العمل العربي المشترك، المتعلق بمواجهة الاحتلال
الإسرائيلي
وعدوانه على الشعب الفلسطيني، وعلى سيادة عربية، أفضى تاريخيا إلى تكرار الكلام
نفسه عن تحديات ومخاطر
العدوان، بدون تصدٍ فعلي له. فبديهيات الكلام بشأنه باتت مفهومة
لأجيال عربية، والنصوص والشعارات محفوظة، قبل أن تخرج عن اجتماعات ثنائية أو
ثلاثية بين الزعماء والمسئولين العرب، حتى أصبح السؤال والجواب عن التوقعات
والآمال التي تخص مواجهة التحديات، وعلى رأسها القضية الفلسطينية ومسألة ردع عدوان
إسرائيل الذي يشمل دول وعواصم ومدن عربية مختلفة، يلخص دوما بالتوقعات المنخفضة وغير
الفاعلة، والتي تساهم في "تعظيم" قدرة إسرائيل على تفتيت مواقف عربية، وضرب
سياسات عربية. فالبحث قبل كل اجتماع عن "إجماع" عربي يوحد المواقف من
عدوان وفاشية الاحتلال، ونقاش عربي يفتش عن لغة وموقف للرد، بينما المحتل يشهر
جرأة تغوله على الكل العربي حتى على من راهن بعلاقته "الوطيدة" معه؛ إن
كان في فلسطين أو مع عواصم عربية.
العدوان على الدوحة، ليس خاتمة اكتشاف عدوانية وغدر
المحتل بـ"وسيط" يسعى لوقف المذبحة في
غزة، ولا الذهول والصدمة من جريمته
يمكن أن يحدثا فارقا كبيرا، فالصدمة الكبرى صداها يتكرر يوميا بجرائم حرب، وإبادة
جماعية يتفرج عليها كل العرب قادة وشعوبا، دون تحريك ساكن، غير تبديل حروف وبيانات
الاستنكار. وقد حفظت المؤسسة الصهيونية قاعدة العمل العربي هذه وعجزها، ضمن المجال
الذي يمنحها ويمنح قادة الفكر والسلوك الفاشي العنصري في حكومتها؛ تكرار مقولات عن
"إسرائيل الكبرى" وضم الأرض الفلسطينية وتهجير سكانها، وهي مقولات تترجم
إلى أفعال سريعة بخطط وسلوك على الأرض، يقول أن لا دولة فلسطينية، ولا سلام إلا
سلام الغطرسة والقوة والهيمنة.
حفظت المؤسسة الصهيونية قاعدة العمل العربي هذه وعجزها، ضمن المجال الذي يمنحها ويمنح قادة الفكر والسلوك الفاشي العنصري في حكومتها؛ تكرار مقولات عن "إسرائيل الكبرى" وضم الأرض الفلسطينية وتهجير سكانها، وهي مقولات تترجم إلى أفعال سريعة بخطط وسلوك على الأرض
المواقف والإجراءات، لمواجهة عدوان على شعب وعلى عاصمة
عربية، ليست بحاجة لقمة، بل بحاجة لسلوك وإجراءات سريعة وفاعلة على الأرض، تُحدث
صدمة للمعتدي، لأن الأخير يمارس عدوانه وفاشيته دون أن يعقد قمما ثلاثية وجماعية
مع حلفائه، لا في الولايات المتحدة ولا في الغرب، يكتفي بالتشاور الهاتفي لتقديم
الدعم والتسليح له.
واختصارا نقول: من لم يواجَه بعد عامين من ارتكابه جرائم
الإبادة الجماعية بموقف عربي منخفض على الأقل، بقطع العلاقة معه ومعاقبته، وبدون
قمة عربية، لن يعوّل على بقية المواقف التي يحلم ويتمنى العربي أن تكون سلاحا بيد
أنظمته؛ التي تعيش حالة استرخاء اطمأن إليها المحتل وحلفاؤه، ومكنتهم من الاستهانة
بكل المقدرات والقوة العربية.
ولأن الاستهانة الذاتية العربية شكلت القاعدة الأهم
والأبرز في المواجهة مع إسرائيل، وعلى مدار عقود، أصبحت المواقف من العدوان
والاستيطان والتهويد والتهجير والفصل العنصري متقشفة جدا، لا بل مختلفا عليها
بالإجماع العربي، وبحاجة لمشاورات ومداولات مغلقة، نتائجها انهيار لمنظومة "الأمن
القومي العربي" الذي تستبيحه إسرائيل في البر والبحر والجو بدون رادع. فكل
جداول الأعمال العربية المشتركة كانت تبحث في كيفية الخلاص والهروب من قضيتها
المركزية، والتحلل من التزامات المواجهة المباشرة وتداعياتها، لكن بدون فائدة، وها
نحن اليوم، نسمع سردية عربية صهيونية عن مسؤولية الخراب والقتل والتهجير والتدمير؛
تقع على ضحايا الإرهاب الصهيوني، لا على الإرهاب نفسه الذي بنى "دولة يهودية"
بطموحاتها التوسعية الدينية.
المطلوب من النظام العربي الرسمي، بحسب رسائل واشنطن وتل
أبيب، مهام أمنية ووظائف محددة، والموقف الأمريكي شرح نفسه آلاف المرات بشأن علو
مكانة الفاشية الصهيونية لديه والدفاع عنها. فبعد العدوان على الدوحة، وأثناء
توافد الزعماء العرب على الدوحة، تدمر إسرائيل الأبراج السكنية في غزة، وجرائم
التطهير العرقي تتسارع، ويهرول وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو إلى تل أبيب
ويقتحم مع نتنياهو حائط البراق ويتمتم بعبارات تلمودية، وتصريحات عن قوة التحالف
والدعم الأمريكي لإسرائيل. فهل هناك ما هو أوضح للقادة والزعماء العرب شرحا عن
حليفهم وعدوهم؟
والعدوان الإسرائيلي على الدوحة يشكل صفعة قوية لحلفاء
واشنطن في المنطقة العربية، من الذين وقعوا معاهدات تطبيع وتحالف واتفاقات منفردة
مع إسرائيل، وللذين كانوا يستعدون للهرولة أكثر نحو التطبيع. فبعد تمييع جرائم
الإبادة الجماعية في غزة، مع الضوء الأخضر الأمريكي لضم الأراضي الفلسطينية
المحتلة، وتمييع كل القانون الدولي والإنساني، المرتبط بالقضية الفلسطينية، تكرر
الإدارة الأمريكية بكل صلف ووضوح دعم وتفهم سلوك العدوان والغدر الإسرائيلي حتى بحليفتها
"المفترضة" الدوحة.
العدوان الإسرائيلي على الدوحة يشكل صفعة قوية لحلفاء واشنطن في المنطقة العربية، من الذين وقعوا معاهدات تطبيع وتحالف واتفاقات منفردة مع إسرائيل، وللذين كانوا يستعدون للهرولة أكثر نحو التطبيع
المداولات والنقاش العربي والإسلامي لبحث كيفية الرد على
عدوان هو مستمر بكل الأحوال، وعقود النكبة الفلسطينية والاحتلال، بكل ما حملته
المؤسسة الصهيونية وأنتجت من مآسٍ وقتل وتشريد ودمار، لم تتحول لقاعدة فهم عربي
مشترك للمشروع الاستعماري الصهيوني في فلسطين والمنطقة العربية. وبرغم كل الصفعات
التي وُجهت للأوهام العربية والفلسطينية، لم تفعل فعل الصحوة العربية المطلوبة.
وكل الاستراتيجيات العربية الأمنية والعسكرية والسياسية التي انهارت وضربتها
إسرائيل، مرتبطة أساسا بعوامل داخلية بعيدة عن الهدف الأساسي؛ من مواجهة المشروع
الصهيوني أو مؤازرة ضحايا الإبادة الجماعية.
كشفت إسرائيل بعدوانها على الدوحة، وبعدوانها المستمر
على غزة وكل المنطقة، بدعم سافر من الولايات المتحدة، للمرة الألف، عن وجهها
القبيح المعادي للعرب والمسلمين ولتطلعاتهم العادلة، وما لم يرص العرب صفوفهم، وما
لم يتم استنهاض شوارع عربية تُترجم ما يقال عن شجب ورفض واستنكار في اجتماعات
وبيانات عربية، فإن سياسة الاستهتار والإذلال ستستمر بعقد قمم عادية واستثنائية،
طالما قاعدة العداء لإسرائيل خاضعة لنقاش، ومع عدم وجود إجماع عربي وإسلامي، فلن
يضع أحد حدا لهذه الغطرسة.
والقرائن الصهيونية وصلت الدوحة، وتهدد السعودية ومصر
وتركيا والأردن لبنان وسوريا وتونس، وهي بخلاف الكلام العربي، تشن عدوانا مباشرا
ومستمرا، يخلف مئات آلاف الضحايا وملايين المهددين بالتهجير، مع عربدة وتبجح
وتهديد سافر للجميع، وانتهاك مستمر لسيادة عربية تجاوزت الحدود بدون قاعدة ردع
ذاتي تفصح على الأقل عن حجم القرار العربي، لأن ردة فعل العرب يطويها الزمن بعد
انقضاء قممهم، فيتلاشى الغضب والتهديد والوعيد، ويبقى والبكاء حتى عدوان آخر؛ لا
أحد يتمنى وقوعه، بل يأمل أن يكون هناك نهوض عربي حقيقي يردع كل هذه الفاشية؛
بأدوات يهملها وهي كثيرة وبين يديه.
x.com/nizar_sahli