في وقت مبكر من العدوان الإسرائيلي على
غزة في أكتوبر من اعلام 2023،
طرحت
تركيا مبادرة عُرفت باسم "نظام الضمانة" لأنهاء الحرب على غزّة.
تقوم فكرة المبادرة على تحقيق وقف إطلاق النار أولا، ثمّ تحويله إلى وقف دائم
ومستدام، ثم الانتقال إلى مساعي الحل النهائي الذي يضمن تحقيق السلام والأمن
والاستقرار من خلال مجموعة من الضامنين لكلا الطرفين
الفلسطيني والإسرائيلي.
اقترحت تركيا آنذاك أن تكون ضمن المجموعة الضامنة للطرف الفلسطيني،
في حين تقوم أطراف أخرى خارجية بضمان الجانب الإسرائيلي. ومفهوم الضمان هنا يعني
أنّ الأطراف المعنية ستضغط على الطرفين لمنع خرق الاتفاقات التي يتم التوصل إليها
ومنع التصعيد في حال حصول ذلك، ومحاسبة الطرف الذي يقوم بخرق الاتفاقات.
ساعد نجاح أردوغان في إقناع ترامب بإعادة النظر في السياسة الأمريكية تجاه سوريا بشكل جذري في تسهيل سلسلة من التوافقات السياسية بين الرجلين على بعض الملفات الثنائية والإقليمية. وقد تبلور ذلك بشكل واضح خلال زيارة أردوغان الأخيرة الى الولايات المتّحدة الأمريكية حيث تمّ استقباله بحفاوة كبيرة وحظي باهتمام شخصي منقطع النظير من الرئيس ترامب.
كانت فكرة المبادرة تتيح للجانب التركي التواجد السياسي والاقتصادي
والأمني على الأرض في غزّة حيث يمكن للقوات التركيّة التمركز هناك بشكل يجعل من
انقرة لاعباً رئيسياً في المعادلة المحلّية والإقليمية والدولية وبشكل يصعّب على
إسرائيل القيام بأمر مماثل. في تصريح له بتاريخ 25 تشرين أول/ أكتوبر 2023، قال
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن المقترح المذكور هو الطريقة الأكثر واقعية
وفعالية حالياً للتوصل إلى حل واقعي للصراع، على الأقل على المدى القصير والمتوسط.
وعلى الرغم من تسويق المبادرة لدى الولايات المتّحدة وفي العالم
العربي والإسلامي، إلاّ أنّها لاقت معارضة شديدة من إسرائيل وإدارة بايدن حيث كان
الطرفان يسعيان الى عزل الجانب التركي وإبعاده عن الملف الفلسطيني تماماً،
والتركيز عوضاً عن ذلك على لاعبين مثل الامارات ومصر. كما اعترضت بعض الدول
العربية على فكرة ارسال قوات إقليمية. ومع
مضي الوقت، بدا أنّ مقترح الجانب التركي أصبح بعيداً عن الواقع، وتركزّ الجهد
التفاوضي حينها فيما يتعلق بانهاء الحرب على قطر ومصر، وفي مرحلة ما بعد الحرب على
الامارات ومصر.
لكن مع مجيء ترامب إلى البيت الأبيض بداية العام، رأى الجانب التركي
فرصة ثمينة في إعادة التموضع بقوّة في الملف الفلسطيني من خلال العلاقات الشخصية
القوية التي تربط الرئيس الأمريكي ترامب بنظيره التركي أردوغان. وقد ساعد نجاح
أردوغان في إقناع ترامب بإعادة النظر في السياسة الأمريكية تجاه سوريا بشكل جذري
في تسهيل سلسلة من التوافقات السياسية بين الرجلين على بعض الملفات الثنائية
والإقليمية. وقد تبلور ذلك بشكل واضح خلال زيارة أردوغان الأخيرة الى الولايات
المتّحدة الأمريكية حيث تمّ استقباله بحفاوة كبيرة وحظي باهتمام شخصي منقطع النظير
من الرئيس ترامب.
وفي ملف غزّة بالتحديد، كان واضحاً من خلال الجلسة التي تمت في
واشنطن بين الرئيس الأمريكي والزعماء العرب والمسلمين بأنّ تركيا تريد لعب
دور
محوري في ملف إنهاء الحرب على غزّة. وقد تمّ إجلاس الرئيس أردوغان على قدم
المساواة مع ترامب على رأس الطاولة، وباقي الزعماء يلتفون حولها، في مشهد إلتقطته
كاميرات الإعلام وحمل دلالة عميقة عن الدور التركي المرتقب.
وبالفعل، ما هي إلاّ أيام حتى تمّ إدخال الجانب التركي بشكل رسمي في
المفاوضات الى جانب قطر ومصر، وتم الإعلان عن التوصل الى الاتفاق خلال الاجتماع
الذي جمع المسؤولين في الوفود التي مثلت كل من تركيا وقطر ومصر وحماس من جهة،
وامريكا وإسرائيل من جهة أخرى. وعلى الرغم من انّ المقترح التركي الأصلي ليس
مطابقا لخطة ترامب، إلاّ انّ خطّة الأخير تحمل بعض البصمات التي تشير الى انّ
الجانب التركي ضمّنها بعض مقترحاته لعل من أبرزها لعب دور أساسي في وقف اطلاق
النار، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، ومشاركة القوات التركية في "قوة
مهام" دولية، ومساعدة قيادات حماس في توفير مكان لإقامتهم طويلة الأمد، ودعم
جهود إعادة إعمار غزة.
على الرغم من أنّنا نتحدث الآن عن المرحلة الأولى من الاتفاق وعن بقاء الكثير من التفاصيل غامضة في هذه اللحظة، إلإّ أنّ نجاح أنقرة في إدخال نفسها في المعادلة الفلسطينية على الرغم من العوائق الجغرافية والسياسية والاقتصادية ومعارضة إسرائيل القويّة هو أمر يحسب للجانب التركي خاصّة في ظل الانتقادات التي طالتها من بعض الشعبويين خلال العامين الماضيين.
وعلى الرغم من أنّنا نتحدث الآن عن المرحلة الأولى من الاتفاق وعن
بقاء الكثير من التفاصيل غامضة في هذه اللحظة، إلإّ أنّ نجاح أنقرة في إدخال نفسها
في المعادلة الفلسطينية على الرغم من العوائق الجغرافية والسياسية والاقتصادية
ومعارضة إسرائيل القويّة هو أمر يحسب للجانب التركي خاصّة في ظل الانتقادات التي
طالتها من بعض الشعبويين خلال العامين الماضيين.
وفي تصريح له بعيد الاتفاق، قال الرئيس التركي إنّ بلاده ستتخذ
التدابير للحرص على عدم نقض إسرائيل للالتزامات التي تترتب عليها انطلاقاً من
الخبرة التاريخية التي تشير إلى أنّ الإسرائيليين لا يلتزمون بأي اتفاقات
وينقضونها عند أوّل فرصة بحجج واهية كما قال.
كما نُقل عن بعض المصادر المرتبطة
بوزارة الدفاع التركية استعداد القوات المسلحة التركية لتنفيذ أي مهمة توكل إليها
رسمياً، وهو ما يشير إلى أنّ الجانب الإسرائيلي قد لا يزال معترضاً على مثل هذا
الدور، لكنّ حصوله على أرض الواقع أمر مهم جداً على المدى البعيد اذا ما نجح
الاتفاق الحالي في تخطي العقبات التي تلي المرحلة الأولى، علماً أن الجانب
الإسرائيلي لم يتخلى يوما عن تقليده المتمثّل في خرق الاتفاق وهو ما يعني أنّ هناك
مهمّة شاقة تنتظر الأطراف الراعية للاتفاق وتلك التي ستعمل مع الجانب التركي في غزة بحكم الجغرافيا والسياسة والواقع، الأمر
الذي يتطلب تنسيقا عاليا وتفاهما كبيراً بينها.