صحافة دولية

لماذا لم تُفضِ "اتفاقيات أبراهام" إلى السلام في الشرق الأوسط؟

اعتبر البيت الأبيض أن الحروب في المنطقة لا علاقة لها بفعالية "اتفاقيات أبراهام"- الأناضول
اعتبر البيت الأبيض أن الحروب في المنطقة لا علاقة لها بفعالية "اتفاقيات أبراهام"- الأناضول
تركزت "اتفاقيات أبراهام" التي عقدت عام 2020 على الدبلوماسية والتجارة، وليس على الصراعات أو القضية الفلسطينية، وهو الذي لم يسفر عن تحقيق أي تقدم في فكرة "السلام الإقليمي" في الشرق الأوسط.

وجاء في تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" أنه في رسالةٍ الأسبوع الماضي، رشّح فيها الرئيس دونالد ترامب لجائزة نوبل للسلام، بينما أشاد رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بـ"اتفاقيات أبراهام"، والتي أرست علاقاتٍ دبلوماسية مع ثلاث دول عربية.

وفي رسالته إلى لجنة نوبل النرويجية، وصف نتنياهو اتفاقيات عام 2020، التي توسط فيها ترامب، بأنها "اختراقات" أعادت رسم ملامح الشرق الأوسط، محققةً "تقدمًا تاريخيًا نحو السلام والأمن والاستقرار الإقليمي".

وأكد التقرير أن الشرق الأوسط ولم يكن على علمٍ بأي تقدمٍ من هذا القبيل، وحتى مع اجتماع نتنياهو في واشنطن الأسبوع الماضي مع ترامب ومسؤولين أمريكيين آخرين، واصل جيش الاحتلال قصفه المدمر لقطاع غزة، وهاجم الحوثيون في اليمن سفينتي شحن في البحر الأحمر، واستمرت الحرب الأهلية الشرسة في السودان. 

وقبل أسابيع، كانت "إسرائيل" والولايات المتحدة تقصفان إيران، التي ردّت بإطلاق الصواريخ. ولا تزال القوات الإسرائيلية متمركزة على الأرض في كلٍّ من لبنان وسوريا، في أعقاب الحروب التي انتهت قبل أشهرٍ فقط.

اظهار أخبار متعلقة


خلال السنوات الخمس تقريبًا التي انقضت منذ توقيع "اتفاقيات أبراهام" أشار ترامب ونتنياهو ومسؤولون أمريكيون وإسرائيليون آخرون مرارًا وتكرارًا إلى الاتفاقيات مع الإمارات والمغرب والبحرين على أنها "اتفاقية سلام".

وأكد التقرير أن الباحثين الدارسين للمنطقة يؤكدون أن "هذا مجرد تحريف في العبارة، مما يُخفي حقيقة أنه لم تكن هناك حرب - أو أي عنف على الإطلاق - بين إسرائيل والإمارات أو البحرين. كما نأى المغرب بنفسه إلى حد كبير عن الصراعات العربية الإسرائيلية، باستثناء إرسال قوة رمزية إلى حرب عام 1973، قبل أكثر من 50 عامًا".

وقال حسين إبيش، الباحث المقيم الأول في معهد دول الخليج العربية بواشنطن، وهو منظمة بحثية، عن الاتفاقيات: "لا علاقة لها بالسلام. كان السلام هو ما وُصف وسُوّق له. لكن هذا لا يعني أنه منطقي. لم يكن هذا اتفاقًا يُنهي الحرب".

في الواقع، تجاوزت الاتفاقيات الصراع المركزي بين "إسرائيل" والفلسطينيين، مُعلنةً انسجامًا بين أطراف غير مُتقاتلة.

منذ ذلك الحين، أصبح مصطلح "السلام الإقليمي" نفسه مُبهمًا ومُثيرًا للجدل في الشرق الأوسط، كما يقول عبد العزيز الغشيان، الباحث السعودي والزميل غير المقيم الأول في منتدى الخليج الدولي.

وحول سؤال "من المُشارك في هذا "السلام الإقليمي"؟" قال الغشيان إنه وجد نفسه يسأل مُؤيدي "اتفاقيات أبراهام"، وأنه أدرك أن البعض يعتبره مفهومًا يعتمد على "تجاهل تام للقضية الفلسطينية".

في بيان لصحيفة التايمز، دافع البيت الأبيض عن إرث الاتفاقيات، مؤكدًا أن الحروب في المنطقة لا علاقة لها بفعاليتها.

وقال البيت الأبيض: "لا يمكن لأي قدر من التلاعب بالتاريخ أو التلاعب به من قبل النشطاء الليبراليين والمانحين الديمقراطيين أن يُلغي اتفاقيات أبراهام التاريخية والتحولية التي أبرمها الرئيس ترامب، والتي جلبت السلام إلى الشرق الأوسط". 

وأضاف: "الرئيس ترامب وحده كان بإمكانه تأمين اتفاقيات السلام هذه، وهو يستحق جائزة نوبل للسلام على كل العمل الذي قام به لإنهاء الحروب والصراعات التي لم يتمكن أي زعيم عالمي آخر من القيام بها".

قدّم المسؤولون والمشرعون الأمريكيون من كلا الحزبين "اتفاقيات أبراهام" على أنها نقطة تحول فارقة، ولديها القدرة على تغيير الشرق الأوسط. وقد أتاحت الاتفاقيات للسياح والمستثمرين الإسرائيليين التوافد على دبي، أكبر مدينة في الإمارات العربية المتحدة، ووقعت شركات التكنولوجيا والطاقة صفقات جديدة.

وكانت "إسرائيل" وبعض دول الخليج قد انخرطت بالفعل في تعاون تجاري وأمني هادئ، سرًا. وقد كشفت الاتفاقيات عن ذلك وسمحت له بالتوسع.

أعلن نتنياهو من شرفة البيت الأبيض عند الإعلان عن الاتفاقيات: "إن بركات السلام الذي نعقده اليوم ستكون هائلة. في نهاية المطاف، يمكن أن تُنهي الصراع العربي الإسرائيلي نهائيًا".

اظهار أخبار متعلقة


بدوره قال ترامب في الحفل نفسه إن الاتفاقيات تُمثل "فجر شرق أوسط جديد"، متحدثًا عن مستقبل "يعيش فيه الناس من جميع الأديان والخلفيات معًا في سلام وازدهار".

وأوضح التقرير أنه "بعد إطفاء كاميرات الأخبار، لم يعم السلام والازدهار، بالطبع، الشرق الأوسط".

وأكد أن "احتلال إسرائيل للضفة الغربية تعمق بدلًا من أن يخف، كما كان يأمل المسؤولون الإماراتيون عند توقيعهم الاتفاق، ويريد أعضاء حكومة السيد نتنياهو احتلالًا طويل الأمد لغزة. تبدو آفاق قيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة، وعاصمتها القدس، وهو هدف يسعى إليه القادة العرب، أضعف من أي وقت مضى".

وأشار إلى أن "اتفاقيات أبراهام" استندت إلى فكرة التعاون العربي الإسرائيلي مع تجاوز الفلسطينيين، لكن "كان ذلك دائمًا خطأً، ولم تكن صدمةً كبيرةً عندما أثبتت غزة أنها خطأ"، كما قال مارك لينش، أستاذ العلوم السياسية والشؤون الدولية بجامعة جورج واشنطن. "ربما صدمت البعض، لكن ما كان ينبغي أن يكون كذلك".

وذكر التقرير أنه "في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، شنت حماس، الميليشيا الفلسطينية التي حكمت غزة وحصلت على دعم من إيران، هجومًا عنيفًا على إسرائيل أسفر عن مقتل أكثر من 1000 شخص. ردًا على ذلك، بدأت إسرائيل قصفًا شاملًا على غزة، أعقبه غزو بري. يواجه مليونا فلسطيني هناك جوعًا شديدًا، وقُتل أكثر من 50 ألفًا، ودُمر معظم القطاع".

وأضاف أن "هاجمت ميليشيا حزب الله اللبنانية القوية والحوثيون، وكلاهما متحالف ومسلح من إيران، إسرائيل تضامناً مع الفلسطينيين. ردّت إسرائيل بقوة أكبر، بغزو لبنان العام الماضي. وفي الشهر الماضي، شنّت إسرائيل حرباً قصيرة مباشرة مع إيران".

وأوضح "أحدث الحوثيون، الذين يسيطرون على جزء كبير من اليمن، دماراً هائلاً في حركة الملاحة في البحر الأحمر فيما يصفونه بحملة ضد إسرائيل، وتعهدوا بمواصلتها. في الأسبوع الماضي، أغرقوا سفينة شحن، مما أسفر عن مقتل اثنين على الأقل من أفراد الطاقم واحتجاز آخرين رهائن".

وقال الغشيان إن "المسؤولين السعوديين وغيرهم من المسؤولين العرب لطالما قالوا إن القضية الفلسطينية متفجرة، ولا يمكن للمنطقة أن تتحرك دون حلها"، مضيفا أنه قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر كان هذا "مصدر قلق نظري"، أما الآن، فقد أصبح مصدر قلق حقيقي.

وأكد التقرير أيضا أن لبنان ومصر تعانيان من أزمات اقتصادية خانقة، وفي عام 2023، اندلعت حرب جديدة كلياً في السودان، مما تسبب في واحدة من أسوأ المجاعات في العالم منذ عقود.

واعتبر أن "الخبر المشرق الوحيد المتعلق بالصراع في الشرق الأوسط مؤخرًا هو ما حدث في سوريا، حيث انتهت الحرب الأهلية بإطاحة المتمردين بالديكتاتور السوري بشار الأسد. لكن انتصارهم لم يكن له أي علاقة باتفاقيات أبراهام، ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت ستحقق سلامًا واستقرارًا دائمين داخل البلاد، أو سلامًا مع إسرائيل".

اظهار أخبار متعلقة


وبين أنه "لطالما أعرب المسؤولون الأمريكيون والإسرائيليون عن رغباتهم وتوقعاتهم من دول أخرى، وأهمها المملكة العربية السعودية، لتوقيع الاتفاقيات. حتى الآن، لم يُكتب النجاح لهذه التطلعات. فالسودان، الذي يُشار إليه غالبًا كمرشح للانضمام إلى الاتفاقيات، لم يُقم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل".

وأكد أن محاولات إقناع السعودية بالانضمام إلى الاتفاقيات فشلت حتى الآن، وقد حملت إدارة بايدن هذا العبء لحماس، وسعت إلى إبرام صفقة مبنية على منح الولايات المتحدة مزايا كبيرة للمملكة.

لم تُثمر هذه الصفقة قط، ويقول المحللون إن الحرب في غزة قللت من احتمالية حدوثها.

وقال الغشيان: "لا سبيل لتوسعها داخل الخليج"، على الأقل في نفس إطار اتفاقيات أبراهام. وأضاف أن هذه الفكرة "مُلطخة" الآن، لا سيما في المملكة العربية السعودية.

ومع ذلك، لم يمنع ذلك المسؤولين في واشنطن من إعادة تركيز نقاشاتهم مؤخرًا حول سياسة الشرق الأوسط على "اتفاقيات أبراهام".

وصرح ترامب على وسائل التواصل الاجتماعي الشهر الماضي قائلًا: "لن أحصل على جائزة نوبل للسلام لإبرام اتفاقيات أبراهام في الشرق الأوسط"، مجادلًا بأن جهوده لإحلال السلام لم تُقدّر حق قدرها.

ولكنه قال إنه "إذا سارت الأمور على ما يرام"، فإن دولاً جديدة سوف توقع على الاتفاقية، مؤكداً أن هذا التطور من شأنه أن "يوحد الشرق الأوسط لأول مرة في التاريخ!".
التعليقات (0)