قال الباحث
الإسرائيلي راز زيميت، رئيس برنامج
إيران والمحور الشيعي في معهد دراسات الأمن القومي، وباحث في مركز التحالف للدراسات الإيرانية في جامعة تل أبيب، إن "التهديد الإيراني ما زال قائما ولن يختفي في أي مكان"، مشيرا إلى أنه يجب الافتراض أن "إضعاف إيران ليس بالضرورة عملية لا رجعة فيها"، وأن على إسرائيل أن تستعد لاحتمال اندلاع جولة جديدة من القتال ضد إيران، خاصة إذا استعادت قدراتها النووية، مع مواصلة الإجراءات التنفيذية لمنع إعادة بناء المحور الموالي لطهران بقيادة حزب الله.
وأشرا الباحث في مقال لصحيفة "يديعوت أحرنوت" إلى أن تقارير عديدة وردت خلال الأيام الأخيرة تؤكد أن إيران لا تنوي التخلي عن سياستها الإقليمية رغم الضربات التي تلقتها هي ووكلاؤها خلال العامين الماضيين، وخصوصا بعد حرب الأيام الإثني عشر في حزيران/يونيو 2025.
وأوضح زيميت أن رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، كشف في مقابلة مع وكالة "أسوشيتد برس" أن مفتشي الوكالة، الذين مُنعوا من دخول إيران منذ اندلاع الحرب، رصدوا من خلال صور الأقمار الصناعية "تحركات" في مواقع تخزين مخزون اليورانيوم المخصب بنسبة 60 بالمئة، والذي لا يزال موجودا رغم الضربات التي استهدفت المنشآت النووية الإيرانية.
وأضاف أنه رغم عدم وجود دليل في الوقت الراهن على سعي طهران لاستعادة قدرات التخصيب التي تضررت خلال الحرب، فإن من غير المستبعد أن تحاول استخدام اليورانيوم المتبقي لديها للتقدم سرا نحو إنتاج أسلحة نووية.
وأشار زيميت، نقلا عن تقرير لشبكة "سي إن إن" استند إلى معلومات من أجهزة استخبارات أوروبية، إلى أن إيران زادت من شحناتها البحرية القادمة من الصين لمادة "بيركلورات الصوديوم" المستخدمة في تصنيع الوقود الصلب للصواريخ الباليستية. وبيّن أن هذه الخطوة تأتي ضمن مساعٍ أوسع تبذلها طهران لإعادة بناء قدراتها العسكرية،
وترى طهران في منظومات الصواريخ بعيدة المدى ركيزة استراتيجية تمكّنها من استنزاف إسرائيل، وتحدّ من قدرتها على خوض حرب طويلة نتيجة محدودية أنظمتها الدفاعية.
وعلى المستوى الإقليمي، كشف المقال عن معطيات جديدة تشير إلى سعي إيران لإعادة ترميم قدرات حلفائها، وعلى رأسهم حزب الله، موضحاً أن التنظيم اللبناني يعمل على تعزيز ترسانته العسكرية وتكديس مزيد من الصواريخ والمدفعية والمعدات القتالية التي تُهرَّب عبر الأراضي السورية، رغم محاولات القوات السورية والإسرائيلية المتكررة لوقف تلك العمليات.
وفي العراق، تواصل طهران، بحسب المقال، دعم الميليشيات الشيعية بالسلاح، بما في ذلك الأسلحة التي قد تُستخدم في هجمات مستقبلية ضد إسرائيل.
كما أشار إلى أن جهاز الأمن العام الإسرائيلي وجيش الاحتلال أحبطا مؤخرا عملية تهريب واسعة لأسلحة متطورة مصدرها إيران كانت موجهة إلى عناصر في الضفة الغربية، بينما استولت القوات الموالية للحكومة اليمنية على سفينة إيرانية محملة بصواريخ "كورنيت" وأسلحة أخرى كانت متجهة إلى مناطق يسيطر عليها الحوثيون قرب مضيق باب المندب.
وتطرق زيميت إلى الجدل السياسي المحتدم داخل إيران منذ انتهاء الحرب، موضحا أن التيار المعتدل يدفع باتجاه مراجعة عميقة للسياسات القائمة، تركز على معالجة الأزمات الداخلية وتنفيذ إصلاحات سياسية، إلى جانب استئناف الحوار مع الولايات المتحدة وتخفيف حدة التوتر مع العالم العربي وأوروبا.
بالمقابل، يرى التيار المحافظ والراديكالي، الذي يحتفظ بزمام النفوذ داخل مؤسسات الحكم، أن البلاد ليست بحاجة إلى تغيير جذري في توجهاتها، وإنما إلى تعديلات محدودة تضمن استمرار النهج الاستراتيجي القائم.
وأكد أن القيادة الإيرانية، برئاسة علي خامنئي البالغ من العمر 86 عاما، لا تنوي تغيير مسارها في هذه المرحلة، معتبرة أن الحفاظ على الخيار النووي وإعادة بناء القدرات العسكرية ودعم "جبهة المقاومة" باتت أولويات أكبر من أي وقت مضى، لتعزيز الردع في مواجهة إسرائيل.
ولفت زيميت إلى أن التطورات الأخيرة أضعفت إيران بشكل واضح، لكنها لم تفقد قدرتها على الصمود، إذ ما تزال تواجه سلسلة من الأزمات الداخلية، أبرزها التدهور الاقتصادي الحاد، ونقص المياه والطاقة، وارتفاع معدلات التضخم، فضلا عن الأضرار التي لحقت ببرامجها النووية والصاروخية، والضغوط الدولية المتزايدة عليها، إضافة إلى خسارتها أبرز حلفائها الإقليميين عقب هزيمة حزب الله، وسقوط نظام الأسد، وتراجع حركة حماس.
في المقابل، يرى زيميت أن طهران ما زالت تملك فرصاً لاستثمار الوضع القائم، منها استمرار وجود حركة حماس في قطاع غزة، والتعقيدات التي تواجه عملية نزع سلاح حزب الله، وعدم الاستقرار في سوريا، إضافة إلى استفادتها من التنافس بين الولايات المتحدة وروسيا والصين الذي يسمح لها بالحفاظ على علاقات مع الأطراف الثلاثة، فضلاً عن تراجع صورة إسرائيل الدولية وتنامي النظرة إليها كتهديد للاستقرار الإقليمي.
واعتبر الباحث أن هذا الواقع يفرض على إسرائيل الاستعداد لجولة جديدة من الصراع مع إيران، وخصوصاً في حال استعادة الأخيرة لقدراتها النووية، والاستمرار في اتخاذ خطوات وقائية لمنع إعادة بناء المحور الموالي لطهران بقيادة حزب الله.
وشدد زيميت على أن "النجاحات العسكرية وحدها لا تكفي لتحقيق الأمن"، داعياً إلى التوصل لاتفاق دولي يقيّد قدرات إيران في مجال تخصيب اليورانيوم، ويمنح الوكالة الدولية للطاقة الذرية صلاحيات أوسع للتفتيش ومعالجة المواد المتبقية من الحرب.
كما حث على دعم الحكومات العربية المركزية وتوفير بدائل تقلّص نفوذ طهران، إلى جانب تعزيز مسارات الاستقرار والتسوية السياسية في المنطقة للحد من تمددها الإقليمي.
وختم زيميت مقاله بالتأكيد على أن "نجاح إسرائيل في حملتها ضد إيران يعتمد بدرجة كبيرة على قدرتها على استثمار الفرصة الحالية لترجمة إنجازاتها العسكرية إلى واقع إقليمي جديد يساهم في احتواء إيران، وإضعافها أكثر، وتقليص قدرتها على استعادة قوتها".