صحافة دولية

هل تستطيع خطة ترامب التغلب على وحشية غير مسبوقة؟

الخطة لاقت رفضا واسعة رغم الترحيب الرسمي بها- جيتي
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا للمعلق توماس فريدمان تناول فيه خطة ترامب بشأن غزة.

وقال فريدمان، إن خطة الرئيس ترامب للسلام في غزة، والمكونة من 20 نقطة، تُعدّ خطة ذكية لتحويل دمار الحرب إلى منصة انطلاق للسلام - إذ تستغل حربا مروعة في غزة ليس فقط لوضع أساس جديد لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، بل أيضا للتطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية ولبنان وسوريا، وربما حتى العراق أيضا. إذا نجحت، فقد تُطلق حتى شرارة تحول ضروري للغاية في إيران.

ويوجه فريدمان تحية تقدير لمهندسيها الرئيسيين: جاريد كوشنر وستيف ويتكوف وتوني بلير. فلولا جهودهم، لما وُلدت هذه المبادرة.

ويستدرك قائلا إنه بالرغم من كونها غير مسبوقة في إبداعها، إلا أنها تواجه لحظة غير مسبوقة في قسوتها، مما يجعلها في أحسن الأحوال بعيدة المنال.

ويتمنى لو كانت هذه الخطة كانت تهدف فقط إلى حل نزاع حدودي بين السويديين والنرويجيين. ولكن للأسف، يُقصد به وقف عامين من القتال الأكثر ضراوة ودموية بين اليهود والفلسطينيين في تاريخ هذا الصراع.

وأضاف، أن هجوم حماس في عام 2023 والرد الإنتقامي الإسرائيلي ربما يكون قد فعل شيئا لم تفعله أي حرب إسرائيلية عربية سابقة: لقد جعل تحقيق السلام أمرا مستحيلا.

ويؤكد أنه قام خلال حياته بتغطية هذا الصراع، وأنه لم يرَقط هذا الصراع يتشظى إلى هذا العدد الكبير من القطع الصغيرة، كل منها غارق في انعدام الثقة والكراهية تجاه الآخر أكثر من أي وقت مضى.

وأشار إلى أن تجميع هذه القطع معا لتنفيذ هذه الخطة المعقدة لوقف إطلاق النار، والانسحاب الإسرائيلي التدريجي من غزة، وإطلاق سراح الأسرى، وإطلاق سراح السجناء الفلسطينيين، ثم إعادة بناء القطاع تحت إشراف دولي، سيكون مهمة شاقة للغاية. سيتطلب الأمر حل مكعب روبيك دبلوماسيا يوميا - بينما يحاول جميع أعداء الصفقة خلط الأوراق يوميا.

كما يعرب فريدمان عن شكه في أن ترامب يقدر مدى جسامة الجهد المطلوب، ومقدار الوقت ورأس المال السياسي الذي سيتطلبه منه شخصيا، ومدى الضغط الذي سيُضطر إليه للضغط على كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وحماس، وحلفاء أمريكا العرب للقيام بأشياء لا يرغبون في القيام بها، بل قد تكون خطيرة عليهم سياسيا وجسديا.

وبالنسبة لزعم نتنياهو أنه وافق على هذه الخطة، يقول فريدمان إنه سيصدقه عندما يسمعه يخاطب شعبه وحكومته بالعبرية. ويضيف فريدمان ان أول قاعدة لديه في تقارير الشرق الأوسط هي: "ما يقوله الناس لك سرا لا يعتد به. كل ما يهم هو ما يقولونه علنا لشعبهم بلغتهم. في واشنطن، يكذب المسؤولون علنا ويقولون الحقيقة سرا. أما في الشرق الأوسط، فيكذب المسؤولون سرا ويقولون الحقيقة علنا".

ولفت فريدمان إلى أن "حماس، التي يختبئ معظم قيادتها الباقية في مخبأ بالدوحة، لا يزال عليها الموافقة. فقد قال لي ناحوم برنياع، كاتب عمود في صحيفة يديعوت أحرونوت: 'هناك طرق عديدة يُمكن لنتنياهو أو حماس من خلالها تخريب هذا الأمر'. لكنه، مثلي، يعتقد أن الأمر يستحق المحاولة، ويُشيد بمن وضعوا الخطة".

ويرى أن الخطة ضرورية للغاية من نواح عديدة. فبداية، يُمكن لأي شخص لديه أدنى معرفة بالحرب ومسارها أن يُدرك أن الإسرائيليين والعرب والإيرانيين لا يستطيعون تحمّل حرب أخرى، فالطائرات المُسيّرة، بل وحتى الصواريخ، الأذكى والأرخص، تُوزّع على مسافات أبعد، مما يُمكّن المزيد من الأطراف بشكل أسرع.


وقال الكاتب إنه لا يحتاج لتذكير الإسرائيليين بأنه في الأول من حزيران/ يونيو، ضربت أكثر من 100 طائرة أوكرانية مُسيّرة، مُهرّبة إلى روسيا، قواعد جوية في عمق روسيا، ما أدى إلى إتلاف أو تدمير ما لا يقل عن اثنتي عشرة طائرة حربية، بما في ذلك قاذفات استراتيجية بعيدة المدى. أظن أن هذا الهجوم المفاجئ والجريء كلّف أوكرانيا ما يُقارب جولة تسوق ضخمة في متجر "بيست باي" وهو ما لا يُقارب أي بأي شكل سعر طائرة مقاتلة واحدة من طراز "لوكهيد مارتن إف-35" ضمن أسطول إسرائيل، والذي يقارب 80 مليون دولار.

كما أكد أنه يُمكن لنتنياهو أن يقول ما يشاء، كما فعل يوم الاثنين، حيث هدد أنه إذا لم تقبل حماس بهذه الخطة، فإن "إسرائيل ستُنهي المهمة بنفسها" في غزة، وهو ما قال ترامب إنه سيدعمه. ولكن قول ذلك أسهل من فعله. إذا حدث ذلك، فسيكون لإسرائيل احتلال عسكري دائم لغزة في مواجهة تمرد دائم - وهو ما تُعارضه قيادتها العسكرية.. لهذا السبب، بعد أن وضع ترامب هذه الصفقة على الطاولة، لن يكون من السهل على بيبي أو حماس رفضها رفضا قاطعا.

ويرى فريدمان أن السبب الأخير لضرورة هذه الصفقة حتى لو بدت مستحيلة هو انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة تيك توك، وهو ما يعني أن فيديوهات كل ضحية مدنية - كل مدني مُقطّع - يمكن بثها الآن على هواتف كل شخص على وجه الأرض. لذا، وكما تكتشف إسرائيل، فإن الطريقة الوحيدة لهزيمة عدو مثل حماس، المتغلغل بين المدنيين، هي أن تجعل نفسها منبوذة بين الدول، وأن تُنبذ فرقها الرياضية وأكاديمييها وفنانيها حول العالم.

وتابع، "يمكن لنتنياهو أن يُعلن، مع بعض التبريرات الحقيقية، أن إسرائيل تدافع عن القيم الديمقراطية الغربية بهزيمة حماس الإسلامية الفاشية في غزة. وأن حماس منظمة مريعة - وخاصة بالنسبة للفلسطينيين. لكن اليوم، يمكن لأي مراهق على تيك توك أن يرى كيف يُديم بيبي والمتطرفون اليهود الإسرائيليون، في الوقت نفسه، الاستعمار الاستيطاني على النمط الغربي في الضفة الغربية. لا أحد ينخدع - وأعني لا أحد".

وأشار فريدمان إلى نتائج استطلاع رأي أجراه مركز بيو في آذار/ مارس 2025 حيث أظهر تحولا كبيرا في آراء الجمهوريين الأصغر سنا تجاه إسرائيل منذ عام 2022، حيث أصبحت آراء الجمهوريين الذين تقل أعمارهم عن 50 عاما أكثر سلبية تجاه إسرائيل (50%) مقارنة بـ 35% في عام 2022 - وهو تحول بمقدار 15 نقطة، وفقا للأستاذ بجامعة ماريلاند، شيبلي تلحمي، الذي حلل هذه البيانات وغيرها من بيانات الاستطلاع.

كما يؤكد فريدمان أن خطة السلام هذه ضرورية أيضا لأنه يجب عدم التخلي عن حل الدولتين - مهما كان مستبعدا، لأنه يظل النتيجة العادلة والعقلانية الوحيدة لهذا الصراع. لكن علينا أن ندرك أنه لا يمكننا الوصول إلى هناك من هنا.

وأضاف، أن هناك حاجة إلى جسر يبني الثقة حيث تم تدمير كل ذرة من الثقة. تقترح هذه الخطة القيام بذلك من خلال إنشاء تفويض معتمد من الأمم المتحدة لوضع غزة تحت إشراف هيئة حاكمة دولية وقوة عسكرية بموافقة عربية ومدخلات من السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية. والمنطق هو أنه ما لم يتمكن الفلسطينيون في غزة من بناء وإثبات قدرتهم على الحكم هناك، فمن المستحيل الحديث عن حل الدولتين.

وأردف، أنه لإعطاء الفلسطينيين أفضل فرصة لإثبات ذلك، فهم لا يحتاجون فقط إلى دعم دولي، بل يحتاجون أيضا إلى انسحاب إسرائيل من غزة، ويضيف أنه يجب وقف جميع عمليات بناء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، والتي صُممت لمحو أي إمكانية للسيادة الفلسطينية هناك يوما ما.

ودعا فريدمان لإجبار إسرائيل على ترك إمكانية قيام دولة فلسطينية مفتوحة إذا حقق الفلسطينيون معايير حكم معينة. ترامب وحده - الذي تعترف خطته بالدولة "كطموح للشعب الفلسطيني" - قادر على فرض ذلك على نتنياهو.

وأشار إلى أن هناك حافز خفي لإسرائيل للاستيلاء على خطة ترامب هذه. حيث كان تدمير إسرائيل للقدرات العسكرية لكل من إيران وحزب الله نصرا عسكريا تكتيكيا فتح آفاقا جديدة هائلة للتكامل الإقليمي.

وأوضح أن ذلك أدى إلى إسقاط نظام إيران الدمية في سوريا ومهد الطريق أمام ائتلاف ديمقراطي هش لتولي السلطة هناك. لقد خلق مساحة لأفضل ثنائي قيادي في لبنان منذ الحرب الأهلية - الرئيس جوزيف عون ورئيس الوزراء نواف سلام - لتحرير الديمقراطية اللبنانية الهشة من قبضة الموت لإيران وحزب الله. كما فتح مساحة أكبر للحكومة المنتخبة ديمقراطيا في العراق للسيطرة بشكل أفضل على الميليشيات الموالية لإيران هناك.

ومضى الكاتب قائلا، إن ذلك في الوقت نفسه، "أثار نقاشا هادئا داخل إيران حول جدوى إنفاق مليارات الدولارات، وجعل طهران منبوذة دوليا، لدعم الخاسرين مثل حماس وحزب الله وتهديد إسرائيل بشكل دائم".


ويرى أنه إذا استطاعت خطة ترامب للسلام أن تُمهد الطريق نحو حل الدولتين، فإنها ستمنح السعودية ولبنان وسوريا، وحتى العراق، مجالا واسعا للنظر في الانضمام إلى اتفاقيات إبراهيم وتطبيع العلاقات مع إسرائيل. وبعبارة أخرى، ستُحوّل الهزيمة العسكرية التكتيكية التي ألحقتها إسرائيل وإدارة ترامب بإيران في حرب الأيام الاثني عشر إلى إنجاز استراتيجي.

وبين فريدمان، أن ترامب بذل جهدا إضافيا في مؤتمره الصحفي بالبيت الأبيض يوم الاثنين ليقول إلى إيران بأنه منفتح على علاقة جديدة، إن كانت طهران كذلك. قال ترامب، متحدثا عن اتفاقيات إبراهيم، ونتنياهو يقف على مقربة: "من يدري، ربما تستطيع إيران نفسها الانخراط في هذه العلاقة".

وأشارت راغدة درغام، الرئيسة التنفيذية لمعهد بيروت، مؤخرا في مقال ذكي نُشر في جريدة النهار العربي، أنه لتحقيق ذلك، يجب على إسرائيل التغلب على "عقلية الحصار والتبجح العسكري"، ويجب على إيران التغلب على "عقلية السوق، التي تتأرجح بين التبجح والتنازل، والتصعيد والتراجع"، بحسب ما ورد في مقال فريدمان.

كما ذكرت درغام أن القيادة الإيرانية تواصل التقدم "خطوة نحو التسوية وخطوتين نحو التصعيد، متمسكة بوهم أن الوقت في صالحها. لكن وراء تحديها يكمن ذعر هادئ. في هذه الحالة المحاصرة، تواصل طهران ارتكاب حسابات خاطئة مكلفة، لا سيما فيما يتعلق بإسرائيل وخرافات ما يسمى "محور المقاومة"، الذي يقوده الحرس الثوري الإسلامي في لبنان والعراق واليمن، وبدرجة أقل في سوريا، حيث تم قطع شبكات إيران".

وأوضح فريدمان أنه إذا مضت صفقة ترامب قدما، فستعزل إيران إلى حد قد يؤدي في النهاية إلى صراع داخلي حقيقي وتغيير في الاستراتيجية هناك.

وختم قائلا، "إذا كنتَ من المراهنين، فراهن على أن الضروري سيكون مستحيلا - فلديك تاريخ طويل في صفك يؤكد أنه كلما اقتربنا من السلام، كلما أفسده الكارهون.. وإذا كنت من المتفائلين، فأمل أن تكون هذه المرة مختلفة".