كتاب عربي 21

مختار نوح.. دراسة حالة!

سليم عزوز
قال مختار نوح إن "الإخوان متورطون في رش الزيت على الطريق بهدف التسبب في حوادث الطرق"- التواصلل الاجتماعي
قال مختار نوح إن "الإخوان متورطون في رش الزيت على الطريق بهدف التسبب في حوادث الطرق"- التواصلل الاجتماعي
ما هو شعور مختار نوح إذا خلا بنفسه، ليس لأنه خرج على "جماعة المسلمين"، ولا لأنه يسلخ بألسنة حِداد جماعة تربّى فيها، ودفع ثمن هذا الانتماء من لحم الحي، ولكن لأنه انحدر لهذا المستوى! ليس كونه يفتري الكذب، ولكنه في سبيل الانتقام يتحول إلى أضحوكة، ولا أقول بهلوانا!

عندما قرأت في موقع جريدة "الدستور" ما نُسب للرجل من قوله إن بعض عناصر الإخوان متورطون في رش الزيت على الطريق بهدف التسبب في حوادث الطرق، لم أصدق أن يبدو على هذه الدرجة من افتقاد الرشادة، فهو إنسان ذكي ولمّاح، وأعرفه منذ أن كنت مكلّفا بتغطية أخبار نقابة المحامين كمحرر متدرب، وكان هو ثاني اثنين يمثلان الشباب بمجلس النقابة، والثاني هو سامح عاشور (الناصري)، في زمن قومية النقابة، وهما المقعدان اللذان أُقِرّا بتعديل في قانون النقابة دفع به النقيب أحمد الخواجة، الذي قرّبهما منه، فلما اشتد عود الفتى رماه، فبنجاح الإخوان في مرحلة تالية بالهيمنة على النقابة، حوّل النقيب إلى طرطور، فكانت الحراسة القضائية على نقابة المحامين!

كما أني تابعت نجوميته المبكرة كعضو بمجلس الشعب في برلمان (1987-1990) من خلال التحالف بين جماعة الإخوان وحزبي الأحرار والعمل، وقد أجريت معه أكثر من مقابلة في مناسبات مختلفة. وفي الواقع أنني لا أستبعد عليه ما هو فيه، من فُجر في الخصومة، ومزايدة في المواقف، فهذا حظ النفس، حتى وإن وصل به الحال حد أن يحاول تقديم خدماته في مسألة مرتبطة بالدماء عندما زايد على إخوانه من اليسار في المجلس القومي لحقوق الإنسان، الذي عُيّن فيه بعد الانقلاب العسكري، ثم تخلّصوا منه سريعا.

لو أخذت السلطة كلامه على محمل الجد، لَمَثّل أزمة له لأنه كاشف عن قصور أمني، حيث لم يتم القبض على الجناة الذين تسببوا في كل هذه الحوادث، اللهم إلا إذا كان يمهد لقضية من نوع "تنظيم البلاعات"، حيث أُلقي قبل سنوات القبض على عدد من المنتمين للإخوان بتهمة سد البلاعات وتقديمهم للنيابة العامة، عندما غرقت محافظة الإسكندرية بسبب الأمطار، ومع أن التنظيم في السجن إلى الآن، إلا أنه لم يمر عام دون تكرار الغرق

لكني دائما أراه أذكى من أن تدفع به شهوة الانتقام إلى أن يكون على هذا النحو من الخفّة، فيكون موضوع سخرية الناس!

وذكاؤه لا يختلف عليه من يعرفونه عن قرب، وهو الذكاء الذي جعل عمر التلمساني المرشد العام للإخوان يتنبأ له بإحدى الحسنيين خلال عشر سنوات؛ أن يكون مرشدا عاما للإخوان، أو نقيبا للمحامين المصريين. وربما كان هذا من التنبؤ الذي يداعب الخيال، فيعيشه المرء افتراضيا، ويؤثر على مجمل أدائه، تماما كما قال عبد الناصر للقذافي: "إني أرى فيك شبابي". فهل كان ذلك سببا في فقدانه للاتزان حتى بعد أن غادره الشباب بكل ما يحمل من اندفاع وطيش؟!

التفوق المهني داخل أسوار التنظيم

مختار نوح ليس ذكيا فقط، ولكنه حاد الذكاء، وهو من الاستثناءات التي لم تمنعها أسوار التنظيمات من التمكن المهني، وقد رددتُ على من قال إنه محامٍ فاشل، بل هو محامٍ محترف، وهو أحد الذين يجيدون مهارة المرافعة القانونية، ولعل هذا سبب محنته، لأنه ربط نفسه بالتنظيم وجودا وعدما، وهي أزمة من ينتمون للإخوان، إذا دفعت بهم الظروف خارجهم.

ولعل المهنة التي كان يصلح لها إن لم يكن محاميا هي أن يكون ممثلا، ولن يكون سوى بارع في الدور، لكنه في المحنة فقد كثيرا من هذه المواهب، لدرجة أن يصل به الحال إلى أن يقول كلاما مضحكا، يضره ويحوّل الإخوان إلى ضحايا، ويشكّك في سرديات أخرى قد تكون صحيحة، ويتم تمريرها عبر الإعلام!

وإن تعقبت خط سير ما نشرته "الدستور" فقد توصلت إلى أصله، وهو جزء من مقابلة في برنامج "بالورقة والقلم"، حيث محاوره نشأت الديهي، وإذا بحديث الزيت صحيح، وهو من وجهة نظره امتداد لوقائع سابقة حيث تم استخدام الزيت من قبل الجماعة فيما قبل في الشوارع والكباري، فشعرت بالشفقة عليه. ولو فتش في أرشيف مكتبه، لأدرك أنه على الرغم من الخلاف السياسي وقتئذ، إلا أنني حررت له توكيلا في القضايا، فقد كان الزمن غير الزمن، وكان الخلاف لا يقود للخصومة!

ولو أخذت السلطة كلامه على محمل الجد، لَمَثّل أزمة له لأنه كاشف عن قصور أمني، حيث لم يتم القبض على الجناة الذين تسببوا في كل هذه الحوادث، اللهم إلا إذا كان يمهد لقضية من نوع "تنظيم البلاعات"، حيث أُلقي قبل سنوات القبض على عدد من المنتمين للإخوان بتهمة سد البلاعات وتقديمهم للنيابة العامة، عندما غرقت محافظة الإسكندرية بسبب الأمطار، ومع أن التنظيم في السجن إلى الآن، إلا أنه لم يمر عام دون تكرار الغرق في شبر ماء، تماما مثلما أُلقي القبض على رجل الأعمال حسن مالك بتهمة المسؤولية عن ارتفاع قيمة الدولار وانخفاض قيمة الجنيه، ومع وجوده في السجن تجاوز الدولار الخمسين جنيها!

لا شيء يدعو للقلق، فبعد الزفّة التي تشبه زفة المجنون في الأفراح الشعبية على منصات التواصل الاجتماعي ضد هذا التصريح، سيصبح نكتة كبيرة أن يتم إلقاء القبض على تنظيم إخواني بتهمة رش الزيت على الطريق الإقليمي بهدف التسبب في حوادث مرورية مميتة.. أو كما قال!

مشكلة "الإكس إخوان":

مشكلة بعض الإخوان السابقين، أو من يُطلق عليهم "الإكس إخوان"، أنهم يتعاملون كما لو لم يكونوا أعضاء عاملين من قبل، بايعوا على الطاعة في المنشط والمكره، وأن المكانة الوظيفية التي حصلوا عليها هي بسبب هذا الانتماء. فمن عمل في الصحافة مثلا، لم يكن ليتسنَّى له ذلك لولا هذا الانتماء التنظيمي. وهم لم يخرجوا من التنظيم إلا مطرودين، لأسباب ليست متصلة بالخلاف الفكري أو السياسي، ولكن لأن العنصر سرّب أوراقا أو نحو ذلك، فيطل علينا عبر الشاشات على أنه باحث متخصص في شؤون الجماعات الإسلامية، وهو لهذا لا يغوص في الأعماق، لأنه سيشبه نفسه.

مشكلة بعض الإخوان السابقين، أو من يُطلق عليهم "الإكس إخوان"، أنهم يتعاملون كما لو لم يكونوا أعضاء عاملين من قبل، بايعوا على الطاعة في المنشط والمكره، وأن المكانة الوظيفية التي حصلوا عليها هي بسبب هذا الانتماء. فمن عمل في الصحافة مثلا، لم يكن ليتسنَّى له ذلك لولا هذا الانتماء التنظيمي. وهم لم يخرجوا من التنظيم إلا مطرودين، لأسباب ليست متصلة بالخلاف الفكري أو السياسي

فما هي طقوس البيعة التي بايعها؟ وماذا كان يحدث معهم في المعسكرات؟ وما هي طقوس الزواج التي يُلزمون بها الأعضاء؟ وكيف يتعرفون على زوجاتهم؟ وهل تساعد الجماعة غير الميسورين منهم؟ كيف ساعدوه وكم قدموا له؟

وكلها أسئلة من شأنها أن تجعل "الباحث" والخبير في شؤون الجماعات الإسلامية، على الهواء، بكل تاريخه وممارساته، بل وغرفة نومه. ومشكلة هذا الاتجاه أنه لن يجعل "الزبون" صالحا للاستعمال سوى مرة واحدة، كـ"حالة" وليس كباحث أو خبير. ولهذا، إذا وجد الواحد منهم نفسه في مناظرة، فإنه يكون أكثر شراسة مع الضيف الآخر، للتغطية على هذا الجزء. وفي "الأغلب الأعم"، فإن من يقفون خلف الكاميرات أو الشاشات لا يعرفون شيئا عن هذه الخلفية التنظيمية. بل أزعم أن أجهزة مخابرات دولية، أو في الإقليم، لا تعرف شيئا عن هذا الانتماء السابق، إنها تتعامل مع "الباحث" و"الخبير" الذي يعرف تفاصيل الحركات الإسلامية دون علاقة تنظيمية. ويضرب لهم "الزبون" الهواء "دوكو"، فلا شيء غير الحدة، والسباب إن لزم الأمر، وربما التأليف كما ألف مختار نوح قصة رش الزيت على الطرق!

وفي كثير من الأحيان، يبدو مختار نوح كما لو كان لا يريد لأحد أن يتذكره باعتباره إخوانيا سابقا، الأمر الذي يشاركه فيه كثير من العناصر المطرودة من الجماعة. فيبدأ الواحد منهم مختلفا مع الإدارة، وهي متهمة عنده بالخروج على منهج الإمام الشهيد، ثم يتطور الأمر إلى ضرب الفكرة وصاحبها. ولكم أدهشني واحد مثل الدكتور محمد حبيب، نائب المرشد، والذي خذله صوت واحد وحال دونه ودون موقع المرشد العام، عندما شاهدته تلفزيونيا يتطور بسرعة البرق من الهجوم على الإدارة إلى الهجوم على الفكرة. فهل كان مندسا؟!

كيف لمثلي أن يقبل مثل هذا الكلام الذي قيل وقتها، وأن الجماعة الربانية تنفي خَبَثها كما ينفي الكير خَبَث الحديد، والرجل شهدته مبكرا من عملي المهني مناضلا في اجتماعات أعضاء هيئات التدريس في الجامعات المصرية في نهاية الثمانينيات، وجَسورا في مواجهة أشرس وزير داخلية عرفته مصر، هو زكي بدر، ثم يُسجن خمس سنوات من عمره. فما الثمن؟ وما الدور؟ وما قيمة هذا الدور؟!

البعض الآن يتهم مختار نوح بأنه كان دسيسة، والبعض يتساءل: كيف للجماعة لم تكتشفه كل هذه الفترة؟ فهل كان دسيسة فعلا؟!

العودة لعضوية الإخوان:

لقد بدا لي وأنا أشاهد مقابلة مختار نوح على الشاشة، أنه فوجئ بأسئلة محاوره، الذي أعاده إلى عضو سابق بالإخوان، وسأله عن أسباب استقالته من الجماعة، فارتبك، وهو الذي يتسم بسرعة البديهة، ويقول إنهم هم من طردوه، ثم تمالك نفسه، وحاول أن يثبت أن ذلك بسبب خلافه مع الجماعة، فإذا به يضع نفسه في منزلة ليست جيدة لمن في مثل ظروفه، فهو فقط لم يتم تذكيره بإخوانيته، لكن المباغتة دفعته لأن يقول مبررات تضعه على يسار التنظيم، ليمثل هو الرأي المتشدد بداخله، وقد خضع للتحقيق بسبب هذا الرأي!

فأول استدعاء للتحقيق له، كان عندما رفض تأييد مبارك لولاية ثانية، وكيف أن التنظيم كان يرفض أي خلاف مع الرئيس. وهو كلام يمكن أن يقال لشباب لم يعاصروا هذه المرحلة للنَيل من الجماعة التي أيدت مبارك لولاية ثانية، ووقف رئيس هيئتها البرلمانية المستشار مأمون الهضيبي ليعلن تأييد مبارك، ثم يذهب مع هيئة مكتب مجلس الشعب برئاسة الدكتور رفعت المحجوب، رئيس المجلس، إلى القصر الرئاسي، لنقل تأييد المجلس له وعرض اسمه على الاستفتاء العام، في حين أن حزب الوفد أعلن رفضه التجديد لمبارك، وكان ثلاثة من الإخوان قد حجبوا ثقتهم، من بينهم مختار نوح. كما رفض الشيخ صلاح أبو إسماعيل (والد حازم) التمديد له، وخرج على مبدأ الالتزام الحزبي، مع أنه كان حينذاك نائبا لرئيس حزب الأحرار، العضو في التحالف الإسلامي المؤيد لتجديد البيعة لمبارك!

ألا وإن الحديث من مؤيد للمرحلة، وفي سياق الهجوم على النظام، فهل ينسجم هذا الرفض من جانب مختار نوح لمبارك مع الوضع الجديد له؟! وهذا الرفض قال إنه كان بداية انعدام الثقة فيه من جانب التنظيم.

والمحطة الثانية التي أحيل بسببها للتحقيق داخل الإخوان، عندما شارك في المظاهرات في نقابة المحامين ضد مقتل أحد المحامين. ولم يذكر التفاصيل، لكن الأجهزة الأمنية تذكرها، وهي وإن نالت من الجماعة لدى من يصورونها الآن بأنها تلتزم بالمواقف السياسية المبدئية، فإن السياق والمنبر، وأيضا الابتعاد عن ذكر الخلفيات، من شأنه أن يصرف انتباه العامة إلى ما جرى، لكن سيضع مختار نوح في أزمة، لأنه على يسار جماعة تهادن أجهزة الأمن، وأنه المتشدد.

انتفاضة المحامين ومقتل عبد الحارث مدني:

وحقيقة الموقف، أن محاميا شابا ينتمي للجماعة الإسلامية (عبد الحارث مدني) كان قد تعرض للتعذيب في مباحث أمن الدولة، وقُتل تحت السياط. وهنا كانت الدعوة للنفير العام، والحشد لمسيرة تنطلق من نقابة المحامين إلى قصر عابدين احتجاجا على ذلك. وكان أصحاب الدعوة هم محامو الجماعة الإسلامية لا الإخوان، وانضم إليهم محامون من تيارات مختلفة، إلا الإخوان. وصدرت التحذيرات الأمنية من مغبة الخروج، وحاول النقيب أحمد الخواجة إقناع المحامين بأن التهديد جدٌّ وما هو بالهزل، لكن دون جدوى.

وكان مختار نوح يُجري عملية جراحية في إحدى المستشفيات (هكذا قيل)، وإن فسره بعض "الخبثاء" على أنه تولٍّ يوم الزحف بعد أن وجد إصرارا على المسيرة، ولأن موقف الإخوان كان رافضا لها فخرج من المستشفى في يوم المسيرة، للحيلولة دون خروجها، فلما فشل، كان من الذين تقدموا الصفوف. وما كادوا يخرجون من بوابة النقابة، حتى تم قصفهم بوابل من القنابل المسيلة للدموع، والاعتداء المبرح عليهم، وأُلقي القبض على من خرج، وكان من بينهم مختار نوح، ومنتصر الزيات، أحد المتزعمين للدعوة!

الأزمة بسبب الملف أم التصريح؟

المحطة الثالثة من محطات فقدان الثقة بين الجماعة ومختار نوح، يرجعها الرجل إلى تصريح له أدلى به لعبد الرحيم علي في سنة 2004، توقع فيه نهاية الإخوان بعد عشر سنوات، لأنهم لا يمثلون الدولة ولا العدالة، وأن الجماعة تحمل بذور فنائها، فأحيل للتحقيق، وأكد على ذات المعنى!

وسأكون ممتنا له لو أرسل لي صورة من هذا التصريح، وذلك لأغراض بحثية، لأن معلوماتي أن أزمته مع الجماعة هي بسبب ملف نقابة المحامين.

فقد كان الملف بيده، وكان يمثل اتجاه الجماعة الذي أورد الحياة النقابية مورد التهلكة، وبالانتقال من مرحلة التواجد المشرف إلى الهيمنة، ومن المشاركة إلى المغالبة. وكان في مجلس نقابة المحامين صوت إخواني يمد جسور الصلة مع النقيب أحمد الخواجة، هو أحمد سيف الإسلام حسن البنا، نجل المرشد المؤسس. وكانت التسريبات الإخوانية للصحف، أن من يمثل الجماعة في النقابة هو مختار نوح، وليس سيف الإسلام. وكان من يدعم مختار نوح هو مأمون الهضيبي، نجل المرشد الثاني، فهل كان تنافسا بين أبناء المرشدين السابقين؟!

ولم يكن رمزا مثل الخواجة يقبل تهميش مختار نوح له، ففُرضت الحراسة على النقابة، وعلى نقابات أخرى، ولم تنجُ منها سوى نقابة الصحفيين، لأن الإخوان لم يكونوا ممثلين فيها سوى باثنين: محمد عبد القدوس، وصلاح عبد المقصود، وكانا يعملان ضمن بقية المجلس في معية إبراهيم نافع؛ بجانب نقابة الأطباء، لأن حمدي السيد، نقيب الأطباء، أمكنه -بعلاقته بالرئاسة– أن ينجو بالنقابة من شبح الحراسة، رغم أن أغلبية المجلس من الإخوان، أبرزهم عبد المنعم أبو الفتوح، وعصام العريان!

وبسبب مختار نوح، واتجاه الإخوان للهيمنة، صدر قانون النقابات المهنية، الذي اشترط لصحة انعقاد الجمعية العمومية للانتخابات حضور أكثر من النصف، وذلك لمواجهة ما قيل عن هيمنة الأقلية المنظمة. كما نُص على الإشراف القضائي على العملية الانتخابية. ولم يقرر رئيس المحكمة رفع الحراسة وإجراء الانتخابات، إلا بعد خمس سنوات عجاف، أقر خلالها الإخوان بأنهم يريدون مشاركة لا مغالبة!

ولأن المنافسة كانت بين رجائي عطية، وسامح عاشور، ولأن الأول كان محامي نجلي الرئيس مبارك في القضية المرفوعة منهما ضد جريدة "الشرق الأوسط" السعودية، فكان لسان حال مختار نوح: "هذا ربي، هذا أكبر"، لكن حدث ما لم يكن في الحسبان!

إن ترشيح رجائي عطية، بكل ما عُرف عنه من تعالٍ، وتضخم للذات، كان ترشيحا رئاسيا، لكن سدنة العرش كانوا ينفرون منه لذلك، ويريدون شخصا طيّعا، وخاتما في الإصبع، فكان انحيازهم لسامح عاشور، وهم من يحملون الملف، ويمثلون السلطة التنفيذية فيه. وأقصد بذلك وزير العدل فاروق سيف النصر، وكمال الشاذلي، ورئيس مجلس الشعب فتحي سرور!

وكان لا بد من رسالة غير مباشرة للإخوان، فكانت أغرب القضايا، حيث تم القبض على مختار نوح وخالد بدوي، المحاميين عن الإخوان، ومعهما عدد من المحامين الإخوان، بتهمة التخطيط لخوض الانتخابات، وزُج بهم في السجن. وهناك، تعرّضوا للتنكيل، وتم تمكين المرشح سامح عاشور من زيارتهم، واستجابت إدارة السجن لوساطته بوقف هذا التنكيل، وكتب مختار نوح من داخل السجن بيانه المؤثر بعنوان: "ليست الشفاعة ما نريد".

ويبدو أن كلاما نُقل على لسان مختار نوح بأنه من صنَع الإخوان في النقابة، فكان الرد عليه عمليا بأننا من صنعناك، وكما صنعناك سنصنع غيرك. وانتقل الملف إلى ضابط الشرطة السابق محمد طوسون، وجمال تاج، ولم يكن لهما حضور عام من قبل، إلا أنهما نجحا بالفعل في إدارة الملف!

فهل لهذا السبب تم التحقيق مع مختار نوح في الجماعة، ومن ثم تجميد عضويته؟!

حبيب ونوح وعبد العزيز كامل:

في فترة التجميد هذه، كنت قد قررت خوض الانتخابات البرلمانية في مسقط رأسي، ودعوت مختار نوح لحضور مؤتمر شعبي لي، فقبل مشكورا الدعوة بشرط أن يكون في المجالس والزيارات العائلية ونحو ذلك؛ لأن عضويته في الجماعة مجمدة، وإخوانه يمنعونه من أي نشاط، ولا يريد للخلاف أن يصل إلى القطيعة.

لكن بقيام الثورة اختلف الوضع، وأعلن عن مساندته لترشيح عبد المنعم أبو الفتوح، وجاء مع أول مؤتمر انتخابي له لقناة "الناس"، في مناظرة عقدها الشيخ خالد عبد الله في برنامجه، بين مؤيدي الإخوان وخصومهم .ومثّل المؤيدين السفير رفيع الاحترام رفاعي الطهطاوي، وبجانبه نائب جلف عن الإخوان (لا أتذكر اسمه)، وفي الجانب الآخر كنت أنا ومختار نوح، الذي أكد أكثر من مرة أن مكانه في الجانب الآخر وليس بجانب سليم عزوز، لكن خلافه معهم كان واضحا، بغض النظر عن موقعه في الجلوس!

إنني قد أقبل من الإخواني السابق أن يقول إنه يختلف مع الإدارة الحالية في الانحياز لأفكار البنا، لكن أن يصل الأمر إلى تسفيه البنا نفسه -كما استمعت من محمد حبيب- فهذا هو ما يحتاج إلى فهم للحالة! ثم ما الذي يدفع مختار نوح إلى أن يصل به الحال إلى تسفيه نفسه بالادعاء أن بعض عناصر الإخوان متورطون في رش الزيت على الطرق بهدف التسبب في حوادث مرورية مميتة؟!

واستمر على هذا النحو، حتى بدا مختلفا مع كل تفاصيل الجماعة، وكأنه لم يمر يوما على رصيفها، ولم يكن عضوا مسجلا في سجلاتها. ودائما أقول: إنني قد أقبل من الإخواني السابق أن يقول إنه يختلف مع الإدارة الحالية في الانحياز لأفكار البنا، لكن أن يصل الأمر إلى تسفيه البنا نفسه -كما استمعت من محمد حبيب- فهذا هو ما يحتاج إلى فهم للحالة! ثم ما الذي يدفع مختار نوح إلى أن يصل به الحال إلى تسفيه نفسه بالادعاء أن بعض عناصر الإخوان متورطون في رش الزيت على الطرق بهدف التسبب في حوادث مرورية مميتة؟!

لقد انتهيت قبل أيام من قراءة مذكرات الدكتور عبد العزيز كامل، وقد كان عضوا في مكتب الإرشاد في زمن حسن البنا، واعتذر عن شغل موقع الأمين العام للجماعة، وقد اختلف مع الجماعة وأساليبها ووسائلها، واعتُقل وهو مختلف، لكنه يذكر البنا والهضيبي بالاحترام الواجب، وينتقد دون هجوم، وهنا تكمن المشكلة!

فعبد العزيز كامل خرج من الجماعة، وهو صاحب مشروع فكري، وتولى منصب وزير الأوقاف، ولم يتعرض للإقصاء من الجماعة أو الازدراء. أما المنشقون الجدد، فقد عاشوا حياتهم كلها في جماعة هي بالنسبة لهم الأهل، والقبيلة، والوطن، والمشروع العام والخاص. إنه يعيش مع الإخوان يومه، وعمره، وحياته. والتنظيم عندما يغضب لا يرحم، يستبيح العضو المنشق أو المفصول. كل التنظيمات هكذا: يمينا ويسارا. ويُفرض على هذا الشقي الانسلاخ من قبيلته ووطنه، فيصبح بلا قبيلة ولا وطن، لا سيما إذا كان في مرحلة عمرية لا تسمح له ببناء عائلة بديلة!

ولك أن تتصور ليلة الإطاحة بمحمد حبيب، كيف لم يمهلوه حتى الصباح ليغادر سكنه في صحراء التجمع، وهو المغترب في القاهرة، والشباب الذين كانوا قبل قليل يقبلون يده بصفته نائب المرشد، يطلبون منه إخلاء السكن، وتسليمهم السيارة، وأن يدبّر أمره بنفسه.

وفي حالة مختار نوح، فقد بدأ حياته النقابية مع سامح عاشور، لكن سامح انطلق كفرد، ولا مانع من تأييد تيار له، لكنه لم يكن أسيرا لدى أحد سوى لنفسه وتطلعاته. أما مختار، فعمل كعضو في الجماعة، فكانت نجاحاته بهذه الصفة، لتمر الأيام، وبينما يفوز سامح عاشور بموقع نقيب المحامين على مستوى الجمهورية للمرة الثانية، يفشل مختار نوح في المنافسة على موقع نقيب القاهرة!

ومختار، كمحام، أكثر كفاءة من سامح، ولو بنى نفسه بعيدا لكانت كفاءته تمكنه من تحقيق طموحه، لكنه لم يكن سيصل بهذه السرعة. بيد أن الصعود سريعا انتهى به سريعا، ففقد اتزانه، وسيطرت عليه الرغبة في الانتقام، حتى جعلت منه هذه الرغبة، عمر الشريف في فيلم "المواطن مصري".

ونتفهم أن يشفي مختار نوح غليله، فمَن في داخل التنظيم لا يملكون نظرة مَن في الخارج، من أنها جماعة المسلمين. فهو بشر، كان في مواجهة بشر، أساؤوا إليه، وأساء إليهم، ولم يرحموه في ضعفه، فلم يرحمهم في ضعفهم. فهو الرأي، والحرب، والمكيدة. لكن، ماذا يكسب المرء إن انتصر لنفسه وخسرها؟!

نسأل الله العافية!

x.com/selimazouz1
التعليقات (0)