دأب الإعلامي
المصري، إبراهيم عيسى على الإشادة بالنظام المصري، ورئيسه، عبدالفتاح
السيسي ودعم سياساته الداخلية والخارجية، حتى وقت قريب، لكن الأمر تغير فجأة، وتحولت الموالاه، إلى هجوم مضاد، فما الذي تغير؟
استمرت سياسة "التطبيل" للنظام من قبل عيسى منذ انقلاب 3 تموز/ يوليو 2013، لكن الرجل وبعد 12 عاما، وفي 7 تموز/ يوليو الماضي، وجه انتقادات لاذعة لإدارة السيسي، معلنا رفضه أوضاع مصر السياسية والاقتصادية والحقوقية في عهده، ما دفع للتكهنات والتساؤلات حول أسباب ذلك التحول.
عيسى، نشر عبر "يوتيوب"، مقطعا، خلص فيها للقول إن "الشعب المصري أكثر حرصا على استقرار البلد والنظام السياسي نفسه والدولة، بينما الدولة تبدو حريصة جدا -في شيء يفارق المنطق- على غياب الاستقرار".
وقال: "لا يوجد في العالم حكومة وأجهزة دولة ليس هدفها إلا حياة الشعب وحاجة المواطن وخفض الأسعار ورفع الأجور وتوفير العمل والسلع ومقومات الحياة الأساسية"، مشيرا إلى أنه "في مصر يكون الحديث عن مشروعات الكباري والطرق"، ملمحا إلى أنها مشروعات يقابلها "طحن عظام المصريين لكي تتم".
وتحدث عن مشروعات نفذها الجيش، ولم تؤد المطلوب منها مثل "الصوب الزراعية"، و"المزارع السمكية"، ورغم إشادته بمشروعات أخرى، تساءل: "ما علاقة هذا برفع سعر البنزين 1000 بالمئة، واستدانة 150 مليار دولار؟"، مضيفا: "وما علاقة المونوريل، والقطار الكهربائي، والأتوبيس الترددي، بحياة المواطن ووجود 650 ألف عجز بالمعلمين؟".
وألمح إلى "توفير مساكن اقتصادية للمواطن والاستدانة لأجل ذلك، ثم نعطيها للمواطن بـ2 مليون جنيه"، منتقدا أوضاع المصريين في ظل ما يطلقه النظام عن "الحياة الكريمة"، والضغوط الاقتصادية التي أدت لوفاة 18 فتاة تعمل بمزارع العنب، متسائلا: "كيف تتأتي الحياة الكريمة مع رفع أسعار المواد الغذائية ووصول كيلو اللحوم لـ400 جنيه".
ولفت إلى اندثار الطبقة الوسطى التي كانت تمثل 40 بالمئة من الشعب، ونزولها للطبقة الفقيرة التي قدرها بـ95 بالمئة، مشيرا إلى أن الطبقة الغنية تمثل النسبة الباقية، ملمحا إلى أن "البلد مهددة بالانفجار"، ملمحا إلى آثار قانون الإيجار الجديد، ومحذرا من استمرار ذات السياسات التي أدت للأزمة الاقتصادية، والفقر، والأسعار الجنوينة، ومعدل التضخم غير المسبوق.
أجواء مضطربة وأحداث غامضة
المقطع الذي أثار جدلا، كونه يأتي في سياقات دولية مثيرة وأجواء إقليمية مضطربة وأحداث داخلية غامضة، تبعها تكهنات بالشارع المصري حول انقلاب خليجي أو داخلي محتمل على رأس النظام.
يشير البعض إلى العديد من المؤشرات التي استندوا عليها في تقديراتهم تلك للمشهد وبينها: الحرائق المتواصلة، والسجال المصري السعودي الذي شارك به رئيس هيئة الترفيه تركي آل الشيخ، وخروج إبراهيم عيسى من دائرة مؤيدي السيسي لدائرة معارضيه، في مشهد يغلب عليه الغموض، وغيرها.
ومنذ اندلاع حريق سنترال رمسيس الاثنين الماضي، تشهد العاصمة المصرية القاهرة حرائق عديدة انتقلت إلى محافظات أخرى، ما رأي فيه مصريون أنها عمليات مهندسة ومقصودة وخلفها الكثير من الرسائل.
تكرار الحرائق وبأماكن حيوية مثل محطات الكهرباء والسنترال والمصانع وأيضا مزارع وفنادق دعت لطرح الكثير من التساؤلات والتكهن بوجود أزمة داخلية ومحاولات للإطاحة بالنظام من الداخل أو من الخارج، في توقيت يسعى فيه النظام لتمرير انتخابات الشيوخ والنواب ومن ثم تعديل الدستور ومد فترة حكم السيسي، وفق رؤية البعض.
وبالتوازي، تتوالى المؤشرات على تعكر صفو العلاقات المصرية السعودية، منذ حضور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في أيار/ مايو الماضي، للرياض، وعدم دعوة السيسي لحضور القمة الأمريكية
الخليجية.
وبداية الشهر الجاري، جرت ملاسنات ومشاحنات بين مسؤولين مصريين وسعوديين لأول مرة، وامتدت إلى شخصيات صحفية وإعلامية، وصلت حد التهديد بإنهاء حكم السيسي، وقيادة السعودية انقلاب عليه.
وإلى جانب سخرية الوزير السعودي، تركي آل الشيخ، من لغة وزير النقل والصناعة المصري كامل الوزير، الإنجليزية، أشار الصحفي السعودي المقرب من نظام الرياض قينان الغامدي، عبر صفحته في "إكس"، لاحتمالات الانقلاب على السيسي، قائلا: "آخر احتفال بـ3 يوليو، العام 2026 نظام السيسي في الترب".
كذلك، تطفو على السطح ولأول مرة بشكل علني خلافات مصرية خليجية حول تسعير صفقات طروحات الأصول المصرية، والتي كشف عنها قول رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الأربعاء الماضي: "لن نبيع أصول الدولة بأقل من قيمتها العادلة".
وهو التصريح الذي سبقه إعلان رجل الأعمال الإماراتي خلف الحبتور، عن تدخل مدبولي، لزيادة سعر قطعة أرض كان ينوي شرائها بالساحل الشمالي، من 10 ملايين دولار إلى 30 مليون دولار، ما تبعه رد رسمي مصري يؤكد زيف حديث الحبتور واختلاق الواقعة.
تلك المشاهد تزامنت مع إعلان صندوق النقد الدولي تأجيل المراجعة الخامسة لاقتصاد مصر، ودمجها مع المراجعة السادسة، للحصول على شرائح قرض المليارات الثمانية، ما يترتب عليه الكثير من السلبيات، ويربك حسابات المستثمرين.
وعلل البعض تأجيل صرف 1.2 مليار دولار باحتمال تخلي الخليج عن مصر، ملمحين إلى تصريح سابق لمسؤولين بالصندوق قالوا إن الدعم من شركاء مصر الدوليين والإقليميين (بما في ذلك دول الخليج) يشجع على إتاحة المزيد من التمويل لمصر.
"خطة شيطانية ومؤامرة مدبرة"
واتهم الإعلامي مصطفى بكري، جهات داخلية وخارجية بتنفيذ "خطة شيطانية"، و"مؤامرة منظمة" لإسقاط الدولة وزعزعة استقرارها، محذرا من أن ما يجري "يتجاوز خلافا سياسيا عابرا إلى مخطط يستهدف الوطن بأكمله"، فيما زعم أن أكد بكري أن السيسي يقف في وجه هذه المحاولات، ويرفض ضغوط سياسية ودبلوماسية تمارسها قوى كبرى.
لكن على الجانب الآخر، وبينما تعج مواقع التواصل المصرية بالقراءات والتكهنات حول المشهد، يرى مراقبون أن السيسي غير عابئ بتك المشاهد ويتواجد بعيدا عن القاهرة في القصر الرئاسي بمدينة العلمين الجديدة، وبين أعضاء حكومته بمقرها الصيفي.
وأشاروا إلى زيارته إلى غينيا الاستوائية، السبت، للمشاركة باجتماع الاتحاد الإفريقي، وهي الزيارة التي قرأ فيها البعض توجها من السيسي نحول القارة السمراء في ظل ابتعاد السعودية والخليج العربي عنه.
"عربي21"، تحدثت إلى سياسيين حول دلالات انقلاب إبراهيم عيسى على السيسي، وعما إذا كانت لديه معلومة تقول بقرب سقوط السيسي؟، وإمكانية ربط حديثه بما روجته أذرع سعودية عن انقلاب ضده، وعلاقة كل ذلك بسلسلة الحرائق.
"عركة وخريطة وجهة داخلية"
وفي رؤيته السياسية والاستراتيجية، قال السياسي والإعلامي حمزة زوبع: "إبراهيم عيسى لديه عدة وجوه، وحديثه: (إعادة لتدوير النفايات السياسية والإعلامية)"، ملمحا إلى أن "لعيسى علاقة بالأمريكان وليس بالسعوديين".
زوبع، وهو المتحدث السابق باسم حزب "الحرية والعدالة" المصري الحاكم سابقا، أضاف لـ"عربي21": "لو تذكر منذ مدة أعلن أحمد موسى ونشأت الديهي عن خبر مهم وعظيم، ثم لم يعلنوا عن شيء، وهو ما يلمح إلى وجود ضغوط على النظام".
ويعتقد زوبع، أن "تلك السياقات المعروفة لا تنفي أن يكون هناك صراع داخلي أو عركة متعلقة بتهجير الفلسطينيين إلى مصر في ظل مخطط إسرائيلي أمريكي، خاصة بعد تسريب الخريطة الإسرائيلية لرفح بعمل منطقة عازلة بها مدينة خيام تستقبل 700 ألف لاجئ فلسطيني، تدفع بهم إسرائيل لاحقا إلى مصر".
وتوقع أن "تكون تلك الخريطة أثارت مخاوف جهاز ما داخل الدولة يرفض ذلك السيناريو، الذي إذا أضفت إليه مشهد الحرائق اليومية، يمكنك القول إن هناك معركة مشتعلة، لا نعرف ماهيتها ولا نراها، فقط حرارة داخلية بلغة الطب نتج عنها طفح جلدي، وأشبه الحرائق بطفح جلدي على جسد النظام".
وخلص للقول إن "سياق كلام إبراهيم عيسى قد يكون نرفزة وقتية، حيث أنه كتب تغريدة جديدة يلوم البعض على تقطيع أجزاء من الفيديو ومطالبته يوتيوب بحذفها، فيما يبدو أنه أخذ حبوب شجاعة انتهى مفعولها".
في تصوره فإن "نهاية النظام لم تحن بعد"، لكنه توقع أنه "بعد 12 سنة من الحكم الجبري الاستبدادي ربما يكون هناك من يرغب في الاستبدال من داخل النظام ويلعب بهذه الورقة، ويشير على السيسي ويقول له: (وقتك انتهى)".
واستدرك: "لكن ولأن النظام يقدم خدمة عظيمة لإسرائيل فبالتالي في ظل هذه الظروف أعتقد بوجود صعوبة بأن يتخلو عنه، ومسألة بقاؤه مرتبطة بالاستمرار في أداء دوره، وطبقا للقاعدة التي وضعها توني بلير: (نتحمل ونساهم في دعم النظم المستبدة طالما أنها تحافظ على التسامح الديني، وتحافظ على إسرائيل وتساعد بملف الهجرة غير الشرعية لأوروبا".
"ميكروفون لمن يدفع أكثر"
وفي قراءته قال السياسي المصري رضا فهمي: "تاريخ إبراهيم عيسى معروف قبل ظهور برامج التوك شو، بأن قلمه متسأجر، والآن الميكروفون لمن يدفع أكثر ومن له سلطان أكبر، والتحولات الأخيرة له مرتبطة بأوضاع داخل الإقليم، ونظرة بعض الأنظمة للنظام المصري أنه في آخر أيامه".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف رئيس لجنة الأمن القومي في مجلس الشعب المصري سابقا، أن "هذا مرتبط بمعلومات مهمة صدرت عن الاتحاد الأوروبي في لقاء مع أحد التكنوقراط الذين يعملون بالاتحاد، وقال إن الملف المصري على طاولة الاتحاد، ولديهم قناعة بأن نظام السيسي غير قابل للاستمرار".
وأكد أن "لديهم سيناريوهين، الأول: الرهان على أحد الموجودين والدفع باتجاهه وتسهيل الأمور عليه، والثاني: أن يتركوا التفاعلات داخل المجتمع، والناس تختار، وتكون مهمة الاتحاد احتواء هذا الجديد؛ لكن مشكلتهم في الرهان على نجاحهم باحتواء هذا الجديد"، مبينا أن "هذا حوار دائر".
فهمي، يرى أن "حديث دوائر مقربة من صناع القرار بالسعودية بأن السيسي آخره في الحكم 2026، شجع أطرافا كثيرة بالداخل حالمين وراغبين بأن يأتوا على أنقاض نظام خدموه في الأساس، وإبراهيم عيسى ضمن تلك العصابة التي عملت لترسيخ أقدام السيسي، وفكرة انتقاله من مربع لآخر وتغيير وجهته غير مستبعدة فلديه رشاقة التحول".
أجندات خارجية أم صراع داخلي؟
ومضى يؤكد أنه "لو ربطنا ما يقال بأروقة الاتحاد الأوروبي وبعض المقربين من العائلة السعودية تتضح الصورة".
وتساءل: "هل ما يحدث من حرائق على مدار الساعة بداية من حرق سنترال رمسيس مرتين مرتبط بأجندات خارجية أم صراع داخلي؟"، مجيبا: "الأيام القادمة ستكشف عن حقيقة ما يدور".
وتساءل مجددا: "هل ما حدث في السنترال اختراق؟"، مؤكدا أنها "احتمالات قائمة؛ ورأينا اختراقات إسرائيل لحزب الله ولإيران، وهذا واضح أنه اختراق لأنه في عصب من أعصاب منظومة الحكم، وإحراقه شل المطارات والبنوك والاتصالات والبورصة والشركات العالمية وتعامل البسطاء مع ماكينات الصراف الآلي، وكشف حجم اهتراء وضعف واختراق المنظومة".
السياسي المصري، أوضح أن هذا "مثار بوسائل الإعلام الغربية، وتدور التساؤلات حول طبيعة ما يحدث بمصر، وهل صراع داخلي أم هناك طرف يحاول قلب الطاولة وينتهز فرصة وجود السيسي بأضعف حالاته، وتراجع الدعم الإقليمي والدولي؟".
ولفت إلى أن "السائد لدى النخب المصرية والشعب، وحوارات داخل الإقليم وعلى المستوى الدولي تدور حول أهمية حدوث انتقال سلس للسلطة بمصر، ولا نذهب لحرب أهلية، أو انفجار لا يمكن السيطرة عليه"، مبينا أن "هذه تخوفات وتحسبات لدى دول بالإقليم".
ويعتقد أن "الصورة في غضون أيام أو أسابيع ستتضح، إن كان هذا صراع داخلي، أو صراع داخلي مدعوم إقليميا أو دوليا، أو أنها أطراف خارجية وتحديدا محاولة اختراق إسرائيلية كما فعلت مع حزب الله وإيران".
وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، دعا متابعون لعدم تجاهل الحوادث المتكررة للحرائق، كما أنه ومع حديث الإعلام الحكومي عن مؤامرة، دعا الصحفي المعارض سليم عزوز ، لخروج رأس السلطة للناس وإعلان هذه المؤامرة وحدودها وخطة المواجهة".
وقال المحامي طارق العوضي، إن "الحرص على استقرار الوطن لا يكون بالتطبيل، بل بالمصارحة، والمكاشفة، وتدارك الأخطاء قبل أن تستفحل"، مضيفا: "استمعوا لمن ينصح، قبل أن تضطروا لسماع من يصرخ".