كتاب عربي 21

خيرها في غيرها يا ترامب

رامب ظل يوظف إمكانات الدولة الأمريكية لتسويق نفسه كبطل للسلام العالمي، وظل يتبجح بوقف حروب افتراضية، وفات عليه أن لجنة جائزة نوبل للسلام، تنظر إلى كامل ملف المرشح للجائزة.. الأناضول
عبارة "خيرها في غيرها"، تقال من باب من لم ينل مراده، والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بحاجة إلى من يواسيه، لأنه ظل ينعق "ع المكشوف" معلنا أنه يستحق جائزة نوبل للسلام. وكانت عربي21 قد نشرت لي مقالا في 11 أيلول/ سبتمبر من عام 2021، كان عنوانه "لماذا جائزة نوبل للسلام أي كلام"، وكنت أعني بذلك أن أشخاصا كثيرين نالوا تلك الجائزة، وبينهم وبين السلام، كالذي بين ترامب والحِكمة، وضربت مثلا لذلك الرئيس الإثيوبي آبي أحمد، بطل السلام النوبلي لعام 2019، الذي شن ما يشبه حرب الإبادة على بني قومه من إثنية التغراي، لأن غالبيتهم رفضوا الاندغام في حزب الازدهار الجديد الحاكم بأمره.

وفازت بجائزة نوبل للسلام لعام 1991، أونغ سان سو شي، زعيمة حزب الرابطة الوطنية في ميانمار، والتي ما أن نصبها العسكر رئيسة للحكومة في عام 2016، حتى أعملت حكومتها تلك سيوفها على مسلمي الروهينغا، وفاز بالجائزة رؤساء حكومات إسرائيلية ذوي سجلات ممعنة في الدموية، ظهروا على المسرح السياسي كزعماء عصابات دموية في أربعينات القرن الماضي، مارست أبشع صنوف التطهير العرقي بحق الفلسطينيين، ثم شنوا الحروب على جيرانهم العرب وهم في كراسي الحكم، ثم كانت السقطة الأخلاقية للجنة جائزة نوبل للسلام عندما منحتها للرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، بعد أشهر قليلة من توليه لمنصبه، أي قبل أن ينجز شيئا على الصعيدين المحلي او الدولي، وكان ذلك من باب أن "الجوائز بالنيات"، لأن أوباما تعهد في اليوم الأول لحكمه، بوقف التدخل في العراق وأفغانستان وإغلاق معتقل غوانتنامو سيء السمعة.

وظنّي، أن ترامب يعاني اليوم من ارتفاع شديد في ضغط الدم الشرياني، بعد أن فازت أمس زعيمة المعارضة الفنزويلية ماريا كورينا ماتشادو باريسكا بجائزة نوبل للسلام لهذا العام، وترامب هذا استعلائي عنصري نرجسي ظل يعاني من عقدة أوباما: كيف لهذا الأسود أن يحكم البلاد لولايتين متتاليتين، وأن يصبح بطلا للسلام العالمي، وأنا الأبيض صاحب السلطان والصولجان، أكون محروما من جائزة نوبل للسلام؟ ولهذا ظل طوال الأشهر الأخيرة يهذي على رؤوس الأشهاد، بأنه يستحق تلك الجائزة.

تثبت الوقائع أن ترامب خاض الانتخابات الرئاسية وعينه وقلبه على "نوبل للسلام"، ولهذا ظل يهذي مرددا أنه سيوقف الحرب بين أوكرانيا وروسيا بعد أداء القسم الرئاسي ب24 ساعة، ثم جاءت خطرفة وقف حرب إسرائيل على غزة، بتهجير أهل غزة إلى دول الجوار، وتحويل القطاع إلى منتجع سياحي، ولما خذلته إسرائيل المرة تلو المرة، بعدم تنفيذ مقترحاته، جن جنونه، لأنه كان يريد أن تتضمن سيرته الذاتية المعروضة أمام لجنة نوبل للسلام أنه "بطل سلام الشرق الأوسط"، وهكذا دخل في سباق مع الزمن للحصول على توافق إسرائيلي ـ فلسطيني حول الخطة ذات العشرين نقطة، التي اقترحها مؤخرا لوقف الحرب في غزة، على أن يكون ذلك قبل التاسع من الشهر الجاري، المحدد لتحديد بطل السلام لعام 2025، ومن يعش سيرى كيف أنه وقد طارت جائزة السلام بعيدا عن ترامب، لن تنعم غزة بالسلام والأمان المنشودين، ولن "تفرِق" المسألة مع ترامب.

ترامب يعاني اليوم من ارتفاع شديد في ضغط الدم الشرياني، بعد أن فازت أمس زعيمة المعارضة الفنزويلية ماريا كورينا ماتشادو باريسكا بجائزة نوبل للسلام لهذا العام، وترامب هذا استعلائي عنصري نرجسي ظل يعاني من عقدة أوباما: كيف لهذا الأسود أن يحكم البلاد لولايتين متتاليتين، وأن يصبح بطلا للسلام العالمي، وأنا الأبيض صاحب السلطان والصولجان، أكون محروما من جائزة نوبل للسلام؟ ولهذا ظل طوال الأشهر الأخيرة يهذي على رؤوس الأشهاد، بأنه يستحق تلك الجائزة.
هذا الترامب الذي كان ينشد جائزة نوبل للسلام، هو نفس الرجل الذي سحب بلاده من منظمات ومعاهدات دولية، وأعلن أنه سينتزع جزيرة غرينلاند من الدنمارك، وشن حربا اقتصادية على جميع دول العالم، ثم أرسل قوات الجيش الى المدن الأمريكية التي يديرها غرماؤه في الحزب الديمقراطي. وظل يزعم كاذبا أنه أوقف العديد من الحروب هنا وهناك بعد أقل من ستة أشهر من جلوسه على كرسي الرئاسة، وهكذا تبجح بأنه أوقف حربا بين كمبوديا وتايلند، بينما كان الأمر يتعلق بمناوشات حدودية محدودة انتهت بتوافق الطرفين بوساطة أمريكية-ماليزية على إيقافها، دون حل النزاع الحدودي الذي قاد الى تلك المناوشات.

كما يحلو لترامب الزعم بأنه أوقف "حربا" بين إسرائيل وإيران، بينما واقع الأمر أنه صفق للعدوان الإسرائيلي على إيران، بل وشارك فيه، ولما ارتأى ترامب ان العدوان حقق معظم غاياته، لم يكن عسيرا عليه ان يقول لإسرائيل "كفى" وأن تجبر إسرائيل بخاطره، فرأى ترامب من ثم، أنه بطل إيقاف تلك "الحرب". وعندما حدثت مناوشات عنيفة بين الهند وباكستان في أيار/ مايو الماضي، لم تكن ثمة صعوبة في إقناع الدولتين بوقف القتال. وليس في هذا الأمر وقف لحرب، لأن وقف الحرب الحقيقي يعني إبرام معاهدة سلام، ولن يتعاهد الهنود والباكستانيون على ذلك حتى يشيب الغراب، بل إن الهند أعلنت صراحة ان المناوشات توقفت بالتفاوض بين الطرفين وليس نتيجة لوساطة دبلوماسية أمريكية. وعندما نجحت الوساطة الأفريقية في وقف القتال على الحدود بين رواندا وجمهورية الكنغو الديمقراطية، اعتلى ترامب المنابر وقال إنه "أوقف الحرب" بين البلدين. وعندما نجح الاتحاد الأوربي في وقف تصعيد العدائيات بين كوسوفو وصربيا، هرع ترامب الى المنصة وأعلن انه أوقف حربا بين البلدين، وعندما توصلت أذربيجان وأرمينيا الى توافق بشأن أيلولة إقليم ناغورنو كرباخ، وكان ذلك فعلا بوساطة أمريكية، أعلن ترامب أنه أوقف حربا بين البلدين، بينما لم يحدث اقتتال بين البلدين خلال السنوات التسع الأخيرة.

والشاهد هو أن ترامب ظل يوظف إمكانات الدولة الأمريكية لتسويق نفسه كبطل للسلام العالمي، وظل يتبجح بوقف حروب افتراضية، وفات عليه أن لجنة جائزة نوبل للسلام، تنظر إلى كامل ملف المرشح للجائزة، وعلى علاتها الكثيرة، فإن تلك اللجنة ملكت من الحياء ما عصمها عن منح الجائزة لترامب.