قضايا وآراء

سوريا ودقّ ناقوس الخطر: بين الشائعات والوقائع.. هل يعود النظام الساقط؟

محمد خير أحمد الحوراني
"في المشهد السوري المعقد والمتغير، لم يعد ممكنا التعامل مع التحذيرات بخفة أو تسطيح"- سانا
"في المشهد السوري المعقد والمتغير، لم يعد ممكنا التعامل مع التحذيرات بخفة أو تسطيح"- سانا
تتوالى بين الحين والآخر تصريحات وتحليلات تتنبأ بعودة شخصيات النظام السوري الساقط إلى حكم أجزاء من البلاد ضمن سيناريوهات التقسيم والفدرلة، فيما يذهب آخرون إلى الجزم بقرب سقوط الإدارة الحالية وتحديد مواعيد لذلك، وسط رهانات بالأموال والذهب، وبين السخرية والخوف واللامبالاة، تتباين ردود الفعل الشعبية والرسمية على هذه التوقعات.

ولكن.. هل كل ما يُقال مجرد شائعات، أم أن ناقوس الخطر يجب أن يُقرَع؟

قوى ما تزال تعمل في الخفاء

لا يخفى على ذي بصيرة أن أعداء الثورة السورية، في الداخل والخارج، ما زالوا يشكلون قوة واسعة ومتنوعة تتحرك وفق حسابات دقيقة وأهداف محددة. ومن أبرز مكوناتها:

من غير المنطقي أن تكون هذه الأطراف قد سلّمت بالخسارة بعد عقود من التسلط والهيمنة، ومن الطبيعي أن تحاول إعادة ترتيب أوراقها واستعادة زمام المبادرة، ولو تدريجيا

1. جهات تعادي إرادة الشعوب: قوى دولية وإقليمية تتضرر من تحرر الشعوب، وتفضّل بقاء المنطقة في حالة ضعف وتبعية وانقسام.

2. بقايا الأجهزة الأمنية والعسكرية: عشرات الآلاف من الضباط والجنود والأمنيين والمتعاونين المرتبطين بالنظام السابق، المنتشرين داخل البلاد وخارجها، ويمتلكون خبرة وارتباطات واسعة.

3. حلفاء النظام السابق المتضررون من سقوطه: قوى دولية وإقليمية خسرت مكاسبها بسقوط النظام السابق، وما تزال مستعدة لدعم أي مسار قد ينعش الثورة المضادة.

4. آلة إعلامية موجهة: منظومة إعلامية محترفة تعمل على تشويه الثورة وتضخيم سلبياتها، وتجاهُل ستة عقود من القمع والجرائم تحت حكم البعث والأسدين، مع بث الشائعات وإثارة البلبلة.

هل تقبلت هذه القوى خسارتها؟

من غير المنطقي أن تكون هذه الأطراف قد سلّمت بالخسارة بعد عقود من التسلط والهيمنة، ومن الطبيعي أن تحاول إعادة ترتيب أوراقها واستعادة زمام المبادرة، ولو تدريجيا.

ومن هنا، فإن تصريحات وزير سابق أو قيادي هارب ليست مجرد تكهنات عابرة، بل كثيرا ما تكون محمَّلة بتسريبات أو رسائل مقصودة، بعضها للتضليل وبعضها بهدف التحضير لخطوات لاحقة.

مؤشرات لافتة على تقاطع الأجندات (ناقوس خطر حقيقي)

ويتجلّى هذا التقاطع في مجموعة من المواقف التي تُظهر تناغما مريبا بين الخطابات الانفصالية من جهة، وعلاقة ذلك مع تحذيرات الدولة السورية وتوجهاتها من جهة أخرى. ومن أبرز هذه الإشارات:

1. موقف الإدارة السورية من "قسد"؛ وتأكيدها المستمر على ضرورة التزام "قسد" باتفاق 10 آذار/ مارس، والبدء بعملية اندماج كامل تُعيد سلطة الدولة على منطقة الجزيرة السورية قبل نهاية عام 2025م.

2. تصريحات شخصيات سياسية ومسؤولين سابقين: وحديثهم الواثق عن "حتمية" عودة شخصيات من النظام الساقط إلى الساحل السوري، بالتزامن مع سيناريو انفصال الجنوب بدعم مباشر من الكيان الصهيوني.

3. رهانات علنية لفلول النظام: مراهناتهم بالمال والذهب عبر وسائل الإعلام تزعم أن نهاية عام 2025 ستكون الموعد الحاسم لانهيار وسقوط الإدارة السورية الجديدة.

هذه المؤشرات ليست مجرد حوادث متفرقة؛ بل رسائل متقاطعة من أطراف متعددة تلتقي عند نقاط حساسة تستحق الحذر والقراءة المتأنية. وهنا يتأكد أن ناقوس الخطر يجب أن يُقرَع بالفعل.

الإصغاء لضربات ناقوس الخطر لا يعني الخوف، بل الوعي؛ ولا يعني الاستسلام، بل الاستعداد؛ وحده الفهم الرشيد لما يجري هو الكفيل بمنع عودة الاستبداد بوجه جديد أو صيغة مختلفة

وأمام كل ذلك يبرز سؤال بالغ الأهمية: هل يقبل آلاف المتضررين من أي تسوية أو حلّ مع "قسد" بما قد يسوء وجوههم ويقضي عليهم، أم أنهم يعملون بصمت على ترتيب الصفوف والتخطيط لمعركة استباقية حاسمة ضد "دمشق الثورة" بما يعيد تشكيل المشهد وفق مصالحهم؟ وهل يعي هؤلاء خطورة ذلك التحرك الذي يفتح الباب واسعا لتدخُّل عدة دول، بشكل مباشر قد يفجر صراعا واسعا في المنطقة؟

بين السخرية والحذر: أين الحل؟

التعامل مع هذه التحذيرات بالسخرية أو الرفض المطلق هو تكرار لأخطاء مكلفة عانت منها شعوب عديدة. في المقابل، تضخيمها دون تمحيص يفتح الباب أمام الرعب والدعاية الكاذبة، بينما يقوم المنهج الصحيح على التوازن: لا سخرية مفرطة تُغلق باب الحذر، ولا تهويل يزرع الخوف، بل قراءة موضوعية، واستعداد فعلي، ودراسة للسيناريوهات المحتملة، وتحليل للتصريحات والخلفيات والأبعاد.

ففي المشهد السوري المعقد والمتغير، لم يعد ممكنا التعامل مع التحذيرات بخفة أو تسطيح، فالسعيد من اعتبر بغيره، ومن حافظ على يقظته دون أن ينجرّ وراء الشائعات.

إن الإصغاء لضربات ناقوس الخطر لا يعني الخوف، بل الوعي؛ ولا يعني الاستسلام، بل الاستعداد؛ وحده الفهم الرشيد لما يجري هو الكفيل بمنع عودة الاستبداد بوجه جديد أو صيغة مختلفة.

ومن هنا نقول: ما يمكن أن يحدث قبل نهاية العام الحالي سواء فُتحت معركة واسعة أم تمكنت الدولة السورية من بسط سيطرتها على الشمال الشرقي من البلاد سلميا، يشكّل بالفعل محطة جديدة من محطات "التسارع الثالث"، الذي يحمل تغيّرات مفاجئة وتحولات حادة في مسار ومصير العالم والمنطقة.
التعليقات (0)