كتاب عربي 21

حزب العدالة والتنمية أمام اختبار مكافحة الفساد

حزب العدالة والتنمية سيلاحق هؤلاء الذين يستغلون اسم أردوغان وصورته في الترويج لأنفسهم.. الأناضول
أحال حزب العدالة والتنمية في تركيا، الأحد، المحامي مجاهد برينجي، إلى لجنة الانضباط المركزية بطلب طرده من الحزب، ما دفع برينجي إلى إعلان استقالته من عضوية الحزب وتخليه عن ممارسة السياسة. وجاءت هذه التطورات بعد أن ادعى رئيس حزب الشعب الجمهوري، أوزغور أوزل، بأن المحامي برينجي اقترح على أحد المعتقلين في قضية الفساد ببلدية إسطنبول الكبرى، أن يوقع على اعترافات مكتوبة، وأن يدفع مليوني دولار ليتم إطلاق سراحه. وفتح الادعاء العام تحقيقا لمعرفة صحة ذاك الادعاء، كما وافقت وزارة العدل على فتح التحقيق في حق المحامي برينجي.

المحامي مجاهد برينجي، هو نجل الكاتب والمؤرخ الراحل، نيازي برينجي، الذي كان ينشر مقالاته ورواياته الوطنية والإسلامية باسم "ياوز بهادر أوغلو". واشتهر في مواقع التواصل الاجتماعي بآرائه القانونية ودفاعه عن حزب العدالة والتنمية، حتى انتخب فيه عام 2021 عضوا للجنة المركزية للقرار والتنفيذ. وقال في حوار مع صحفية إنه لم يطلب مليوني دولار كرشوة، بل كأجرة في مقابل مرافعته عن المتهم، مضيفا أنه من حقه كمحامٍ، إلا أن هذا القول لم يقنع قادة حزب العدالة والتنمية، ورأوا أن برينجي حاول، على الأقل، أن يستغل ارتباطه بالحزب الحاكم للحصول على مبلغ كبير بشكل غير أخلاقي. وأما ما ذكره رئيس حزب الشعب الجمهوري فسيتضح مدى صحته بعد تحقيق الادعاء العام.

طرد المحامي مجاهد برينجي من حزب العدالة والتنمية خطوة في الاتجاه الصحيح، كي يبقى الحزب الحاكم بعيدا عن الفساد الذي يتهم به خصمه حزب الشعب الجمهوري، كما أن ما قام به الرجل أعطى أنصار رئيس بلدية إسطنبول المقال، أكرم إمام أوغلو، فرصة للطعن في نزاهة القضاء، والادعاء بأن كافة الاعترافات التي جاءت في قضية الفساد في بلدية إسطنبول الكبرى انتزعت من المتهمين عن ذات الطريق غير القانوني مقابل وعود بإطلاق السراح.
طرد المحامي مجاهد برينجي من حزب العدالة والتنمية خطوة في الاتجاه الصحيح، كي يبقى الحزب الحاكم بعيدا عن الفساد الذي يتهم به خصمه حزب الشعب الجمهوري، كما أن ما قام به الرجل أعطى أنصار رئيس بلدية إسطنبول المقال، أكرم إمام أوغلو، فرصة للطعن في نزاهة القضاء، والادعاء بأن كافة الاعترافات التي جاءت في قضية الفساد في بلدية إسطنبول الكبرى انتزعت من المتهمين عن ذات الطريق غير القانوني مقابل وعود بإطلاق السراح.

استغلال المناصب والعلاقات مع الحزب الحاكم والمسؤولين للحصول على امتيازات ومكاسب شخصية هو أيضا نوع من الفساد. وانتشرت هذه الظاهرة في الآونة الأخيرة، وبدأت تظهر أمثلتها أكثر من ذي قبل، بفضل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي. وهناك عدد كبير من الأشخاص يضعون صور رئيس الجمهورية، رجب طيب أردوغان، أو وزير الخارجية، هاكان فيدان، وينشرون في حساباتهم بمواقع التواصل الاجتماعي صورا ومقاطع فيديو يظهرون فيها مع أردوغان أو غيره من المسؤولين الكبار ليوهموا المتابعين بأنهم مقربون من صناع القرار.

يبدو أن حزب العدالة والتنمية منزعج من هذه الظاهرة، ويدرك مدى خطورة انتشارها على سمعة الحزب ومستقبله. وتعكس تصريحات النائب عن محافظة إزمير والرئيس الأسبق لشبيبة حزب العدالة والتنمية، أيوب قدير إنان، هذا الانزعاج، حيث قال إن هناك أشخاصا يفرشون مكاتبهم بشكل فاخر، ويجلسون على كراسي مزخرفة بالذهب، وكأنهم ملوك جالسون على عروشهم، ثم يعلقون فيها صورة أردوغان للتأثير على المواطنين، مضيفا أن صورة رئيس الجمهورية التركي ليست زينة لتزيين مثل تلك المكاتب.

وذكر أن حزب العدالة والتنمية سيلاحق هؤلاء الذين يستغلون اسم أردوغان وصورته في الترويج لأنفسهم. بل أردوغان هو ذاته، سبق أن لفت في كلمته بمدينة ريزة في كانون الثاني / يناير الماضي، إلى أن هناك أحزابا ومنظمات للمجتمع المدني تعمل كمحلات التجارة، مشددا على أنهم لن يسمحوا بتحويل حزب العدالة والتنمية إلى محل تجارة.

صور الفساد يمكن تقسيمها إلى قسمين: فساد فاضح كتلقي الرشوة والاختلاس، وفساد مقنَّع يتستر وراء القوانين. فالأول هو ما نراه في قضية إمام أوغلو ومعظم قضايا الفساد التي شهدتها بلديات تابعة لحزب الشعب الجمهوري. وأما الثاني فيتم وفق القوانين كشراء البلدية خدمات من شركات معينة أو أشخاص مقربين من رئيسها، بهدف تمويلهم من الأموال المخصصة للبلدية، على الرغم من أن البلدية ليست بحاجة إلى تلك الخدمات أو أنها ليست ضمن أولوياتها. وهذا النوع من الفساد يكاد أن يُرى في جميع البلديات، بما فيها تلك التابعة لحزب العدالة والتنمية. ومن المؤكد أنه مهما كان قانونيا فإنه غير أخلاقي على الإطلاق.

الحزب الحاكم في تركيا أمام اختبار حقيقي في مكافحة الفساد، ويحتاج إلى تنظيف صفوفه من الفاسدين، والمسؤولين الذين يحبون مظاهر الإسراف والبذخ، والمنتفعين الذين يستغلون ارتباطهم بالحزب للحصول على مكاسب شخصية
هناك بلديات تنظم أمسيات لشعراء لإلقاء قصائدهم أو تستضيف كتَّابا لتوقيع كتبهم، وتدفع هؤلاء الشعراء والكتاب الذين ينتمون إلى ذات الحزب الذي ينتمي إليه رئيس البلدية، مبالغ كبيرة تحت مسمى "دعم الأعمال الثقافية". وتشتهر البلدات التابعة لحزب الشعب الجمهوري بصرف الأموال على نحت التماثيل، على الرغم من أن السكان بحاجة ماسة إلى خدمات أخرى عاجلة.

وغالبا ما يسخر المؤيدون لحزب العدالة والتنمية من هذه الشهرة، إلا أن هناك بلديات تابعة لحزب العدالة والتنمية هي الأخرى تصرف أموالا كبيرة على إقامة متاحف مليئة بتماثيل مصنوعة من الشمع. وبالتالي، يتساءل المواطنون: "هل صرف أموال البلدية على تماثيل حرام إذا فعله حزب الشعب الجمهوري، وحلال إذا فعله حزب العدالة والتنمية؟"

الحزب الحاكم في تركيا أمام اختبار حقيقي في مكافحة الفساد، ويحتاج إلى تنظيف صفوفه من الفاسدين، والمسؤولين الذين يحبون مظاهر الإسراف والبذخ، والمنتفعين الذين يستغلون ارتباطهم بالحزب للحصول على مكاسب شخصية، كما أن البلديات التابعة لحزب العدالة والتنمية يجب أن تبتعد عن جميع الإجراءات والمناقصات التي تبدو أنها تهدف بالدرجة الأولى إلى إثراء أشخاص أو شركات، لأن رؤساء تلك البلديات مهما نجوا من المساءلة القانونية فإن المواطنين لن يغفروا أن يضيف رجالُ أعمالٍ ثراء إلى ثرائهم عبر علاقاتهم مع هؤلاء الرؤساء.