أثار التحقيق الاستقصائي الذي بثته قناة
الجزيرة القطرية ضمن برنامجها الشهير "ما خفي أعظم" جدلا واسعا داخل الأوساط السياسية والإعلامية
الإسرائيلية، بعدما كشف عن وثيقة مسربة تتضمن بيانات نحو 30 ألف عسكري وضابط وفني في جيش الاحتلال الإسرائيلي، قالت القناة إنهم متورطون في العمليات العسكرية على قطاع
غزة خلال حرب الإبادة الجماعية المستمرة منذ عام 2023.
تضمن التحقيق الذي قدمه الصحفي تامر المسحال أسماء ورتب وعناوين ضباط في اللواء المدرع 401 التابع لجيش الاحتلال، وأشار إلى تورطهم في هجمات مباشرة ضد المدنيين الفلسطينيين، من بينها جريمة قتل الطفلة هند رجب وعائلتها والمسعفين الذين حاولوا إنقاذها في حي تل الهوى بمدينة غزة في كانون الثاني/يناير 2024.
وأكد البرنامج أن الوحدة العسكرية المنفذة لتلك الجريمة تطلق على نفسها اسم "إمبراطورية مصاصي الدماء"، مشيرا إلى أن الضابط شون جلاس هو من أصدر أوامر إطلاق النار.
وأثار بث التحقيق ردود فعل غاضبة في الاحتلال الإسرائيلي، حيث اعتبرته وسائل إعلام عبرية “تسريبا خطيرا يمس الأمن القومي الإسرائيلي”، فيما طالب نواب في الكنيست بفرض قيود جديدة على عمل القناة داخل الأراضي المحتلة، متهمين الجزيرة بـ“التحريض وتزويد أعداء إسرائيل بمعلومات حساسة”.
في المقابل، أشادت منظمات حقوقية دولية بما اعتبرته “دورا شجاعا للإعلام الاستقصائي في توثيق جرائم الحرب”، داعية إلى فتح تحقيق دولي في الانتهاكات التي أوردها البرنامج، ومؤكدة أن نشر مثل هذه الوثائق “يساهم في مساءلة مرتكبي الجرائم أمام العدالة الدولية”.
ويرى مراقبون أن التحقيق تجاوز البعد الإعلامي ليصبح قضية سياسية ودبلوماسية حساسة، خصوصا في ظل التوتر المتزايد بين تل أبيب والدوحة، والدعم الواسع الذي تحظى به قناة الجزيرة في الساحة الدولية باعتبارها منصة رئيسية لتغطية الحرب على غزة.
ويرجح أن تتصاعد الضغوط الإسرائيلية على الدوحة خلال الأسابيع المقبلة لاحتواء تداعيات ما نشرته الجزيرة، في وقت تشير فيه مصادر دبلوماسية إلى أن بعض العواصم الغربية تحاول الحد من تسريب المعلومات الميدانية التي يمكن أن تستخدم لاحقا في ملفات الملاحقة القضائية أمام محكمة العدل الدولية.
ومع استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة، يبدو أن الصحافة الاستقصائية باتت في صميم المواجهة، إذ يسعى الاحتلال الإسرائيلي إلى فرض تعتيم إعلامي شامل، بينما تواصل الجزيرة الكشف عن تفاصيل تحرج الاحتلال أمام الرأي العام العالمي وتعيد تسليط الضوء على فداحة الجرائم المرتكبة بحق المدنيين الفلسطينيين.