ملفات وتقارير

حرق وتخريب ومشاهد مرعبة.. هل تتدحرج كرة لهب "جيل Z" المغربي إلى مصر؟

يرى نشطاء في مصر أن الأوضاع الحالية أسوأ مما كان قبل 25 يناير 2011- جيتي
أكد أحد ضباط الشرطة المصريين، أن "هناك حالة ترقب في المستويات العليا من قوات الأمن المصرية لما يجري في المغرب من تظاهرات شبابية، مخافة وصولها إلى القاهرة"، موضحا أنه لم يبد في الأفق حتى الآن أي تحرك على الأرض، ولكن الجميع ينتظر ما تسفر عنه الأيام القادمة".

وأشار في حديث لـ"عربي21"، إلى أمنيته بـ"نجاح الأمن المغربي في إنهاء تلك التظاهرات"، معتقدا أن "وأدها في البداية يمنع تكرارها في مصر".

والعام الماضي، خرجت احتجاجات "جيل زد - Z generation" مواليد (1997- 2012) في كينيا، وبنغلاديش، وإندونيسيا، في حراك شبابي وصل دولة نيبال في أيلول/ سبتمبر الماضي، وقابلته حكومات تلك الدولة ومؤسساتها الأمنية بـرد "وحشي"، وإطلاق الذخيرة الحية، والرصاص المطاطي وفق وصف "منظمة العفو الدولية".

ويأتي حراك "جيل Z"، تأتي بحسب هتافاتهم: "تصديا للفساد الحكومي، والمطالبة بمساءلة المسؤولين، ومعالجة أسباب الفقر، والبطالة، واليأس، والهجرة غير الشرعية، بمقابل فئة قليلة من المجتمع  تتباهى بحياة البذخ عبر مواقع التواصل الاجتماعي".

"جيل Z 212"
من نيبال، وقبل أيام، انتقل سريعا مشهد التظاهرات إلى "جيل Z 212"، التجمع الشبابي عبر الإنترنت في المغرب، رفضا لأوضاع الصحة والتعليم المرتدية، وانتشار الفساد الحكومي، مستخدمة هتاف: "الشعب يريد نهاية للفساد".

الاحتجاجات اليومية تطورت إلى صدام مع قوات الأمن المغربية التي ضربت المتظاهرين بالهراوات في أكادير، والرباط، والدار البيضاء، وجدة، وطنجة، واعتقلت أكثر من 400 متظاهرا حتى الأربعاء، لتتحول حالة الغضب الشبابي لأعمال عنف، وتخريب، وحرق لمقرات حكومية وممتلكات عامة.



تلك المشاهد، التي من المحتمل انتقالها لجارة الرباط الشرقية، الجزائر، إثر دعوات للتظاهر الجمعة، وصفها مراقبون بأنها "تدحرج متسارع لكرة اللهب"، قد يؤدي لموجة احتجاجات إقليمية بالمغرب العربي، ويعيد للذاكرة مشهد "ثورة الياسمين" بتونس 17 كانون الأول/ ديسمبر 2010.

ماذا عن مصر؟
تسارع الأحداث ورغم بعد أكادير منطلق "جيل Z"، عن القاهرة، إلا أن هناك حديث عن مخاوف أمنية حول احتمال تكرار تلك المشاهد في مصر، التي يعاني شعبها (108 ملايين نسمة) أزمات معيشية، وغضب شعبي مكتوم، ومخاوف من (ثورة جياع) ينتظرها تعامل أمني مفرط، معروف عن سلطات رئيس النظام عبدالفتاح السيسي.

و"جيل Z"، هم أبناء "جيل X" (مواليد 1965– 1980)، وخلفاء "جيل الألفية" (1981- 1996)، وأسلاف جيل ألفا (2012– 2024)، وتتراوح أعمارهم بين (13-26 عاما).

ويبلغ عددهم نحو 1.861.6 مليار نسمة؛ بنسبة 23.64 بالمئة من سكان العالم، البالغين 7.875 مليارات نسمة عام 2021، منهم 428.514.686 نسمة بأفريقيا، وبنحو 40 مليون نسمة في مصر، وفقا لتقدير الأمم المتحدة عام 2022.







ومؤخرا زادت حالة الغضب الشعبي بفعل الأوضاع المعيشية، وتكرار عمليات القتل الشرطية بحق مصريين (جنائيين وسياسيين)، بعمليات تعذيب داخل مقرات الأمن والسجون أو بالتصفية المباشرة في الشوارع والأكمنة وخلال المطاردات الأمنية.

والسؤال الذي يتداوله نشطاء: "هل تتدحرج كرة لهب (جيل Z) وتصل مصر، أم تنتبه السلطات وتحاول تفادي خطورة التحرك الشبابي بعقد مصالحة مجتمعية، وإنهاء ملف المعتقلين، ووقف البطش الأمني، ووقف إجراءات التقشف وتقليل الأسعار والضرائب؟".

ذات العوامل والجيل
في إجابته، يقول الباحث المصري في العلوم السياسية، سيف الإسلام عيد: "لا يمكن توقع حدوث تظاهرات بمصر على طريقة (جيل Z)، لأنه لا أحد توقع حدوثها بأي بلد وقعت فيه، رغم أن المسببات وعوامل الخروج للتظاهر هي هي في مصر والمغرب، وذات المناخ ونفس الجيل".

وفي حديثه لـ"عربي21"، يرى أن "نظام السيسي، لن ينتبه لهذه الأشياء"، موضحا أنه يمارس القمع حتى مع الشباب الصغير، ملمحا إلى "تقرير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية 28 آب/ أغسطس الماضي، حول اعتقال السلطات15  طفلا بين 12 و17 عاما، بتهم الانتماء لجماعة إرهابية استنادا لنشاطهم بلعبة (PUBG)".

ويلمح إلى أن "توسيع السلطات دائرة الاعتقال، ورفض حل أزمة المعتقلين، يأتي في إطار التبنؤ بهذا الأمر"، متوقعا ألا "يتخذ النظام إجراءات إصلاحية".

ويشير إلى أن "التغيرات الإقليمية التي نمر بها قد لا تجعل النظام يفكر إلا في حل واحد وهو القمع، ويرى أنه الطريقة التي يمكن أن يحفظ بها النظام، ولا أعتقد أن لديه الرغبة ولا الإرادة لعقد مصالحة مجتمعية وإنهاء ملف المعتقلين ووقف البطش الأمني".

ويخلص للقول إن "الحلول الأمنية والقمع السياسي الذي تعدى حدود السياسة وأصبح قمع اجتماعي أيضا، أصبح مكونا عضويا من مكونات النظام ذاته، وضمن استراتيجياته الدائمة".

غير مستبعد
الحقوقي المصري هيثم أبوخليل، يعتقد أنه "لا شيء مستبعد"، مؤكدا أن "الثورات عدوى"، ضاربا المثل بـ"انتقال ثورات الربيع العربي من تونس لمصر وسوريا وليبيا واليمن"، وفق قوله لـ"عربي21".


ويلفت إلى "حالة الهلع لدى بعض الأنظمة وتسليط إعلامها على (جيل Z)، ووصفه بأنه (سيئ التربية)، بينما هو جيل يكسر حاجز خنوع وذل تعيشه الأوطان بعد 14 عاما من فشل الربيع العربي".

ويرى أنه "لا نظام مستبعد من السقوط، خاصة وأنها أنظمة لم تتعلم من سقوط نظام تونس، وسقطت بالقاهرة وطرابلس وصنعاء ومؤخرا دمشق، كحال الأنظمة المستبدة فاقدة الوعي لا تدرك أخطاءها إلا مع الغرق مثل فرعون، وعندها تقول: آمنت بحقوق الشعوب".

لن ينقذ نفسه ويعتمد على هؤلاء
وفي رؤيته، قال السياسي المصري رضا فهمي، لـ"عربي21"، إن "حالة دول المغرب العربي تكاد تتحول إلى ظاهرة تحتاج دراسة، بمعنى أن الربيع العربي انتقل من تونس لبقية الدول، والآن (جيل z) في المغرب".

وتساءل: "هل النظام المصري، سيتعامل بعقلانية وينظر إلى ما حدث بالمغرب ويتخذ إجراءات استباقية من شأنها تخفيف حدة توتر الشارع؟"، مجيبا: "لا لن يفعل؛ لأن عقليته غير ذلك وهي أمنية باطشة، ويعتقد أن نظام حسني مبارك تعامل مع ثورة 25 يناير 2011، بقدر من العنف أقل مما يتناسب مع الحدث".

ويلفت إلى الوضع الإقليمي والدولي الداعم لنظام السيسي، ضد أي حراك، موضحا أنه "إذا كان قبل 25 يناير أُطلق على مبارك لقب (الكنز الاستراتيجي لإسرائيل)، فهذا النظام يقدم نفسه أنه (الكنز الاستراتيجي للمنطقة) وللمشروع (الصهيوأمريكي) بالمنطقة بأطرافه الغربية والعربية، وبالطبع  هو متورط بسيناريو مستقبل غزة".

ويشير إلى أنه "يمثل كنزا استراتيجيا للإقليم، لأنه تنازل عن جزر استراتيجية تعزز مصالح إسرائيل، وقضايا الأمن القومي غير حاضرة لديه، وفرط في بعض ما يعبر عن رمزية مصر مثل مياه النيل، والأراضي ذات الأهمية الخاصة بملايين الأمتار لدول خليجية معروف ارتباطها بإسرائيل".

ويوضح أنه "لذلك فمن وجهة نظره، فإن الإقليم سيكون أحرص على بقائه، ويراهن على مسألة دعمه إسرائيليا وأمريكيا وخليجيا"، متوقعا أن "يستمر حتى يجد نفسه أمام لحظة الحسم عندما يخرج الشعب وتنحاز بعض المؤسسات له، ونكون أمام مشروع تغيير"، مؤكدا وجود "إجماع على عدم استقراره وأن تغييره مسألة وقت".

خيار صعب لهذه الأسباب
برغم إشادته بهذا الجيل، ووصفه بأنه "يرفض الصمت الذي نعانيه منذ سنوات"، أحد نشطاء ثورة يناير، تحدث إلى "عربي 21"، مؤكدا أن "هناك أسباب تقلل احتمال انتقال تظاهرات (جيل Z) لمصر".

الناشط الذي فضل عدم ذكر اسمه لوضعه الأمني، أقر بأن "الأوضاع الحالية أسوأ مما عاشه جيله قبل وبعد 25 يناير 2011، مع زيادة حالة الانغلاق السياسي، والفقر، بمقابل تمتع طبقة بسيطة بالحرية والرخاء والبذخ الظاهر في إعلانات المنتجعات والملابس والسيارات".

لكنه يوضح أن "هذا الجيل يحتاج إلى من يوجهه في ظل غياب قادة الحركات والشخصيات الثورية عن المشهد"، مشيرا لجماعة الإخوان المسلمين، وحركات ثورية مثل (6 إبريل)، والاشتراكيين الثوريين، ومجموعات ألتراس وغيرها.

ويلمح إلى أن "انشغال أغلب هذا الجيل بقضايا فرعية عبر الإنترنت، وبعده عن عالم السياسة، والحراك الثوري، وعدم ارتباطهم بأية ذكريات شخصية مع ثورة يناير 2011، إحدى عوامل ضعفه، وقد توجهه نحو التخريب خلال أي حراك".

ويلفت إلى جانب "الخوف الأمني، الذي يكبل المصريين، والذي قد يمنعهم من الانخراط في أي حراك بالشارع، والذي ترك ذكريات أليمة للكثيرين الذين يواجهون عقوبة الخروج للتعبير عن آرائهم بالاعتقال والسجن، بلا نهاية".

وحول توقعاته لخطوات النظام المحتملة، يرى أنه "لن يقوم بأية إصلاحات، حيث يعتقد أن أي تنازل منه خضوع غير مقبول".

أسباب قد تدفع (جيل Z) للتظاهر
يشير مراقبون إلى أن "الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في مصر قد تدفع هذا الجيل الذي يعتمد على الإنترنت للتعبير عن غضبه والنزول للتظاهر".

واقتصاديا، يرى (جيل Z) أن حكومة السيسي، لم تقدم له شيئا، بمشروعات العاصمة الإدارية، والعلمين، والضبعة النووية، والقطارات الكهربائية، ويرى أنها ورطته بديون خارجية بلغت 161 مليار دولار منتصف 2025، مطلوب من جيلهم سدادها.

يقول (جيل Z)، أيضا، إن حكومة السيسي، لم توفر له تعليما جيدا، أو فرص عمل لائق وسط زيادة معدلات البطالة، أو دخول تساعده على تكاليف الزواج وتوفير مسكن، أو افتتاح عمل خاص وسط القيود الحكومية والضرائب، وفي المقابل ظهور فئة من الأثرياء في الساحل الشمالي، ما يؤدي للإحباط، والسعي للهجرة، أو المخاطرة بالتظاهر.

ويلفت المراقبون، إلى أن (جيل Z)، "أهملته الحكومة ولم تقدم له مشروعات فكرية وثقافية، أو تشركه بقضايا وطنية، فلم يعد يقتنع بالرواية الرسمية ولا الدعاية الإعلامية، ويمكنه الوصول لحقيقة الأحداث واكتشاف وقائع الفساد بما يملكه من أدوات تكنولوجيا، رغم التعتيم وعدم الشفافية، ما يغذي الغضب الشعبي".

يشيرون كذلك إلى أن "هناك حاجز نفسي كبير بين (جيل Z)، والحكومة، باعتقال آلاف الشباب، وتجميد المشاركة السياسية، وتقييد عمل الأحزاب والجمعيات الأهلية، وقمع الحريات، وفقدان مساحة التعبير بالشارع وبالإنترنت، وغلق القنوات الشرعية للتعبير عن الغضب أو النقد، ما يجعل التظاهر الملاذ الأخير".

عوائق تمنع (جيل Z) من التظاهر
رغم وجود دوافع سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية قوية لتظاهر (جيل Z)، إلا أن أي حراك شعبي في مصر يواجه بالتعامل الأمني المفرط في القسوة، وهنا يلفت مراقبون إلى "قتل وإصابة واعتقال السلطات آلاف المتظاهرين من ميداني (رابعة العدوية) و(النهضة)، بيوم واحد، 14 آب/ أغسطس 2013".

ويؤكدون أنه "لأكثر من 12 عاما، فإن المصير المؤكد لأي تجمع شعبي هو القتل تعذيبا والتصفية الجسدية، أو الاعتقال التعسفي، والإخفاء القسري، والتعذيب الممنهج، والحبس الاحتياطي، والمحاكمات المسيسة، والأحكام القاسية بالإعدام والمؤبد والحبس المشدد، وفقدان الوظائف والأعمال ومصادرة الأموال".

كما يمثل "عدم وجود شخصية قيادة أو رمز سياسي يثق فيه (جيل Z) بما يكفي للمخاطرة بالنزول إلى الشارع بناء على دعوته، إحدى عوامل عدم النزول والتظاهر"، وفق البعض.