كتاب عربي 21

ارتياح في أنقرة من نتائج زيارة أردوغان للولايات المتحدة

"أردوغان وصف نجاح زيارته للولايات المتحدة بأنه فوق العادة"- الأناضول
تابع الرأي العام التركي زيارة رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان للولايات المتحدة من أجل المشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، واجتماعه مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض. وكان هناك تفاؤل حذر وأمل في نجاح الزيارة في تحسين العلاقات التركية الأمريكية وحل المشاكل العالقة في بعض الملفات، كملف طائرات أف-35 التي تسعى تركيا إلى شراء عدد منها وعودة الشركات التركية إلى برنامج إنتاجها. وكان تعامل ترامب مع بعض ضيوفه في البيت الأبيض يثير قلقا من أن يشهد لقاء الرئيسين توترا مشابها يعكر أجواء الزيارة.

الجزء الأهم للزيارة كان اللقاء الذي جمع أردوغان وترامب في البيت الأبيض. وأظهر الرئيس الأمريكي حسن الضيافة لنظيره التركي بدءا من استقباله إلى لحظة وداعه، كما أثنى عليه في المكتب البيضاوي أمام الكاميرات، وذكر أن أردوغان صديقه منذ زمن، وأنه شخص محترم للغاية يحظى باحترام كبير في بلده وجميع أنحاء أوروبا والعالم، ويحترمه بوتين وزيلينسكي،
الإدارة الأمريكية الحالية ترى أن توتير العلاقات مع أنقرة من خلال دعم تنظيمات إرهابية تستهدف أمن تركيا واستقرارها خطأ فادح ارتكبته إدارة بايدن، كما تدرك أن الولايات المتحدة بحاجة إلى دولة بحجم تركيا
والجميع يحترمونه، وأكد أنه هو أيضا يحترمه كثيرا، وقال: "لقد أسس جيشا عظيما ونحن نتشرف به في البيت الأبيض". وإضافة إلى هذا الكم الكبير من المدح والثناء، قام بسحب الكرسي للرئيس التركي بعد توقيعه في دفتر التشريفات.

وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، وصف اللقاء بين ترامب وأردوغان بأنه "كان مثمرا للغاية". كما وصف السفير الأمريكي لدى أنقرة توماس باراك، اللقاء الذي استمرّ أكثر من ساعتين بــ"ملحمي" و"تاريخي". وعلى الرغم من هذه التصريحات التي تشير إلى ارتياح الطرفين من نتائج اللقاء، لم تتضح حتى الآن تفاصيل ما تم الاتفاق عليه، وما وراء كل تلك الحفاوة والابتسامات. ولكن يمكن القول بأن زيارة أردوغان لواشنطن أكدت أن إدارة ترامب تدرك مدى أهمية مكانة تركيا في الخارطة الجيوسياسية والمعادلات الدولية والإقليمية.

الإدارة الأمريكية الحالية ترى أن توتير العلاقات مع أنقرة من خلال دعم تنظيمات إرهابية تستهدف أمن تركيا واستقرارها خطأ فادح ارتكبته إدارة بايدن، كما تدرك أن الولايات المتحدة بحاجة إلى دولة بحجم تركيا و"جيشها العظيم"، كما وصفه ترامب، في مواجهة روسيا والصين ولضمان أمن أوروبا. ونشرت تركيا مؤخرا طائرة إنذار مبكر ومراقبة (أواكس) في ليتوانيا، ضمن إجراءات أمن حلف شمالي الأطلسي "الناتو" بعد سلسلة من انتهاكات المجال الجوي من قبل طائرات مسيرة روسية.

الرئيس الأمريكي جدد قوله بأن تركيا هي التي أسقطت النظام السوري البائد، ووصف ذلك بأنه "إنجاز رائع"، كما ذكر أنه رفع العقوبات عن سوريا لمنحها فرصة للتنفس بناء على طلب تركيا والسعودية وقطر. وهناك توافق بين تركيا والولايات المتحدة على ضرورة حماية وحدة سوريا، كما أن واشنطن ترحب بالدور التركي في دعم القيادة الحالية والجهود التي تبذلها لإعادة إعمار البلاد.

وقال السفير باراك الذي يقوم أيضا بمهمة المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي إلى سوريا، إن الاتفاق الذي وقعه الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية "قسد" مظلوم عبدي، في شهر آذار/ مارس الماضي، سيشهد تطبيقه تقدما في الأيام القادمة. ويبدو أن تركيا حصلت على ضوء أخضر من واشنطن للقيام بعملية عسكرية جديدة في سوريا، إن لم تلتزم "قسد" بالاتفاق ولم تطبق كافة مواده حتى نهاية العام.

تحسين العلاقات التركية الأمريكية ولو قليلا وعدم التصادم مع إدارة ترامب، هو لصالح تركيا، في الوقت الذي يتصاعد التوتر بين أنقرة وتل أبيب، وفي هذه المرحلة المضطربة التي ستتشكل في نهايتها توازنات جديدة في العالم

الرئيس الأمريكي اجتمع مع عدد من قادة الدول العربية والإسلامية في نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة لمناقشة ملف قطاع غزة. وشارك أردوغان في ذاك الاجتماع جالسا إلى جانب الرئيس الأمريكي على رأس الطاولة. ورحب أردوغان بخطة ترامب، وأشاد في تدوينة على حسابه بمنصة "إن سوسيال"، بالجهود والقيادة التي أظهرها الرئيس الأمريكي لوقف إراقة الدماء في غزة وضمان وقف إطلاق النار، مضيفا أن "تركيا ستواصل المساهمة في عملية إقامة سلام عادل ودائم يقبله الجميع". وهو ما يؤكد أن تركيا ستتحرك في ملف غزة بالتنسيق والتعاون مع الدول العربية والإسلامية التي اجتمع قادتها مع الرئيس الأمريكي.

خلال الزيارة، تم توقيع مذكرة تفاهم استراتيجي بين أنقرة وواشنطن في مجال الطاقة النووية المدنية، كما تم إبرام اتفاق طويل الأمد لشراء تركيا الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة حتى عام 2045، بالإضافة إلى شراء الخطوط الجوية التركية 225 طائرة "بوينغ" جديدة لتحديث أسطولها. وطلب الرئيس الأمريكي من أردوغان أن تتوقف تركيا عن استيراد النفط والغاز من روسيا، إلا أنه من غير المتوقع أن تستجيب أنقرة لهذا الطلب.

أردوغان وصف نجاح زيارته للولايات المتحدة بأنه "فوق العادة"، ومن المؤكد أن النتائج التي ستظهر في الأيام القادمة هي التي ستحكم على مدى صحة هذا الوصف. إلا أنه يمكن القول بأن تحسين العلاقات التركية الأمريكية ولو قليلا وعدم التصادم مع إدارة ترامب، هو لصالح تركيا، في الوقت الذي يتصاعد التوتر بين أنقرة وتل أبيب، وفي هذه المرحلة المضطربة التي ستتشكل في نهايتها توازنات جديدة في العالم.

x.com/ismail_yasa