قضايا وآراء

نبارك السلام في تركيا.. ووحدة شعوب المنطقة ضرورة الوجود والبقاء

علي القره داغي
"تحقيق السلام ونبذ السلاح، والاحتكام إلى الحوار، والتأريخ المشترك بين الترك والكرد"- إكس
"تحقيق السلام ونبذ السلاح، والاحتكام إلى الحوار، والتأريخ المشترك بين الترك والكرد"- إكس
حقّا، إن الفجر الجديد، والقوة، والمجد الحقيقي، والنهضة تتحقّق بالسلام العادل، وبالوحدة بين شعوب المنطقة القائمة على الحقوق والواجبات.

لقد فرح الجميع بتحقيق السلام ونبذ السلاح، والاحتكام إلى الحوار، والتأريخ المشترك بين الترك والكرد.

لقد كانت فترة الحروب مؤلمة للطرفين، حيث قُتل فيها عدد كبير من الشباب ونحوهم، ودُمِّرت المنطقة، وتأخرت تركيا عن ركب التقدُّم فترة من الزمن.

واليوم، والحمد لله رب العالمين، وفّق الطرفين لتحقيق السلام عن قناعة تامة، وإلقاء السلاح برغبة كبيرة، وقناعة الحكومة بالتغييرات المطلوبة.

فقد كتبتُ كتابا عام 1988 بعنوان "القضية الكردية من المنظور الإسلامي"، وتوصّلتُ إلى عدّة نتائج مهمة، من أهمها: أن الإسلام يعالج القضايا القومية بمنطلق إيماني وأخلاقي وواقعي، حيث يقر بأن اختلاف الأقوام جَعْل إلهي لأجل التعارف والتعاون للوصول إلى التكافل والجسد الواحد، فقال تعالى: "وجعلنا كم شعوبا وقبائل لتعارفوا" (سورة الحجرات)، وأن اختلاف الألسن والألوان من آيات الله تعالى، فلا يجوز العدوان عليه.

يعترف الإسلام بحقوق القوم من حيث لغتهم ولسانهم وحقوقهم السياسية والاقتصادية والثقافية، في إطار الوحدة العقدية والسياسية، والحقوق والواجبات، والمساواة الحقيقية دون التفرقة بين شخص وآخر على أساس قوميته

وبناء عليه وعلى مجموعة من المبادئ العظيمة، يعترف الإسلام بحقوق القوم من حيث لغتهم ولسانهم وحقوقهم السياسية والاقتصادية والثقافية، في إطار الوحدة العقدية والسياسية، والحقوق والواجبات، والمساواة الحقيقية دون التفرقة بين شخص وآخر على أساس قوميته.

فهذه المبادئ لو طُبِّقت لما حدثت المشاكل، فقد وجدت الخلافة الإسلامية، بدءا من الخلافة الراشدة، ثم الأموية والعباسية، ثم الأيوبية والعثمانية، ولم يسجّل التاريخ أن أحد الشعوب ثار لأجل القومية، حيث إن جميع الثورات في ظل هذه الدول لم تكن قومية، إلى أن جاء الاستعمار الغربي فنشر فكرة القومية الضيقة، واستطاع أن يضرب القومية التركية بالقومية العربية لإسقاط الخلافة العثمانية، ثم يضرب القومية العربية بالقوميات الأخرى من باب "فرّق تسد"، ثم قام باتفاقية سايكس بيكو عام 1916م، فلم يُراعِ الاستعمار القومية العربية التي وقف قادة ثوارها في بداية القرن العشرين مع الاستعمار البريطاني والفرنسي ضد الدولة العثمانية، وإذا بالاستعمار يجازيهم بأن يحتل أرض العرب، ويغرس في قلبها جرثومة الصهيونية، ويمزقهم إلى عدة دويلات، وكذلك فعل مع القومية التركية، وفعل أكثر من ذلك مع الشعب الكردي، حيث مزّقه وقسّم أراضيه على دول صنعها الاستعمار بنفسه.

فأمام هذا الواقع المؤلم، فإن ما تم خلال هذا العام من تحقيق السلام في تركيا، مع مراعاة حقوق الطرفين بعدل، يُعدّ من أعظم الخطوات الجيدة في هذا العصر. وإنني أدعو بتضرّع أن تتم هذه الوحدة بشكل يكون قدوة يُحتذى بها في العالم.

مواجهة هذا المشروع لا يمكن إلا بوحدة هذه الشعوب الأربعة، وحدة تبدأ بالتعاون وإطفاء الحروب بينها، للوصول إلى وحدة اقتصادية، ثم وحدة سياسية. وإن لم تتحد الشعوب الأربعة فالنتيجة تكون بلا ريب لصالح الصهاينة

إن شعوب الشرق الأوسط الكبيرة هي: العرب، والترك، والفرس، والكرد، مع وجود قوميات صغيرة نحترمها، ولذلك فإن وحدتها قوة لهم جميعا، وإن الصراع فيما بينهم يضعفهم جميعا، ويُعطي الفرصة لإدخال الصهاينة بينهم، حيث تحاول الدول الطامعة في خيرات الشرق الأوسط أن تجعل دولة الصهاينة جزءا من شعوب المنطقة، بل القوة الأولى والشرطي الحازم لها في المنطقة، وهذا ما صرّح به نتنياهو من الإرادة القاطعة لتغيير الشرق الأوسط، وجعل "إسرائيل" الدولة القوية الأولى والمهيمنة بدون منازع.

إن مواجهة هذا المشروع لا يمكن إلا بوحدة هذه الشعوب الأربعة، وحدة تبدأ بالتعاون وإطفاء الحروب بينها، للوصول إلى وحدة اقتصادية، ثم وحدة سياسية. وإن لم تتحد الشعوب الأربعة فالنتيجة تكون بلا ريب لصالح الصهاينة، وضد مصالح هذه الشعوب المسلمة العظيمة.

لذلك، أدعو -بل أناشد- قادة هذه الشعوب الأربعة إلى هذه الوحدة، وبذل كل مساعيهم لتحقيقها، وإزالة التحديات والعقبات أمامها. فأنا متيقّن بأن هذه الوحدة ضرورية: فطرة، وطبعا، ومصلحة، وفريضة شرعية، نصّا وروحا ومبدأ، فالوحدة الآن هي وحدة الوجود، وليست وحدة الحدود.

والله المستعان.
التعليقات (0)