكل خطرا مستمرا على البحر الأحمر وخليج عدن وسواحل المحيط الهندي، مشددا على أن هذا الأمر يتطلب جهودا إقليمية ومحلية منسقة لدرء التهديدات المحدقة.
وأردف : "وحتى في غياب اتفاق إقليمي شامل بشأن البحر الأحمر وخليج عدن وسواحل المحيط الهندي، فإن حتمية تعزيز الاستقرار الإقليمي لا جدال فيها".


إشعار بخطر استراتيجي
وفي السياق، قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء، عادل الشجاع أن تصريحات أفورقي يمكن التعاطي معها على أنها "إشعار بخطر استراتيجي جاد".

وأضاف الشجاع في حديث خاص لـ"عربي21" أن تصريحات أفورقي تشكل إنذارًا ملموسًا من دولة إقليمية ذات موقع محوري على البحر الأحمر، مشيرا إلى أن التحذير من إنشاء قواعد عسكرية أجنبية في جزر سقطرى وميون وزقر اليمنية يعكس رؤية إريترية تقول :"إن هذه الجزر ليست مجرد أراضٍ يمنية، بل مفاتيح استراتيجية لأمن الممرات البحرية التي تربط الشرق والغرب".

وبحسب الاكاديمي والسياسي اليمني فإنه إذا تمكنت قوى خارجية من إقامة قواعد عسكرية في هذه الجزر، فهذا قد يؤدي إلى عسكرة أكبر للمنطقة، وفتح مجال لتنافس بين قوى إقليمية ودولية، ولذلك يرى أفورقي أن ذلك يشكل تهديدًا مباشرًا على أمن الملاحة البحرية، وقد يستفز نزاعات بين الدول المطلة على البحر الأحمر.

وأكد على أن أفورقي لا يكتفي بالتحذير، بل يعرض بديلًا : "تأسيس آلية تعاونية بين الدول الساحلية (إريتريا، اليمن، مصر، وربما دول أخرى) بعيدا عن التدخل الأجنبي".

وقال إن هذا الطرح يعكس رغبته في إدارة أمن الممر البحري من قبل أصحاب المصلحة المحليين، مما قد يعزز من دور الدول الإقليمية باعتبارها ضامنة لأمنها بدلًا من الاعتماد على قوى خارجية.

أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء، أوضح أن الاستقرار اليمني ليس فقط شأن داخلي لليمن، من وجهة نظر إريترية، بل أيضًا مرتبط بمحاولات دولية للتموضع العسكري...وإنها تلميحات إلى أن بعض القوى تستغل الفوضى اليمنية لإقامة قواعد عسكرية استراتيجية. 

ولفت الاكاديمي الشجاع إلى أن تصريحات أفورقي يضفي بعدًا دوليًا إضافيًا للنزاع حول الجزر اليمنية، وقد يدعم دعاوى البعض داخل اليمن الذين يعارضون عسكرة الجزر من قوى خارجية.

وقال إن هذا التحذير الإريتري قد يدفع دولًا ساحلية أخرى إلى إعادة تقييم تحالفاتها ومواقفها الأمنية بشأن البحر الأحمر. ومن الممكن أن يعزز ذلك من التنسيق بين دول مثل مصر، إريتريا، اليمن، وربما دول القرن الإفريقي، لتأسيس استراتيجية مشتركة لمواجهة أي "عسكرة قادمة من قوى دولية".

كما اعتبر أن موقف أسمرة بمثابة دق ناقوس التوازن الإقليمي، وأن تصريحات رئيسها، قد تدخل في سياق "مناورة استراتيجية" — فهي تبرز التوتر بين مبدأ السيادة الإقليمية مقابل التمدد العسكري الدولي، وتعيد إلى الواجهة نقاش من يجب أن يضمن أمن الممرات البحرية  القوى الإقليمية أم القوى الكبرى؟

ومضى قائلا : إذا لم تؤخذ هذه التحذيرات بجدية، فإن احتمال تصعيد عسكرة الجزر قد يتحول إلى سباق تسليحي إقليمي، وربما مواجهة دبلوماسية أو عسكرية، خاصة إذا تحركت قوى خارجية بالفعل لتأسيس قواعد فعلية، ستؤدي إلى صراع بين قوى دولية وسيشكل ذلك خطرا على أمن وسلامة البحر الأحمر.


رسائل سياسية
من جانبه، رأى الإعلامي والكاتب اليمني، أحمد الشلفي أن تصريحات الرئيس الإريتري مهمة ولا يمكن تجاوزها  فهو لم يطرح في مقابلته الأخير للتلفزيون الأريتري مواقف عادية، بل قدّم واحدة من أوضح الرسائل السياسية التي صدرت من رئيس لدولة من دول البحر الأحمر خلال السنوات الأخيرة، واضعًا اليمن في قلب المعادلة، معتبرا الجزر اليمنية نقطة البداية لفهم ما يجري في الممر البحري الأكثر حساسية في العالم.

وأضاف الشلفي في منشور عبر "فيسبوك" أن تصريحات أفورقي جاءت بعد زيارته لمصر، وكان لافتا إشاراته المباشرة والمكثفة إلى اليمن، وإلى الجزر اليمنية تحديدًا، باعتبارها مركز التحولات الجيوسياسية في البحر الأحمر وخليج عدن.

وبحسب الإعلامي اليمني فإن موقف الرئيس الإرتيري يوحي أن مستقبل البحر الأحمر يُرسم اليوم في سقطرى وميون وزقر اليمنية حيث يتقاطع الصراع على الجغرافيا مع صراع النفوذ الدولي.

وأشار إلى أن حديث  أفورقي المباشرعن محاولات إنشاء قواعد عسكرية أجنبية في هذه الجزر، واعتبارها تدخلات غير قانونية ولا تخدم استقرار البحر الأحمر.

وقال الشلفي إن تأكيدات الزعيم الأفريقي أن عدم الاستقرار في اليمن ليس حدثًا داخليًا معزولًا، بل نتيجة لطموح قوى عالمية وإقليمية تريد ترسيخ وجود عسكري طويل الأمد في موقع يتحكم بالملاحة العالمية.

وأردف: "للمرة الأولى، يربط رئيس دولة مطلة على البحر الأحمر بين الأزمة اليمنية وبين مشروع عسكرة الممر البحري، في إشارة واضحة إلى خطورة ما يجري على ضفتي المضيق الاستراتيجي".

وأوضح أن رؤية أسمرة أن البحر الأحمر من اليمن إلى كامل المنطقة المرتبطة به: باب المندب، خليج عدن، سواحل الصومال، والساحل الإريتري نفسه أن هذه الجغرافيا منظومة واحدة لا يمكن فصلها؛ وأن أي عسكرة للجزر اليمنية تمثل تهديدًا مباشرًا لإريتريا ومصر والصومال، وللأمن البحري الإقليمي برمته.

وأوضح الإعلامي الشلفي أن أفورقي وضع اليمن في قلب الصورة، وقدّم عبره قراءة لما يجري في البحر الأحمر: جغرافيا يُراد لها أن تُستباح، عبر عسكرتها، ودول ساحلية تُدفع خارج دورها الطبيعي في حماية واحد من أهم الممرات المائية في العالم.

وأواخر أكتوبر/تشرين أول الماضي، كشف مصدر عسكري مسؤول عن نشاط كبير وواسع لقوات أجنبية في منطقة الساحل الغربي التابع لمحافظتي تعز و الحديدة الساحليتين على البحر الأحمر، جنوب غربي وغربي اليمن.

وقال المصدر المسؤول الذي اشترط عدم ذكر اسمه لـ"عربي 21" إن قوات أجنبية من جنسيات مختلفة تنشط بكثافة مؤخرا في المناطق الساحلية الممتد باب المندب، حيث ممر الملاحة الدولية مرورا بمدينة المخا الاستراتيجية غربي محافظة تعز وصولا إلى مدينة الخوخة الساحلية جنوبي محافظة الحديدة التي تخضع معظم مناطقها لسيطرة جماعة الحوثيين.

وأضاف أن هذه القوات من جنسيات "أمريكية وكولومبية وإسرائيلية" وبحضور شركات أمنية من بينها "بلاك ووتر الأمريكية"، تتمركز في منطقة جبل النار بمدينة المخا، وتشرف على القوات المحلية المنتشرة هناك والمسماه "القوات المشتركة" التي يقودها نجل شقيق الرئيس اليمني الراحل، العميد طارق صالح.

ونشرت وكالات أنباء صورًا لأقمار صناعية تؤكد قطع خطوات متقدمة في إنشاء قواعد عسكرية في كل من جزيرة عبد الكوري في أرخبيل سقطرى على المحيط الهندي، وجزيرتي ميون وزقر على البحر الأحمر؛ وهي ثلاث جزر يمنيّة هامة.

ومنذ سنوات، نشطت أبوظبي في تشييد عدد من المطارات على طول الساحل الغربي من اليمن بدءا بجزيرة ميون في قلب باب المندب، مرورا بمدينة المخا الاستراتيجية، حيث تم تشييد مطارا لاستقبال الطائرات الكبيرة. فيما بدأت الدولة الخليجية بإشراف أمريكي وإسرائيلي على بناء مطار جديد في جزيرة زقر في البحر الأحمر.