نشرت صحيفة "نيويورك تايمز"
تقريرا تناولت فيه تأثير التاريخ الاستعماري الأوروبي، وخاصة اتفاقية سايكس-بيكو، في تشكيل الشرق الأوسط، وذلك بعد إعلان بريطانيا وفرنسا مؤخرًا نيتهم الاعتراف بدولة
فلسطين.
ونقلت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمتها "عربي 21"، عن وزير الخارجية البريطاني التي أدلى بها الأسبوع الماضي؛ حيث قال إن حكومته ستعترف بدولة فلسطين إذا لم توافق إسرائيل على وقف إطلاق النار مع حماس، مضيفًا أن البريطانيين عندما يفعلون ذلك "نُدرك أن التاريخ يضع على عاتقنا مسؤولية جسيمة".
وذكرت الصحيفة أن نظيره الفرنسي استشهد بالعامل التاريخي في تفسير سبب اتخاذ فرنسا الخطوة نفسها قبل أسبوع، مشيرًا إلى أن القادة الفرنسيين، منذ عهد شارل ديغول، دعوا إلى إنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني على أساس "اعتراف كل دولة من الدول المعنية بجميع الدول الأخرى".
وأضافت الصحيفة أن أي منهما لم يتطرقا إلى اتفاقية سايكس بيكو سنة 1916، التي قسّمت بريطانيا وفرنسا بموجبها المشرق العربي إلى مناطق نفوذ، رغم أنها شكّلت أساسًا للواقع السياسي الحالي.
وأشارت الصحيفة إلى أن اتفاقية سايكس بيكو تُعد مثالا بارزا على الغطرسة الإمبريالية الغربية، إذ رسمت حدودًا قطعت أوصال مجتمعات دينية وعرقية وقبلية في المشرق، ما خلّف إرثًا من الصراع والدماء في نظر كثير من العرب الذين رأوا فيها خيانة كبرى.
وتابعت، "لا شك أن أزمة
غزة الحالية - الأطفال الجائعون والقيود الإسرائيلية على المساعدات واستشهاد الفلسطينيين أثناء محاولتهم الحصول على الطعام - أثّرت بقوة على قرارات ستارمر وماكرون، غير أن تلك القرارات أعادت تسليط الضوء على الأدوار الاستعمارية لبريطانيا وفرنسا في الشرق الأوسط".
وأكد البروفيسور يوجين روغان من جامعة أكسفورد أهمية تصحيح أخطاء الماضي، مشيدا بخطوات الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
ولفت إلى أن إسرائيل، بمسارها الحالي، تفتح الباب لممارسات خطيرة بحق الفلسطينيين، معتبرا أن الاعتراف بدولتهم قد يساهم في تحقيق تعايش مستدام.
وأفادت الصحيفة أن وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي أشار في كلمته بالأمم المتحدة إلى أن الاعتراف بدولة فلسطين يُصحح ظلمًا تاريخيًا سببه
وعد بلفور سنة 1917، الذي دعم إقامة وطن قومي لليهود بشرط عدم الإضرار بحقوق السكان غير اليهود في فلسطين.
وقال لامي إنه بعد 21 شهرا من الهجمات الإسرائيلية المتواصلة على غزة، وفي ظل شبح المجاعة الذي يخيم على القطاع، فإن بريطانيا تتحمل مسؤولية اتخاذ موقف لصالح الشعب الفلسطيني الذي عانى طويلا من القمع.
وقال البروفيسور روجان إن لامي يستخدم التاريخ لمنح شرعية لخطوته، معتبرًا أن الوقت قد حان للوفاء بجزء الوعد المتعلق بحقوق الفلسطينيين، الذي أُغفل منذ صدور وعد بلفور سنة 1917.
وأضاف لامي، أن بريطانيا يمكن أن تفخر بدورها في تأسيس وطن لليهود، لكن المؤرخ يوجين روجان أشار إلى أن الدافع كان استراتيجيا، إذ أرادت لندن منع سقوط فلسطين في أيدي أعدائها وحماية قناة السويس.
وعلاوة على ذلك، تراجعت بريطانيا عن موقفها المؤيد للصهيونية عندما وجدت صعوبة في التوفيق بين قيام دولة يهودية والحفاظ على علاقاتها مع العالم العربي. وفي "الكتاب الأبيض" الصادر سنة 1939، اقترحت بريطانيا إنشاء وطن لليهود ضمن دولة فلسطينية ذات أغلبية عربية، مع تقييد الهجرة اليهودية إلى فلسطين بـ75 ألفًا لمدة خمس سنوات.
وذكرت الصحيفة أن محللين يجادلون بأنه لو لم تكن لهذه الخطوات تأثير فعلي، لما أثارت ردود الفعل الغاضبة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومسؤولين إسرائيليين آخرين، مشيرا إلى أنه مع انضمام بريطانيا وفرنسا، إلى جانب كندا ومالطا اللتين أعلنتا الأسبوع الماضي دعمهما للاعتراف بدولة فلسطين خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر، فإن أكثر من ثلاثة أرباع الدول الأعضاء في المنظمة - وعددها 193 - ستكون قد اعترفت بالدولة الفلسطينية.
وكان لفرنسا مصلحة أقل مباشرة في فلسطين مقارنةً ببريطانيا، بعدما تخلّت عن مطالبها هناك بموجب اتفاقية سايكس بيكو، لكن خطوتها نحو الاعتراف بدولة فلسطين تمثّل منعطفًا مصيريا آخر في علاقتها مع إسرائيل.
ومن سنة 1945 حتى سنة 1967، كانت فرنسا الداعم الأكبر لإسرائيل في الغرب ويرتبط جزء من ذلك بتجربتها المؤلمة مع إنهاء الاستعمار. ففي سنة 1954، واجهت فرنسا انتفاضة مناهضة للاستعمار في الجزائر، وكان القوميون الجزائريون يتلقون الدعم من الرئيس المصري جمال عبد الناصر.
وقالت الصحيفة إن فرنسا رأت في إسرائيل حصنًا في مواجهة جمال عبد الناصر، فتقرّبت منها، وزوّدتها بمقاتلات "ميراج" وتقنية نووية أصبحت لاحقًا أساس برنامجها غير المُعلن للأسلحة النووية، لكن في سنة 1967، وقبل أيام من شن إسرائيل ضربة عسكرية ضد مصر، فرض الرئيس الفرنسي آنذاك شارل ديغول حظرًا على تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، ووجّه اهتمامه نحو الدول العربية.
ومن خلال دعمها لإسرائيل في حرب سنة 1967، كانت الولايات المتحدة قد حلّت محل فرنسا كأهم حليف لها. أما فرنسا، فقد أصبحت لاحقًا أول دولة غربية تطوّر علاقات وثيقة مع منظمة التحرير الفلسطينية، التي تمثل الفلسطينيين على الساحة الدولية ويرأسها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.
واختتمت الصحيفة بالإشارة إلى ما قاله السفير الفرنسي السابق لدى إسرائيل، جيرار أرو، إن اعتراف ماكرون بدولة فلسطينية يحمل مخاطر سياسية كبيرة، نظرًا لوجود أكبر جاليتين يهودية ومسلمة في فرنسا، ولسجل البلاد في التعرض لهجمات إرهابية.