أطلقت وزارة الزراعة والري السودانية، إنذارا أحمر، هو الثاني خلال الساعات الماضية لـ6 ولايات من فيضانات خطيرة على امتداد الشريط النيلي نتيجة زيادة الوارد من
النيلين الأزرق والأبيض، لم يعتد السودانيون عليها في نهاية أيلول/سبتمبر.
ووجهت وحدة الإنذار المبكر في إدارة شؤون مياه النيل بالوزارة "إنذار خطورة عالية جدا باتخاذ التدابير القصوى لولايات النيل الأزرق وسنار والجزيرة والخرطوم ونهر النيل والنيل الأبيض"، وأشارت إلى أنه يشمل الفترة من صباح الاثنين وحتى مساء الأربعاء، ودعت إلى تجنب الأماكن المنخفضة والوديان والطرق التي يمكن أن تغمرها المياه.
وأعلنت وزارة الري السودانية، الثلاثاء، عن ارتفاع مناسيب المياه على جميع ضفاف النيل خلال الأسبوع الجاري، محذرة المواطنين من مخاطر وقوع الفيضانات وداعية إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية الأرواح والممتلكات، وأوضحت أن "محطات القياس والرصد بلغت منسوب الفيضان في: ود العيس (سنجة)، ومدني، والخرطوم، وشندي، وعطبرة، وبربر، وجبل أولياء".
وعزا رئيس الجهاز الفني للموارد المائية بوزارة الزراعة والري صالح حمد، ارتفاع مناسيب النيل إلى الزيادة في الإيراد الواصل من
سد النهضة نتيجة للملء الكامل له أثناء حفل الافتتاح والحاجة إلى تخفيض مستوى البحيرة بعد الاحتفال.
وأوضح حمد أن ذلك يعني تمرير كل المياه الواردة يوميا للسد والتي شهدت زيادة فوق المتوسط العام في هذه الفترة مع سحب من البحيرة يقدر بنحو 150 إلى 250 مليون متر مكعب في اليوم، في وقت كان فيه متوسط الإيراد اليومي للنيل الأزرق في مثل هذه الأيام من العام يبلغ 450 إلى 500 مليون متر مكعب في اليوم، بينما مرت خلال الأيام الماضية 750 مليون متر مكعب يوميا، وبلغ الفيضان الأقصى للنيل الأزرق 950 مليون متر مكعب في اليوم قبل تشييد السد.
وخلال اليومين الماضيين، شهدت مناطق عديدة بالسودان موجات فيضانات جراء ارتفاع مناسيب نهر النيل ورافديه “النيل الأبيض” القادم من بحيرة فكتوريا، و"النيل الأزرق" القادم من الهضبة الإثيوبية.
ومنذ 30 حزيران/يونيو الماضي وحتى 25 أيلول/سبتمبر الجاري، تضرر "24 ألفا و992 أسرة و 125 ألفا و56 شخصا" من الأمطار والفيضانات، بحسب آخر إحصائية حكومية.
قال الدكتور عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، إن إثيوبيا قامت بعمليات تفريغ عشوائية من سد النهضة دون تنسيق مع دولتي المصب، ما تسبب في غرق مساحات واسعة من الأراضي السودانية، ما دفع الخرطوم إلى تصريف المياه الزائدة باتجاه مصر.
وأوضح أن توقيت هذه التدفقات يتعارض مع الموسم الزراعي، ما تسبب في فيضانات وغرق للأراضي، مشيرًا إلى أن السودان كان بحاجة لهذه المياه في شهري تموز/يوليو وآب/أغسطس الماضيين، وليس في نهاية أيلول/سبتمبر، وأكد أن الفيضانات الكارثية التي تعرضت لها مناطق واسعة من السودان مؤخرًا تعود بشكل مباشر إلى سد النهضة، وليس لأي سبب آخر كما يروج البعض.
وأشار إلى أنهم حذروا من ضرورة اتباع سياسة التفريغ التدريجي لمياه بحيرة السد مع اقتراب موسم الأمطار السنوي، ثم إعادة الملء خلال فترة سقوط الأمطار، لكن غياب المرونة من الجانب الإثيوبي، ورفض الاعتراف بمشكلات نقص كفاءة تشغيل التوربينات والاكتفاء بخطط غير مدروسة، ساهم في تفاقم الأزمة.
وأوضح شراقي أن سد النهضة الإثيوبي اكتمل بناؤه في العام الماضي، وتم الانتهاء من عملية الملء كذلك، إلا أنه كان من المخطط تركيب 13 توربينًا لتوليد الكهرباء، ولم يتم تثبيت سوى 4 توربينات فقط، وظلت هذه التوربينات هي الوحيدة العاملة طوال العام الماضي وكان من المفترض أن يؤدي ذلك إلى انخفاض منسوب المياه في بحيرة السد تدريجيًا، لكن ما حدث فعليًا هو أن التوربينات لم تؤدِ دورها كما ينبغي، وأهملت إثيوبيا تصريف الكميات الفائضة من المياه خلف السد، مما أدى إلى تراكم المياه بشكل غير مسبوق.
وتابع: "هذا التعنت أدى إلى تصريف 750 مليون متر مكعب من المياه يوميًا لمدة ثلاثة أيام متتالية مع نهاية شهر سبتمبر الماضي، وهو معدل لم يسبق له مثيل تاريخيًا، وانعكس ذلك مباشرة على ارتفاع منسوب مياه النيل الأزرق وحدوث فيضانات غير مسبوقة تهدد حياة السكان في السودان."
وأضاف شراقي أن سد النهضة الإثيوبي حجز نحو 100 مليار متر مكعب من المياه داخل الأراضي الإثيوبية، مشيرًا إلى أنه لولا وجود السد العالي لتوقفت 50% من الأراضي الزراعية المصرية عن الإنتاج.
وعادة، تهطل أمطار غزيرة بفصل الخريف في السودان، حيث يبدأ من يونيو وحتى تشرين الأول/أكتوبر من كل عام، وخلاله يواجه البلد سنويا فيضانات واسعة النطاق، وتتزامن الكوارث الطبيعية في السودان هذه الأيام مع معاناة السودانيين جراء حرب مستمرة بين الجيش و"قوات الدعم السريع" منذ منتصف نيسان/أبريل 2023 والتي خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل ونحو 15 مليون نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية، بينما قدر بحث لجامعات أمريكية عدد القتلى بنحو 130 ألفا.