عن دعوة أحمد يوسف التي طارت بها "العربية" وزغردت لها!! وخلاصتها هي دعوته للتعاطي "بإيجابية مع مبادرة
ترامب، رغم ما تنطوي عليه من ظلم وجوْر".
ثم القول: "تفهّموا أنّكم خسرتم جولة، ولا سبيل لتغيير الحال قبل أن تتغيّر الموازين من حولنا".
لنفكّك المنطق الذي تحدث به الدكتور أحمد يوسف، وأرجو أن لا يكرّر في معرض الردّ عليّ تلك المقولة "الفتحاوية" و"المتصهْينة" التافهة، عن الجالسين تحت المكيّفات، لأن ما أقوله هنا هو ما يقوله قطاع عريض ممن يعانون مثله، وربما أكثر، وممن دفعوا أثمانا أكثر منه، وممن ما يزالون صامدين وقابضين على الزناد وقدموا الشهداء والأسرى من ذويهم، ومن حقّهم عليّ وعلى سواي، تبعا لذلك، أن ندافع عن خيارهم في رفض الاستسلام، فضلا عن أن يكون موقفا نتفق معهم فيه بالكامل.
الجانب الأول هو ما يتعلّق بسؤال الخسارة والكسب.. والحقّ هنا يقول إن منطق حروب
المقاومة ضد المحتلين، لا يتفق مع منطقه، بل يؤكّد أننا ربحنا الجولة وهم من خسروها بعد أن تحوّلوا إلى "فئة منبوذة" في العالم، و"كيانهم" إلى "كيان مجذوم"، ولا أظن أن محورية ذلك في مسار الصراع تخفى على الكاتب، في ذات الوقت الذي تشير فيه المعطيات العامة، بأن موازين القوى تتغيّر باضطراد في مصلحتنا ، وضد مصلحة "الكيان" وأدواته.
أما الجانب الآخر الذي انبنى على الأول، فيتمثّل في دعوته إلى التعاطي بإيجابية مع مبادرة ترامب، وهي عبارة عن حفنة كلمات قالها كالعادة دون وعْي (سلّموا الأسرى وينتهي كل شيء)، كالتي يردّدها كل يوم في ملفات كثيرة، ولا يأخذها أحد على محمل الجد.
هل تسليم الأسرى، سيوقف الحرب ومشروع التدمير والتهجير، ولماذا لم يتوقّف هذا المسار في الضفة الغربية؟! ألم تحارب سلطة العار المقاومة بحجة "سحب الذريعة" التي كرّرها الكاتب هنا، فهل تغير مسار الضمّ والتهجير؟!
هل هذا الذي يقول إن "إسرائيل" دولة صغيرة "مثل رأس القلم"، وتحتاج للتوسّع (أعني ترامب)، سيضغط لوقف الحرب حقّا إذا تم تسليم الأسرى؟!
وهل من يتبجّح كل يوم بـ"تغيير الشرق الأوسط"، ويعربد في سوريا رغم أن سلطاتها لم تفعل له شيئا (نتنياهو طبعا)، يمكن أن يوقف الحرب بمجرّد تسليم الأسرى؟!
لا شيء من ذلك سيحدث، وسيتواصل مشروع الضمّ والتهجير في القطاع وفي الضفة الغربية، مع مشروع التوسّع والهيْمنة، وما سيحدث عمليا هو أن قلعة الصمود والتحدّي وأيقونة العالم ستكتب نهاية بائسة لمعركة بطولية وصمود أسطوري، تمنح نيشان النصر والمزيد من الغرور والغطرسة للعدو، وذلك بعد أن كتبت بداية النهاية لمشروعه، كما أقرّ بذلك عدد من مفكّريه ومثقفيه؟!
في حروب المقاومة ضد المحتلين ينتصر المقاومون حين لا يستسلمون، والأخ يدعو شعبنا إلى الاستسلام، وفتح الباب أم تصفية القضية وصهْينة المنطقة، سواء قصد ذلك أم لم يقصد.
لقد دفع شعبنا الثمن، وكتب في الآن نفسه تاريخا جديدا في هذا الصراع، ولا يمكن أن تصبّ دعوة الاستسلام سوى في مصلحة العدو، لا سيما أنها شراء لأمل تؤكّد سياسات ترامب ونتنياهو أنه محض وهْم لا أكثر، بدليل محطة الانقلاب على اتفاق مطلع العام في مرحلته الثانية، وانقلاب "ويتكوف" المتكرّر على مقترحاته.
الاستسلام ليس خيارا أبدا، ولن يكون. وحين تفرح "العربية" بدعوتك، ومن ورائها عُصبة العار في الضفة الغربية، فاعلم أنك مخطئ من دون شك، حتى لو أيّدها أناس طيبون تحت وطأة المعاناة، تماما كما يحدث في أيّ تجربة مُشابهة.